القضاء البريطاني يصدر قراراً بملاحقة ليفني "وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة" على خلفية الجرائم الإنسانية التي ارتكابها الكيان الصهيوني في حق الشعب الفلسطيني العام الماضي. انتهى الخبر. يحمل هذا الخبر ملابسات عدة وغرائب جمة فقد صدر عن الدولة ذاتها التي غرست ورعرعت ذلك الكيان البغيض في وطننا العربي بداء باحتلالها وتهجير اليهود عليها ومن ثم إعطائهم وعد بلفور المشئوم وأوفت به حين سلمت أرضاً لا تملكها لمن لا يستحقها.
يعزي البعض هذا القرار الصادر لنزاهة القضاء البريطاني واستقلاله والبعض ذهب إلى تفسير ذلك بمسرحية سياسية تهدف بريطانيا من وراءها لتحسين صورتها داخلياً وخارجيا، بينما ذهب آخرون -ومنهم عبد الباري عطوان- بان ذلك القرار جاء نتيجة لتنامي الوعي العالمي والأوربي خاصة بالأخطار المحدقة التي يصنعها لهم الكيان الصهيوني حيث لم تعد الأضاليل والأكاذيب الصهيونية توتي ثمارها وتحقق أهدافها وقد ارجع ذلك التنامي لنشاط الجاليات الإسلامية هناك.
لا أخفيكم أنني لم اهتم بكل ما سبق ليس ليقيني بعدم الجدوى من كل ذلك فقط ولكن لأني كنت اترقب رد الفعل الرسمي للحكومة الإسرائيلية حتى خرجت على الفور ببيان محذرة فيه بريطانيا من مغبة ذلك القرار على علاقة البلدين ومهددة إياها بعدم تمكينها من لعب أي دوراً في عملية السلام بالمنطقة.
في حالة استمرارها بملاحقة مسئوليها رغم أن هذا الدور كان وسيظل يصب في صالح إسرائيل ليفني الصادر ضدها قرارا لملاحقة هي زعيمة المعارضة الإسرائيلية حالياً بعد أن خروج حزبها (كاديما) من الحكم عقب الانتخابات الأخيرة ومع ذلك تحملت حكومتها مسؤوليتها تجاهها وقامت بواجبها نحو ها كونها مواطنة إسرائيلية حتى و أن كانت زعيمة المعارضة فهذا لا يهم.
نعم حين تعرضت مواطنة إسرائيلية لمجرد تهديد أغضب حكومة بلادها فداس جميع أعضائها بإقدامهم كل الدعم البريطاني المقدم لهم منذ ما يقرب من قرن، بل أناسهم غضبهم أنهم يدينون لبريطانيا بوجود كيانهم بفلسطين ولولاها لما صاروا وزراءه فربما كان احدهم في موسكو و الأخر في سيبريا والثالث ببرلين ...الخ. داسوا وتناسوا فخرجوا بتلك التهديدات.
هكذا يبدو الأمر طبيعياً في تلك الدول التي تحترم مواطنيها أما الأنظمة العربية والتي اعتادت عدم الاهتمام برعاية مواطنيها والتي لا تكلف خاطرها الاكتراث لمخاطرهم -إلا من باب الاستفادة أو لاسترزاق بهم- ولطالما قايضت أنظمة عربية بأرواح مواطنيها وكرامتهم و..و..، مقابل حفنة من الدولارات أو طلب لموقف ما يعزز و يخدم بقائها في كرسي الحكم حتى تموت عليه ومن توريثه لأبنائها والمضحك والمبكي في آن واحد أن كل ذلك يتم باسم الشعوب ولأجل الشعوب.
بل إن الأنظمة العربية هي من تفتك وتقتل وتشرد معارضيها وكل من تتوهم فيه نُذر خطر يهدد مصالحها وحينها تبدو حاجة شعوبنا العربية إلى من يحميها من حكامها ويحذرهم من المساس بمواطنيهم وهذا ما حدث في الآونة الأخيرة للأسف الشديد.
فهل تتعلم الأنظمة العربية من رد الفعل الإسرائيلي على قرار القضاء البريطاني ضرورة احترام مواطنيها وضرورة تحمل مسؤوليته حمايتهم ورعايتهم حتى وأن كانوا معارضيها أو على الأقل أن تكف أذاهم عنهم فهم مواطنيها وان كانوا معارضين فحق المُواطنة لا يسقط بالمعارضة.