يصادف اليوم السبت الذكرى ال96 لصدور وعد "بلفور المشؤوم" الذي منحت بموجبه بريطانيا الحق لليهود في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين بناءً على المقولة المزيفة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض". وكان الوعد الذي جاء- ممن لا يملك لمن لا يستحق- بمثابة الخطوة الأولى للغرب على طريق إقامة كيان لليهود على أرض فلسطين استجابة مع رغبات الصهيونية العالمية على حساب شعب متجذر في هذه الأرض منذ آلاف السنين. وجاء الوعد على شكل تصريح موجه من قبل وزير خارجية بريطانيا آنذاك آرثر جيمس بلفور في حكومة ديفيد لويد جورج في الثاني من نوفمبر عام 1917 إلى اللورد روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية العالمية بعد مفاوضات استمرت ثلاث سنوات دارت بين الحكومة البريطانية من جهة، واليهود البريطانيين والمنظمة الصهيونية العالمية من جهة أخرى. و أغلق ناشطون من " ائتلاف شباب الانتفاضة" يوم الخميس الماضي عدة مؤسسات دولية في قطاع غزة في الذكرى ال 96 لوعد بلفور. وبدأت سلسلة الاحتجاجات أمام مقر الأممالمتحدة غرب مدينة غزة حيث أغلق الشباب البوابة الرئيسية للمقر قبل أن ينتقل بعضهم للاعتصام وإغلاق بوابة مكاتب القنصليتين البريطانية والفرنسية في المنطقة ذاتها. كما أقدم ناشطون على الاعتصام أمام مقر برنامج الاممالمتحدة الانمائي ووقف بعضهم أمام البوابة لمنع الدخول والخروج عبرها. وقال متحدث باسم الائتلاف إن هذه الفعاليات تأتي لتذكير المؤسسات الدولية والعالم بحقوق الشعب الفلسطيني وبما تسبب فيه وعد بلفور المشؤوم والذي أقرته الحكومة البريطانية لإقامة دولة لإسرائيل على أرض فلسطين. كما دعت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الذكرى 96 لوعد بلفور الذي اطلقه الوزير البريطاني في 2 نوفمبر 1917 ، باقامة وطن قومي لليهود في فلسطين على حساب شعبنا العربي الفلسطيني وحقه في تقرير المصير الى الاعتذار للشعب الفلسطيني، وتحمل المسؤولية اتجاه ما لحق بشعبنا من جرائم وظلم تاريخي . واكدت الجبهة على المسؤولية السياسية والقانونية والاخلاقية لبريطانيا والاستعمار الاوروبي عما لحق بالشعب الفلسطيني من ظلم واجحاف تاريخي بحقوقه المادية والمعنوية، وبأن الامبريالية الامريكية والعالمية الراعية للمشروع الصهيوني في فلسطين، ما زالت تتنكر للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس . واعتبرت النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني وارضه ووطنه وحقوقه وتشريد ابناءه في مخيمات اللجوء والشتات في ارجاء الارض والمستمرة حتى يومنا هذا داخل فلسطين وخارجها هي النتيجة الطبيعية لهذا الوعد المشؤوم ولتبني ودعم الاحتلال الاستيطاني الاقتلاعي العنصري، الذي تختفي خلفه المواقف الحقيقية للادارة الامريكية وحلفائها. واعتبرت الجبهة احجام بريطانيا والادارة الامريكية عن اتخاذ الاجراءات الرادعة اتجاه الانتهاكات والجرائم التي تقترف يوميا بحق الشعب الفلسطيني وممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية والامنية ضد نضال الشعب وحقوقه التي يكلفها القانون الدولي، يجعل من هذه الدول شريكة في الجريمة المستمرة ضد شعبنا ، التي يجري تمويهها بما يسمى السلام المزعوم والمفاوضات والحلول الثنائية ، في ظل الدعم المطلق للاحتلال وتفوقه النوعي في مختلف المجالات. وجددت الجبهة موقفه " بأن اسقاط ومغادرة نهج مدريداوسلو والتزاماته هو السبيل الوحيد امام الشعب الفلسطيني والشعوب العربية لولوج درب الحرية والديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية، وطالبت القيادة الفلسطينية