ثمة اعتقاد سائد لدى قطاع واسع من الثوار مفاده أن اهداف وغايات عملية التغيير تتحقق بمجرد الإطاحة بما تبقى من رموز الأسرة الصالحية من المواقع التي لازالوا يشغلونها . الإعتقاد الآنف بقدر ماينطوي على قصور بائن في الرؤية والهدف إلا انه في واقع الأمر يؤكد عدم إدراك الشباب لطبيعة الأبعاد المترتبة على إقتصار عملية التغيير على رموز الأسرة دون غيرهم من رموز النظام القديم وتحديداً أولئك الذين يتبوؤن مواقعهم القيادية لعقود خلت من الزمن.
هنالك مخاطر عديدة تترتب على اعتماد نهج التجزئة في تطبيق عملية التغيير عبر حصرها على فئة محدودة في النظام السابق والإبقاء على ماعداها من الفئات المهيمنة الأخرى التي تعد جزءاً لا يتجزأ من النظام السابق، وهي مخاطر لاتبدو حاضرة في اجندة الشباب أو على الأقل قطاع واسع منهم .
مناصب ام ممالك شخصية في يمن مابعد صالح ، هنالك حاجة ملحة لإحداث تغيير حقيقي وشامل يطال مختلف المواقع القيادية وتحديداً تلك التي لم تخضع لطائلة التدوير الوظيفي منذ سنوات طويلة لدرجة تحولت فيها إلى ملكيات شخصية أكثر من كونها مناصب قيادية .
يعتقد الشباب أن بقاء القيادات القديمة والمعتقة في مواقعها القيادية الراهنة أمر لاينطوي على أي مخاطر فعلية ولايشكل تهديداً لملامح المستقبل المأمول الذي اندلعت من اجل تحقيقه ثورة الشباب. قصور الرؤية السابقة لايوازيه في الحقيقة سوى تجاهل الشباب لأية اصوات تنادي بإعادة النظر في الغايات المفترضة التي يجب أن تطالها عملية التغيير المنشودة .
بوسعنا هنا ايراد بعض التصورات حول طبيعة المخاطر المترتبة على استثناء رموز الحرس القديم من عملية التغيير التي تشهدها البلاد . بوضوح يمكننا استيعاب الحقيقة التالية: النظام السلطوي القديم ما انفك يناضل من اجل اعادة انتاج ذاته عبر ادوات الفعل الثوري وعملية التغيير ذاتها .. !
لتوضيح الحقيقة الآنفة لامناص من التعريج على امرين أولهما : أن رموز الحرس القديم اعتمدوا في تكتيكات إعادة انتاج سلطتهم على استغلال ثورة الشباب عبر القفز الى مربع التأييد لها كخطوة تمهيدية على طريق جني الثمار وتحقيق غاية إعادة الإنتاج .
ثاني الأمرين : أن رموز الحرس القديم استطاعوا من خلال انتقالهم الى مربع التأييد للثورة أن يتحكموا في مسارات عملية التغيير ذاتها بصورة مكنتهم من اقصاء خصومهم وتفادي خضوعهم لطائلة التغيير .
صنم يتحدث بإسم الثورة! بهذا التكتيك لم يعد من المستغرب أن يأتي أحد رموز الحرس القديم للتحدث بلسان حال الثورة والمزايدة على ابناءها وتخليق هاله من القداسة الثورية حول شخصه لدرجة بات فيها مجرد الحديث عن ضرورة خضوعه لعملية التغيير ضرب من التعدي على الفعل الثوري نفسه وكأن الثورة لايمكن أن تبقى دون وجوده وحمايته .
منتهى التسطيح للوعي الجمعي ، عبارة تبدو الأكثر دقة في توصيف المشهد الذي انتجته تكتيكات الحرس القديم . شخصياً لاأظن أن ملايين الثائرين في بلادي قد بارحوا حياتهم ولزموا الساحات من احل اعادة انتاج سلطة الحرس القديم.
لقد ناضل هؤلاء جميعاً من اجل احداث تغيير حقيقي وشامل يطال مراكز القوى بشقيها القديم والحديث بإعتباره الخطوة الأولى على طريق بناء الدولة المدنية الحديثة التي ينشدها الجميع .
