(1) تأكد بما لا يدع مجالا للمكابرة والشك أن الرئيس السابق لن يترك العملية السياسية تسير بأمان وفق المبادرة الخليجية، فعبارات التأييد التي يعلنها للرئيس هادي، وخطابه الأخير بما فيه من تهديدات كان موجها أساسا للرئيس عبدربه هادي لأنه هو الذي يقود المرحلة الراهنة بما فيها إعادة هيكلة القوات المسلحة والأمن الذي سماه صالح: كسر مؤسسات الجيش ومؤسساته الوطنية.. واللجنة العسكرية تعمل بقيادة هادي وإشرافه! يمكن القول إن خطاب صالح هو رد فعل منزعج لكلمة هادي الأخيرة التي حذرت الذين يعيقون الإصلاحات، وقد فهمها صالح جيدا فجاء رده بهذه الحدة والانزعاج الذي يعيد إنتاج خطاباته التحريضية التي كان يلقيها في السبعين!
(2) إذا كان الرئيس السابق يعتقد حقا أن مستقبل اليمن بين أيدي المؤتمريين -كما قال في خطابه- فهذا معناه أن على الأممالمتحدة ومجلس الأمن الدولي أن يعملوا منذ الآن على إعداد مجموعة أخرى من المبعوثين الدوليين للتخصص في شؤون اليمن؛ لأن الحاجة إليهم سوف تكون ماسة بما لا يتصوره عقل.. فإذا كان اليمن واليمنيون وصلوا إلى درجة من الإحباط والتدهور المعيشي والبؤس واليمن كانت على مستوى الشعارات: في قلوب المؤتمريين.. واليمن أولا؛ فكيف سيكون الحال عندما يصير اليمن بين أيديهم.. الملوثة؟!
(3) أسوأ دعاية لاقتها الوحدة كانت تلك الفقرات الحماسية التي تحدث فيها (صالح) عن الوحدة.. فلم يكن ينقص الوحدة إلا أن يبدو الرئيس السابق مدافعا عنها في الوقت الذي أوصلت سياسته خلال السنوات الأخيرة البلاد إلى حافة الانفصال وفك الارتباط، وانتعاش آمال الإمامة في صعدة، وظهور دعوات استقلال حضرموت وعدن!
(4) لا أدري كيف كان الأستاذ محمد باسندوة مستشارا لصالح منذ 1969م؟ أفهم أن يكون كذلك منذ 1978.. أو حتى منذ توليه قيادة لواء تعز.. لكن أن يكون مستشارا له منذ 1969 وهو ما يزال ضابطا صغيرا في سلاح المدرعات فأمر يحتاج إلى تفسير؛ فباسندوة لم يعرف عنه أنه كان (كولونيل) في أي زمن! (5) بالمقارنة بين شهور حكومة الوفاق القليلة وما قبلها من عهد صالح؛ فهناك تطورات إيجابية في الوضع العام للبلاد، رغم وجود جحافل الحرس الجمهوري والأمن التي تعمل (قطاع عائلي).. وبرغم حوادث التخريب التي وصلت إلى مستوى اقتحام وزارتي الداخلية والدفاع.. وبرغم العصابات التي تكونت خصيصا لتخريب خطوط الكهرباء وأنبوب النفط، وتعمل بطريقة مفضوحة لصالح النظام السابق! لقد ظلت كل الأنظمة التي حكمت اليمن بعد عهدي الاستعمار والإمامة تعيد قصورها وفشلها إلى مخلفاتهما رغم مرور عشرات السنين؛ فكيف لا يكون منطقيا أن تظل التأثيرات السلبية لنظام صالح مؤثرة ولم يمر سوى شهور قليلة على حكومة الوفاق؛ فضلا عن استمرار مؤامراته لإفشال العهد الجديد باستخدام نصف الجيش المخطوف بين يديه، وأموال الدولة المنهوبة التي لا يعلم إلا الله كم مقدارها، ويمكن استنتاج ضخامتها من استمرار فعاليته الإعلامية ونجاحه في عقد تحالفات جديدة – أو استعادة تحالفهما القديم- مع الحوثيين ومرجعيتهم المذهبية والسياسية في صنعاء.. بالإضافة إلى الضباع السياسية والإعلامية التي تعمل وفقا لنظام كروت التعبئة! (6) هل صحيح أن المؤتمر صار نظيفا بعد انشقاق عدد من كوادره.. وانضمامها للثورة الشعبية؟ بداية.. هذا اعتراف بأن المؤتمر هو بؤرة فساد ومستنقع للفاسدين.. وهو ما كان الناس يتحدثون عنه وقيادة المؤتمر والدولة تنفيه! أما حكاية أن المؤتمر أصبح نظيفا ولم يبق فيه إلا الصامدون والأبطال فأمر لا يتوافق مع الإصرار على الحصول على الحصانة.. ونهب المعسكرات.. ورفض قانون العدالة الانتقالية! (7) أسوأ دعاية لفكرة الدولة المدنية الحديثة جاءت في خطاب الرجل الذي حكم 33 عاما وفشلت كل المحاولات لإقناعه بإصلاح الأوضاع، وانتهى عهده واليمن مجموعة مزارع خاصة موزعة على الأبناء والأقارب وأهل القرية! ونظن أن هذا الإعلان منه ينبغي أن يجعل (المخدوعين) ببعض (تجار) فكرة الدولة المدنية أن يعيدوا تقييم الموقف ومحاولة فهم التحالفات الانتهازية القائمة بين تجار الدولة المدنية الحديثة.. وقاتلي الدولة المدنية.. ودعاة الدولة المذهبية الجديدة!
(8) لا فرق بين الرئيس السابق ودعاة الانفصال وفك الارتباط في تفسيرهم لما حدث ويحدث منذ 1990.. كلهم يريدون تبرير أخطائهم بعيدا عن الجريمة التي ارتكبوها ونهبوا بها الوحدة والديمقراطية! اليوم؛ دعاة الانفصال وفك الارتباط الذين خسروا السلطة أثناء الصراع غير الديمقراطي عليها يبررون مواقفهم بالبكاء على الجنوب والجنوبيين الذين باعوهم بثمن بخس أثناء قيام الوحدة! والرئيس السابق يتظاهر بالبراءة وهو يتساءل عن سبب ظهور دعاوى الانفصال وفك الارتباط بعد الوحدة! الجريمة التي شارك فيها الطرفان هي السبب: نهبوا آمال اليمنيين عند إعلان الوحدة، وتقاسموا الوطن والثروة، وتآمروا على تأميم الديمقراطية وجعلها شكلية.. فلما عجزوا عن الاستمرار في جريمتهم اختلفوا وبان المخبأ! (9) حكاية أن الدم اليمني أغلى من الكرسي والسلطة والجاه والمال كان يمكن تصديق إيمان الرئيس السابق بها لو كان تنحى قبل مذبحة جمعة الكرامة، وقبل إحراق ساحة الحرية في تعز.. وقبل تدمير أحياء الحصبة وصوفان ونهم وأرحب وبني جرموز.. وقبل تسليم أبين للقاعدة وصعدة للحوثيين! وكذلك كنا سنصدق أن صالح لا يعدل بالدم اليمني شيئا لو كان جمع أسرته وأولاده وأقاربه وأصهاره وغادروا اليمن، وتركوا اليمنيين يعالجون مشاكلهم ويعيدون بناء وطنهم وحاضرهم ومستقبلهم دون إراقة الدماء اليمنية التي يقول الآن إنها أغلى عنده من الكرسي وتوابعه! (10) إحدى علامات تدهور مستوى أداء صالح هو وجود البركاني بجانبه ليقوم بدور المغشش الغبي الذي يفشل في تمرير الغش بعيدا عن الأنظار فشاهد الناس عملية التغشيش بالصوت والصورة! وكما قال الشاعر: ومن يكن الغراب له دليلا يمر به على جيف الكلاب