بالانسحاب الفوري من المفاوضات وبناء استراتيجية وطنية وديمقراطية تحررية، سياسية واجتماعية بديلة ، وترتيب البيت الفلسطيني باعتبار المقاومة والوحدة هما السبيل الوحيد لنيل الحرية والاستقلال والعودة ". من جانبها أكدت جامعة الدول العربية أن الذكرى الأليمة لوعد بلفور تدعو جميع دول العالم والشعوب والمؤسسات الدولية لإعادة العدالة المفقودة للشعب الفلسطيني الذي عانى لما يزيد على التسعين عاما ودعمه للحصول على حقوقه المشروعة في إقامة دولته المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشريف. وكذلك إطلاق سراح جميع الأسرى والاعتراف بدولة فلسطين كدولة كاملة العضوية بالأممالمتحدة. وقالت في بيان لهااليوم: "يحل يوم الثاني من نوفمبر 2013 الذكرى السادسة والتسعين لصدور وعد بلفور وزير خارجية بريطانيا إلى اللورد الصهيوني روتشيلد والذي نص على إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، هذا الوعد الاستعماري غير المسئول الذي حول الشعب الفلسطيني المتواجد على هذه الأرض منذ فجر التاريخ منذ بنى الكنعانيون العرب حضارتهم ومدنهم إلى شعب واقع تحت الاحتلال ومشتت نتيجة للتهجير القسري واغتصاب أراضيه". ولقد أعقب هذا الوعد احتلال الاستعمار البريطاني لفلسطين وبداية وضع اللبنات الأولى بحرمان الشعب الفلسطيني من حقه في الحرية وفي تقرير مصيره مثل باقي شعوب العالم، حيث قامت قوات الاحتلال البريطاني بالاستيلاء على الأراضي الحكومية وتسليمها إلى الوكالة اليهودية وتسهيل الهجرة اليهودية في أكبر عملية مبرمجة لتنفيذ الوعد وقيام دولة إسرائيل على أشلاء الشعب الفلسطيني الذي تم تهجيره بالقوة المسلحة وارتكاب المذابح الإسرائيلية بحقه في عام 1948. إن هذا الوعد المشئوم وتداعياته الكارثية على الشعب الفلسطيني والعربي فجر صراعا في المنطقة العربية خلف العديد من الحروب وأسقط الآلاف من الضحايا وتسبب في تشريد اللاجئين الفلسطينيين والذين لازالوا موجودين في الدول العربية وسائر بلدان العالم ومازال هذا الصراع ممتدا ومستمرا حتى الآن. وقد حاولت جامعة الدول العربية ودولها إقرار سلام عادل وشامل في المنطقة من خلال مبادرة السلام العربية التي لاقت ترحيبا وتجاوبا من كل دول العالم فيما عدا إسرائيل التي مازالت مستمرة في محاولاتها لفرض الأمر الواقع على الأرض من خلال تهويد مدينة القدسالمحتلة والاعتداء على المقدسات الإسلامية والمسيحية واستهداف رجال الدين وسن القوانين العنصرية والاستمرار في بناء جدار الفصل العنصري وبناء مستوطنات جديدة أو التوسع في المستوطنات القائمة ومصادرة مزيد من الأراضي الفلسطينية والاستمرار في فرض الحصار على قطاع غزة وإفشال أي جهود تفاوضية لإقرار السلام وتحقيق حل الدولتين. واستطاع من خلالها الصهاينة إقناع بريطانيا بقدرتهم على تحقيق أهداف بريطانيا والحفاظ على مصالحها في المنطقة، وهذا نصّه: وزارة الخارجية 2 نوفمبر 1917م عزيزي اللورد روتشيلد "يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة صاحب الجلالة التصريح التالي، الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية"، وقد عرض على الوزارة وأقرته: "إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يكون مفهوماً بشكل واضح أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى". وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم اتحاد الهيئات الصهيونية علماً بهذا التصريح. آرثر بلفور وكانت الحكومة البريطانية قد عرضت نص تصريح بلفور على الرئيس الأمريكي ولسون، ووافق على محتواه قبل نشره، ووافقت عليه فرنسا وإيطاليا رسميًا سنة 1918، ثم تبعها الرئيس