أي قيمة للثورة ولعملية التغيير إذا لم تطال قيادات معتقة تتبوأ مواقعها القيادية لعقود زمنية خلت ، ماقيمة الثورة وعملية التغيير إذا لم تتمكن من الدفع بقيادات شبابية جديدة في كل المواقع كبديل لتلك القيادات المعتقة التي تحول اربابها بفعل التقادم الزمني إلى آلهة وثنية واصنام معبودة تأمر فتطاع .
رجال غير قابلين للعزل حين نتحدث عن ضرورة اقصاء قيادي معتق كغالب القمش مثلاً أسوة بنظيره عمار صالح الذي طالته عملية التغيير ، يظن بعض الشباب أن هذا الحديث ينطوي على غايات مضرة بالعملية الثورية والبلاد برمتها. شخصياً لا ادري ماهو الضرر الذي يمكن أن يسببه رحيل قيادي معتق كالقمش على الثورة أو على مستقبل البلاد ، مهما بدا نفوذ هذا الرجل مرعباً إلا أنه يظل موظفاً لدى الدولة وبالتالي لدى الشعب شأنه في ذلك شأن غيره من القيادات التي طالتها عملية التغيير .
وبما أنه يتبوأ موقعه القيادي في المنظومة الأمنية منذ عقود ، فإن إخضاعه لطائلة التغيير يبدو ضرورة حتمية ، إن لم يكن من اجل تعزيز فكرة التغيير ذاتها فمن اجل المستقبل الأفضل الذي لايمكن تحقيقه بقيادات وسواعد اكل عليها الدهر وشرب .
الجنرال القمش يبدو نموذجاً بارزاً لقيادات اخرى معتقة استطاعت أن تستغل الفعل الثوري لإعادة انتاج سلطتها ونفوذها بموازاة السعي الحثيث لتوجيه عملية التغيير ذاتها وتفادي التعرض لها . حين علمت بصدور القرار الجمهوري الخاص بعزل عمار صالح، توقعت أن يأتي متزامناً مع قرار جمهوري مماثل يقضي بعزل الجنرال غالب القمش من موقعه إن لم يكن بهدف تحقيق تغيير مزدوج في الجهازين فبهدف تمكين احد قيادات الجيل الثاني في جهاز الأمن السياسي من الإرتقاء إلى موقع الرجل الأول الذي يحتكره القمش منذ أكثر من عقدين زمنيين .
مع الأسف ذهبت توقعاتي ادراج الرياح ليس هذا فحسب ، لقد بدأت أشعر بأن هذا الرجل لايبدو وارداً في قائمة الأهداف المنتظرة لعملية التغيير ، بل إنني احياناً أظن أنه غير قابل للعزل ولاوجود لأي قوة يمكن أن تجبره على الرحيل سوى ارحم الراحمين .. !!
رحيل القمش لن يخلف فراغا يزعم بعض الساسة أن رحيل القمش يمكن أن يتسبب في احداث فراغ امني يستعصي شغره ، تعليل كهذا بقدر مايبدو ضعيفاً من الناحية الاقناعية فإنه بالقدر ذاته ينطوي على رغبة سياسية عارمة في بقاءه وعدم اخضاعه لطائلة التغيير.
مكمن الضعف في التعليل الآنف يرجع الى وجود كوادر وقيادات امنية عالية الإحتراف قادرة على ملء أي فراغ مفترض يمكن أن ينشأ عن إقصاء القمش ورحيله من جهاز الأمن السياسي .
هنا لن اسوق امثلة لمسميات من خارج المؤسسة نفسها ، فالجهاز حسب معلوماتي يضم قيادات قادرة على شغل موقع الرجل الأول كبديل للقمش –العميد راجح حنيش انموذجا- وهي قيادات حتى وإن كانت موالية للقمش نفسه إلا أنها تستطيع أن تدير اعماله وانشطته لن اقول بطريقة احترافية ولكن على النحو المتوخى والمرجو .
