كل يوم يقدم الرئيس عبد ربه منصور هادي دليلا اضافيا على ان لديه رؤية واضحة المعالم في كيفية العبور باليمن مما هي فيه الان الى مرحلة تؤسس لبناء دولة مدنية حديثة، لكن ذلك وحده لن يساعد على انجاز هذه المهمة لان الامر يتطلب دعم واضح وصريح لهذا التوجه واضعاف مراكز النفوذ العسكرية والقبلية التي تسعى لمحاصرة الرجل واحياء مشروع المزاوجة بين الدولة والقبلية والعسكر... القرارات الخاصة باعادة دمج قوات الجيش خطوة مهمة وبداية لطريق سيؤدي في النهاية الى انها الاقطاعيات العسكرية التي تشكلت طول حكم الرئيس السابق وتحويل هذه القوة الى مؤسسة وطنية مهمتها مواجهة خطر الارهاب، والمساهمة في بسط نفوذ الدولة وتامين حدودها، وليس حماية النظام، وشراء الولاءات وادارة الاستثمارات العائلية.. ربما ان الخطوة لم تاخذ حقها من الاهتمام والتناول لا في كونها استهدفت تحرير 12 لواء عسكرية من قبضة احمد علي عبد الله صالح وعلي محسن الاحمر، ولكن لان الرؤية كانت لدى الكثيرين تتجه نحو قرار رئاسي بابعاد الرجلين عن قيادة الحرس الجمهوري والفرقة الاولى مدرع.. تركيبة الجيش اليمني حاليا قائمة على تشكيلات مناطقية وقبلية تتحكم في مفاصل هذه القوات فمعظم ان لم يكن قادة الاولوية واركان الحرب من منطقة او من قبلية حليفة او علاقة مصاهرة مع قادة هاتين القوتين، والامر يمتد الى قادة الكتائب، وتجربة اللواء الثالث مشاه جبلي المرابط في محيط العاصمة وداخل مقر رئاسة الجمهوري كشفت عن مدى فشل تلك الرؤية لان القائد الجديد للواء عبدالرحمن الحليلي لا يستطيع ان يامر قائد كتيبة لان الولاء المناطقي والقبلي اقوى من الالتزام العسكري.. حين جاء الرئيس ابراهيم الحمدي الى الحكم كانت تشكيلات الجيش تخضع لعائلة واحدة، وهناك جماعات قبلية كانت تهيمن على بعض الوحدات، فيما ظلت معظم الوحدات التي لا تنتمي لتلك الجماعة القبلية او المنطقة الجغرافية خارج اطار الاهتمام حتى تسليح هذه الوحدات كان باسلحة قديما جدا، وفق ما اكد لي ذلك اللواء محمد سري شايع،ولهذا عمد الحمدي الى انهاء سيطرة العائلات والمناطق، وامر بمساوات وحدات الجيش في التسليح وفي الاعتمادات والتغذية والملابس وغيرها من المؤن.. الوضع اليوم معقد اكثر مماكان عليه ايام الشهيد الحمدي، لان الانتماء القبلي والعائلي قد تجاوز المواقع الرئيسية في الجيش الى التشكيلات الوسطى والادنى ولهذا فان اعادة توزيع ودمج وحدات الحرس الجمهوري والفرقة الاولى خطوة متميزة تستحق الدعم والمساندة بعيدا عن المناكفات، والقوى المعنية بالدفع نحو الوصول الى نحو بناء دولة مدنية حديثة مطالبة قبل غيرها بتقوية موقع الرئاسة وتحريره من ضغوط جماعات النفوذ العسكرية والقبلية، باعتبار ذلك هو الخيار الطبيعي لتحقيق هدفها.. في العقود الثلاثة من حكم صالح تمت المزاوجة بين القبيلة والدولة واستمد شيوخ المناطق نفوذ وقوة اضافية من الدولة عندما منحتهم صفة تمثيلها في مناطقهم، ومنحوا رتب عسكرية واعتماد لتشكيلات مسلحة تتسلم اعتمادات ومرتبات شهرية من وزارة الدفاع دون ان يكون للوزارة اي علاقة بهؤلاء، كما ان ولائهم وارتباطهم كان بالشيخ القبلية وليس بالدولة، لانهم لم يحصلوا على تلك الامتيازات الا بفعل انتمائهم القبلي.. الشيخ اصبح عميد وعقيد في الجيش وهو مدير المديرية وقائد الكتيبة العسكرية، وتاجر السلاح باسم وزارة الدفاع، وصاحب القطاعات النفطية التي ينبغي على الشركات العالمية التفاوض معه من اجل التنازل عن الامتياز الذي حصل عليه بتوجيه رئاسي، والقادة العسكريين يبسطون وينهبون، ويجندون ويفصلون من شاءوا ومهمة وزارة الدفاع هي صرف الاعتمادات المالية فقط.. اتذكر انه وعند اقرار الاستراتيجية "الكارثية" للاجور والمرتبات والتي الحقت ظلما فادحا بكل موظفي جمهورية اليمن الديمقراطية، ان وزارة الخدمة المدنية والقادة العسكريين تفاوضوا على اعتماد زيادات العسكريين في ثلاث مراحل اذا لم تخني الذاكرة، في الاولى لثلاثمائة الف جندي، وفي الثانية اربعمائة الف، وفي الاخير خمسمائة الف، ولم يسمح لوزارة الخدمة معرفة العدد الحقيقي لقوات الجيش او كم عدد المنتسبين لقوات الحرس الجمهوري او الفرقة.. حتى اليوم لدينا لواء عسكري عدد افراده الفين جندي، ولواء اخر تعداد منتسبية عشرة الف واخر عشرون الف وفق ما اكد لدي صديق يعمل في وزارة الدفاع، ولكن هذا الصديق لايمتلك تبريرا لهذا المعيار في التجنيد وتحديد قوام الالوية العسكرية، الا ان هذه الالوية كانت اقطاعيات خاصة بقادتها. لدينا قادة في الامن السياسي وفروعه مضى عليهم اكثر من عشرين عاما ولم يتم نقلهم او تغييرهم حتى اصبحوا قوى نفوذ مرعبة في المحافظات، واستطيع الجزم ان تسعين في المائة من قادة الجهاز وفروعه في المحافظات لم يتغيروا منذ مايزيد على عشرين سنة، وان حدث فتم نقل القديمي من اب الى الحديدة والبحر من تعز الى عدن.. اذا ما شعر الرئيس هادي انه مجرد من السند السياسي والشعبي المطلوب لانجاز مهمته في اعادة السيطرة على مؤسسات الجيش ودمجها، والوصول الى مؤتمر الحوار الوطني الذي سيضع اسس بناء الدولة الحديثة، وتخلت عنه القوى التي اعتبرت نفسها متضررة، فان مراكز النفذ العسكرية والقبلية ستتمكن من محاصرته والتاثير على صناعة القرار السياسي، وبالتالي سنكون امام نسخة رديئة من النظام الذي اشبعناه لعنا ليل ونهار، وقدمت اليمن الالاف من انبل شبابها ضحايا لاسقاطه..