الأمريكي ولسون رسميًا وعلنيًا سنة 1919 وكذلك اليابان. وفي25 أبريل 1920 وافق المجلس الأعلى لقوات الحلفاء في مؤتمر (سان ريمو) على أن يعهد إلى بريطانيا بالانتداب على فلسطين، وأن يوضع وعد بلفور موضع التنفيذ حسب ما ورد في المادة الثانية من صك الانتداب. وفي 24 يوليو عام 1922 وافق مجلس عصبة الأممالمتحدة على مشروع الانتداب الذي دخل حيز التنفيذ في 29 أيلول/ سبتمبر 1923، وبذلك يمكننا القول إن وعد بلفور كان وعدًا غربيًا وليس بريطانيًا فحسب. في المقابل، اختلفت ردود أفعال العرب تجاه التصريح بين الدهشة، والاستنكار، والغضب، وبهدف امتصاص حالة السخط والغضب التي قابل العرب بها وعد بلفور أرسلت بريطانيا رسالة إلى الشريف حسين بواسطة الكولونيل باست تؤكد فيها الحكومة البريطانية أنها لن تسمح بالاستيطان اليهودي في فلسطين إلا بقدر ما يتفق مع مصلحة السكان العرب من الناحيتين الاقتصادية والسياسية. ولكنها في الوقت نفسه أصدرت أوامرها إلى الإدارة العسكرية البريطانية الحاكمة في فلسطين بأن تطيع أوامر اللجنة اليهودية التي وصلت إلى فلسطين في ذلك الوقت برئاسة حاييم وايزمن خليفة هرتزل، وكذلك عملت على تحويل قوافل المهاجرين اليهود القادمين من روسيا وأوروبا الشرقية إلى فلسطين ووفرت الحماية والمساعدة اللازمة لهم. أما الشعب الفلسطيني فلم يستسلم للوعود والقرارات البريطانية والوقائع العملية التي بدأت تفرض على الأرض من قبل الحركة الصهيونية وعصاباتها المسلحة بل خاض ثورات متلاحقة كان أولها ثورة البراق عام 1929، ثم تلتها ثورة 1936. من جهتها، اتخذت الحركة الصهيونية العالمية وقادتها من هذا الوعد مستندًا قانونيًا لتدعم به مطالبها المتمثلة في إقامة الدولة اليهودية في فلسطين، وتحقيقًا لحلم اليهود بالحصول على تعهد من إحدى الدول الكبرى بإقامة وطن قومي لهم، يجمع شتاتهم بما ينسجم وتوجهات الحركة الصهيونية بعد انتقالها من مرحلة التنظير لأفكارها إلى حيز التنفيذ في أعقاب المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في مدينة بازل بسويسرا عام 1897، والذي أقرّ البرنامج الصهيوني وأكد على أن الصهيونية تكافح من أجل إنشاء وطن للشعب اليهودي في فلسطين. وتبدو الإشارة إلى وعد بلفور في نص وثيقة الاستقلال المعلنة مع إعلان قيام ما تسمى ب"دولة إسرائيل" دليلاً فصيحًا على أهمية هذا الوعد بالنسبة لليهود حيث نقرأ في هذه الوثيقة: "الانبعاث القومي في بلد اعترف به وعد بلفور...". لقد تمكن اليهود من استغلال تلك القصاصة الصادرة عن آرثر بلفور المعروف بقربه من الحركة الصهيونية ومن ثم صك الانتداب، وقرار الجمعية العامة عام 1947 القاضي بتقسيم فلسطين ليحققوا حلمهم بإقامة "إسرائيل" في ال15 من مايو عام 1948، وليحظى هذا الكيان بعضوية الأممالمتحدة بضغط الدول الكبرى، ولتصبح "إسرائيل" أول دولة في تاريخ النظام السياسي العالمي التي تنشأ على أرض الغير، وتتلقى مساندة دولية جعلتها تغطرس في المنطقة، وتتوسع وتبتلع المزيد من الأراضي الفلسطينية والعربية، وتبطش بمن تبقى من الشعب الفلسطيني على أرضه دون رحمة. لقد جعل تصريح بلفور فلسطين وطنًا لليهود وهم ليسوا سكان فلسطين، حيث لم يكن في فلسطين من اليهود عند صدور التصريح سوى 50 ألفًا من أصل عدد اليهود في العالم حينذاك، والذي كان يقدر بنحو 12 مليوناً، في حين كان عدد سكان فلسطين من العرب في ذلك الوقت يناهز 650 ألفًا من المواطنين الذين كانوا. ومنذ آلاف السنين يطورون حياتهم في بادية وريف ومدن هذه الأرض، ولكن الوعد المشؤوم تجاهلهم ولم يعترف لهم إلا ببعض الحقوق المدنية والدينية، متجاهلاً حقوقهم السياسية والاقتصادية والإدارية.