احتجاجات في الامن السياسي مسألة رحيل القمش لم تعد في الواقع نابعه من تكريس فكرة التغيير ذاتها ، فهنالك دواعي ومسببات عديدة لاتقتصر على التقادم الزمني وعدم قدرة الرجل على تحقيق انجازات ملموسة في المجال الأمني ، ثمة مسببات ودواعي أخرى لعل ابرزها واعلاها شأناً الإحتجاجات المتتالية لضباط في الجهاز من أداء الرجل واسلوبه في إدارة الجهاز وهي احتجاجات ظهرت في صورة اعتصامات ومظاهرات سلمية داخل الجهاز نفسه من قبل ضباط ينتسبون إليه .
هنالك معطيات عديدة تشير إلى أن الرجل يدير الجهاز بعقلية تسلطية وأسلوب يعتمد على القهر والقوة في الإدارة اليومية لعمليات الجهاز وانشطته المختلفة سواء تلك الظاهرة منها أو تلك التي تكون فيها الكواليس مسرحاً للتنفيذ بعيداً عن الأنظار.
خلال موجة الإحتجاجات الأخيرة التي شهدها جهاز الأمن السياسي لم تقتصر اساليب الإخضاع التي استخدمها القمش على اسلوب النقل والإستغناء من العمل ، لقد كان قاسياً جداً في تعامله مع المحتجين من منتسبي الجهاز لدرجة وصل معها الأمر حد الزج بنحو(35) ضابطاً في اقبية الجهاز المظلمة التي يتواجد فيها عناصر من تنظيم القاعدة والحوثيين .
في موجة الإحتجاجات الأولى التي شهدها المقر الرئيسي للجهاز بصنعاء قبل أشهر قطع القمش على نفسه وعوداً بتسوية اوضاع المحتجين وتنفيذ مطالبهم وتحسين معيشتهم غير أنه مع الأسف لم ينفذ من وعوده العرقوبية تلك أي شئ على الإطلاق وهو مادفع بالمئات من الضباط ومنتسبي الجهاز لتنفيذ جولة جديدة من الإحتجاجات والإعتصامات الرافضة للرجل ولسياساته التقليدية التسلطية في إدارة المخابرات اليمنية.
بوسعنا الزعم هنا أن تلك الإحتجاجات والإعتصامات التي نفذها مئات الضباط لاتكشف سوى عن جزء بسيط من ممارسات الرجل وأساليبه القمعية في إدارة الجهاز وتسيير شئونه اليومية .
حياة ضابط تتحول الى جحيم ثمة روايات متضاربه عن حجم العقوبات التي يتعرض لها ضباط ومنتسبو الجهاز في حال رفضهم القيام ببعض العمليات القذرة التي ينفذها احياناً، هنا أذكر أن ضابطاً شكى بمرارة لزملاء صحفيين من الأساليب التي مارسها معه الجهاز حين ابدى رفضه القيام بإحدى العمليات متخذاً قراراً بالإنسحاب وتجميد نشاطه الأمني في الجهاز والإتجاه نحو العمل الخاص.
لقد مارس الامن السياسي ضده إضطهاداً منظماً وخضع للإعتقال عدة مرات كما تم محاربته في عمله الجديد بإحدى الشركات التجارية وإرغامه على التنقل بين الشركات هرباً من إضطهاد الجهاز وملاحقاته، الأمر لم يقتصر على ذلك فحسب ، لقد وصل الى حد التدخل في حياته الخاصة ومحاولة تجنيد افراد من اسرته ومضايقتهم ومراقبتهم والتضييق عليهم في مجمل انشطتهم واعمالهم وذلك في محاولة لإرغامه على العودة لمزاولة عمله الامني.
على طريقة ماخفي كان اعظم ، يمكننا الإدعاء بأن هنالك فضائع وانتهاكات وجرائم لازالت طي الكتمان ويستعصي على الرأي العام معرفتها أو الإطلاع عليها طالما ظل هذا الرجل على رأس الجهاز الأمني .
الجنرال الغامض في حياته وعمله يبدو الجنرال القمش اكثر رجالات الجهاز الأمني غموضاً وتوارياً عن الأنظار ، إنه محاطاً بهاله من السرية والتكتم الشديد، يبدو الأمر هنا شبيهاً برجال الظل الذين يديرون معظم التفاعلات اليومية في حياة المجتمع اليمني دون أن تظهر لهم بصمات واضحة في ذلك .
