ما يزال العقيد علي عبدالله صالح يواصل ألاعيبه واطلاق المزيد من احبولاته الاعلامية, رافضاً التخلي عن «الكرسي» رغم توقيعه على اتفاق نقل السلطة, ما يعيد الى الاذهان وفي شكل يأخذ طابع الالحاح, مَنْ الذي يدعم صالح ويشجعه على مواصلة هذا العبث, الذي لا يُقصد منه غير التخريب على أي محاولة لاخراج اليمن من راهنه المثقل بالأزمات والغارق في الدماء, والمرشح للذهاب الى مربع الفوضى والمجهول اذا لم يُقطع دابر الفتنة, التي يقف خلفها علي صالح وعائلته والبطانة الفاسدة التي ساندته أو استفادت منه أو ولغت في دماء اليمنيين ونهبت أموالهم وسرقت أحلامهم؟ آخر أحبولات العقيد الذي لا وظيفة رسمية له, بعد أن نقل صلاحياته الى نائبه عبدربه منصور هادي, هو إصداره عفواً عاماً عن كل من ارتكب «حماقات» خلال الاشهر الماضية.. هنا تكمن الاثارة, وهنا يمكن التوقف طويلاً عند المستوى الذي وصل اليه هذا الرجل, بعد أن واصل تصدر المشهد اليمني طوال ثلاثة عقود ونيّف ولم يعرف عنه اليمنيون انه ذكي أو ألمعي أو صاحب ثقافة عالية أو خيال سياسي خصب, ما بالك انه غير ضليع بالعلوم العسكرية وأن خبرته العسكرية أقل من متواضعة, بل هو دخل الجيش صدفة تماماً كما في وصوله صدفة الى منصب الرئاسة, بعد أن شهدت اليمن «اختفاء» رئيسين خلال وقت قصير احدهما بالاغتيال (ابراهيم الحمدي الذي اجهز عليه معارضو الوحدة فيما كان يستعد للسفر الى عدن للتوقيع على اتفاق الوحدة) والآخر (احمد الغشمي بعده بأقل من سنة في انفجار قنبلة مفخخة، توجهت اصابع الاتهام بعدها - وكالعادة - الى عدن, كي يخلو للعقيد مقعد الرئاسة التي استمر وجوده فيه منذ تموز 1978. «مرتكبو الحماقات» حصلوا على عفو من رئيس سابق او شرفي لكنه يرفض التنحي او تصديق ان «الاختام» لم تعد معه وان حامليها بالانابة او اولئك الذين سيكون وجودهم في السلطة شرعيا على عكس الشرعية المزيفة التي حمّلها صالح او وفّرها له حماته مقابل خدمات لم يتردد في تقديمها, ولكن من موقع الخادم والاجير وصاحب اليد الدنيا حتى وهو يُقدِّم سيادة بلاده لمانحي الاموال وموردي الاسلحة في الاقليم وفي عواصم القرار الدولي، الذين يحيطون العقيد بهالة من البهاء المزيف ويمشي على السجاد الاحمر ويستعرض حرس الشرف ويجلس على منصة العروض العسكرية فارغة القوة والمضمون والسيادة الوطنية, فيما يغرق اليمنيون في الفقر والبطالة والمرض والجهل وانهيار الخدمات والبنى التحتية. فمن هو الاحمق إذاً في هذا المشهد المحتقن الذي يُراد من خلاله ابقاء اليمن اسيرة الفوضى والمواجهات في الساحات والخنادق والمعسكرات, كي يطمئن حماة صالح ورعاته الى ان الامور لن تخرج على نطاق السيطرة وان حكومة محمد سالم باسندوة ستسير وفق جدول الاعمال الذي سيكتبه هؤلاء, لأن اليمن, كما قرر الاوصياء والممولون, محكوم بالحصار والتجويع والافقار وعدم السماح له بالتخلص من المديونية وهيمنة ثقافة الاقصاء والاستبداد وتغلغل الفساد في ادارة الدولة, أفقياً وعامودياً, والأهم من ذلك كله أن لا يعرف اليمن أي نوع من الديمقراطية وتحت أي ظرف, وإذا ما اصر الشباب اليمني على فرض قواعد اللعبة فإنهم سيواجهون ظروفاً أكثر صعوبة مما كانت حالهم عليه في عهد العقيد, على نحو قد يترحمون فيه على الديكتاتور الذي مكث في السلطة نيّفاً وثلاثين عاماً, ولم ينس شيئاً كما لم يتعلم شيئاً, لأنه ببساطة غير أهل للمنصب الذي جيء به إليه, في صفقة اقليمية محمولة على تفاهم عشائري وقبلي, خرج منها «الرعاة» والوسطاء والسماسرة بالمال الوفير والاعطيات التي لم تتوقف حتى في اسوأ الظروف.. هل يستمر أحمق في السلطة كل هذه المدة؟ لِمَ لا.. فالأحمق صنو المستبد والفاسد والسمسار والآتي على ظهر الدبابة, تعددت الوظائف والصفات والمنابت الاجتماعية لكنها في النهاية تخدم هدف الرعاة في المنطقة والاقليم وعبر البحار والمحيطات, وإلا كيف لثورة انيقة وباسلة كالثورة اليمنية أن تتواصل كل هذه المدة دون أن تنجح في اسقاط هذا الديكتاتور وارسال نظامه الى مزبلة التاريخ, فيما عواصم القرار الاقليمي (وليس فقط الدولي) تبدي كل هذا التسامح ازاء مراوغته وألاعيبه ودمويته؟!