يعرف عن هذا الجنرال الغامض ميوله نحو التسلط وعدم الإنصات للرأي الآخر ورفض كل مايتعارض مع رغباته وقراراته .! اللعنة والغضب، عادة مايكونان هما المصير والمآل المنتظر لأي ضابط يحاول التمرد على سلطة الجنرال المعتق ، فطاعته ينبغي أن تكون مطلقة وكلية ودون نقاش على طريقة نفذ ثم لا تتظلم ..!
أحياناً يبدو الجهاز وكأنه مؤسسة شخصية مملوكه لغالب القمش لدرجة يبدو الأمر فيها وكأنه محض إله وثني وصنم معبود .
لايطيق القمش أن يسمع أي وجهات نظر تتعارض مع وجهة نظره ، كما أنه من النوع الذي يكره النقد ويرفض أي ملاحظات أو محاولات للتقييم يمكن أن تقدم إليه مباشرة أو عبر وسائل الإعلام . رفضه للنقد جعل منه خطاً أحمر يهاب الصحافيون الإقتراب منه أو التعرض لأخطائه خشية تعرضهم للإعتقال أو الخطف أو التسميم أو المضايقة والتدخل السافر في الحياة الخاصة .
الكتابة عن القمش بوصفها مغامرة! الكتابة عن غالب القمش مغامرة كبيرة وخطيرة عبارة شهيرة يجري تداولها في الوسط الصحفي ، هنا لعله من الملائم إيراد عبارة أخرى تقترب من ذات المضمون لأحد الزملاء الصحفيين ونصها: من يريد أن يكتب عن اخطاء القمش فعليه أن يستعد لكل الإحتمالات! فحياته ستكون معرضه لخطر دائم كنتاج بديهي يترجم رفض الرجل للنقد واعتقاده بأنه الوحيد المنزه عن الأخطاء والسلبيات .
ادرك أن هذا المقال يمكن أن يجلب عليّ الويلات ولا استبعد أنني سأتعرض لأبشع انواع الإضطهاد على يد جلاوزه هذا الرجل ، وهنا أجدها فرصة لتحميله كامل المسئولية عن أي سوء يمكن أن يطال حياتي ، لكن
إدراكي لكل هذا لايمكن أن يشكل عائقاً يحول دون المطالبة بضرورة رحيل هذا الرجل وإحالته إلى التقاعد إنتصاراً لفكرة التغيير التي سفكت من اجل تحقيقها دماء الشهداء في ساحات النضال والحرية والتغيير بعموم المحافظات . من حقنا كيمنيين أن نطالب بالتغيير الشامل الذي لا يستثني أحداً لأسباب تتعلق بتأييد الثورة أو التحالف مع قوى داخلها .
بين الإقالة والإستقالة كم تمنيت من الجنرال القمش أن يبادر إلى تقديم استقالته من قيادة الجهاز وإتاحة الفرصة لغيره من كوادر الجيل الثاني في الامن السياسي.
كنت أتمنى أن يبادر هو شخصياً إلى احداث عملية التغيير والدفع بها وعدم الإنتظار لحين صدرو قرار العزل . لاأظن أن رئيس الجمهورية المشير / عبدربه منصور هادي قادر على إصدار قرار جمهوري بعزل هذا الرجل على الأقل في المرحلة الراهنة.
لذلك اتصور أننا فيما يتعلق برحيل القمش لانملك سوى أحد خيارين فإما أن تتدخل العناية الإلهية في الموضوع وإما أن يقدم الرجل استقالته الطوعية من منصبه ليكون بذلك أول رئيس جهاز مخابرات يترك منصبه طوعياً دون أي ضغوط .
لا اعتقد أن الرجل يمكن أن يقدم أي انجازات حقيقية إذا استمر في موقعه على رأس المنظومة الأمنية ، فهنالك قاعدة علمية تقول " يصعب على المرء أن يقدم أي انجازات إذا بقي في منصب واحد لأكثر من عشرة أعوام " . لذا كم اتمنى أن يتخذ الرجل قراراً جريئاً ويقدم استقالته طوعياً ليسجل بذلك أول سابقة في تاريخ المخابرات اليمنية .. وكفى