حينما وقع اليمنيون على المبادرة الخليجية إنما وقعوا لتجنيب اليمن كوارث الاقتتال الأهلي، والخروج بتوافق يرضي الجميع، يطبقه الجميع بدون انتقائية، في حين خرج المخلوع بأقل الخسائر مقارنة بالرؤساء الآخرين الذين ثارت شعوبهم عليهم، وخروج اليمنيين الثائرين والمثار عليهم بصيغة "لا غالب ولا مغلوب"؛ إلا أن هذا الوضع من التوافق لا يبدو محبباً من الطرف الذي ثار عليه الشعب، وربما كان جديراً بأن يتم إقصاء قيادته من كل مناصب الدولة. غير أن الطرف الثائر كان شديد الكرم معهم، كما عرف عن أهل اليمن، وربما كان هذا الكرم بالذات في غير موضعه، كما قال الشاعر: ولا خير في حِلمٍ إذا لم تكن له بوادرُ تحمي صفوه أن يُكدَّرا
ففي الوقت الذي تعاني منه كثير من شرائح الثورة من القتل والإصابات والاختطاف والتعذيب والإقصاء، ونهب مؤسسات الدولة، ونهب أموال الدولة، وسرقة مستحقات الموظفين منهم ومضايقتهم في أعمالهم وإبعادهم من مناصبهم من قبل بقايا نظام صالح المتنفذين في المؤسسات الحكومية، يقوم الطرف الآخر الذي جاءت به الثورة إلى الحكم بالتذرع "بالتوافق"، والجبن أمام من يجب أن يكونوا محل اتهام وإبعاد من مراكزهم بسبب ثورة الناس عليهم لفسادهم.
لم يكتف الطرف الآخر؛ وهو المؤتمر الشعبي العام، بعمل كل تلك الجرائم في حق الشعب والثوار، بل زاد يشن حملة تحريض وتشويه بحق الثوار والطرف الآخر في التوافق، وأكثروا من البكائيات بأنهم يتعرضون للإقصاء والتهميش، في الوقت الذي يمارسونه بكل بجاحة ووقاحة في كل المؤسسات، وأحياناً بالقوة، مستندين في كل ذلك إلى كثرتهم المتسلطة في أجهزة الدولة يوم قاموا بإقصاء الجنوبيين من مناصبهم وإبعادهم من أعمالهم في كل المؤسسات، ثم قاموا بعد ذلك بإقصاء واستبعاد كل من عارضهم من الأحزاب الأخرى والمستقلين الذين رفضوا سياساتهم الخاطئة التي أدت في النهاية إلى ثورة الشعب عليهم.
حكومة باسندوة والوزراء المحسوبين على الثورة غضوا الطرف حيناً عن تلك الأعمال بحجة "التوافق" وعدم الإقصاء وحتى لا يتهمون به، وجبنوا هم وأحزابهم أحياناً أخرى لمواجهة ما يفعله الطرف الآخر هو ووزراؤه والمتنفذون في مؤسسات الدولة في حق المحسوبين على الأطراف الأخرى.
اليوم بكل صفاقة ووقاحة يقوم المؤتمر الشعبي العام بمسؤوليه في مؤسسات الدولة بإقصاء كل الكوادر من خارجه، مستخدماً نفس السياسات السابقة، وكأنه هو الطرف المنتصر أو الثائر على غيره وليس المثار عليه.
ففي الوقت الذي يقيمون الدنيا ولا يقعدونها عن توظيف موظف هنا أو هناك من قبل وزراء الثورة، يقومون بتوظيف عشرات الآلاف من مناصريهم وبلاطجتهم وبدون أية مؤهلات علمية تؤهلهم لشغل تلك الوظائف، كما يقومون بترقية كوادرهم وتسوية أوضاعهم في كل مؤسسات الدولة، ويرقون بعضهم من الدرجة الرابعة عشرة أو من مراسلين من البوفيات إلى مدراء عموم ونواب مدراء عموم ومدراء إدارات، وهكذا دواليك. وما يفطر قلبك حقاً هو أن شباب الثورة ومن معهم من الموظفين الذي يستحقون الدرجات العليا بحكم مؤهلاتهم وسنوات خبراتهم وتوظيفهم مهمشون ومبعدون ولا يسلمون حتى من نهب مستحقاتهم، ويأتي وزراؤهم يبررون بكل برود "نحن في حال توافق ولا نستطيع نعمل شيئاً". وإذا سألت عن السبب، يقولون: كل القرارات بيد الرئيس عبده ربه، ويرفض أية مقترحات من قبلنا بإبعاد من يثور الموظفون عليهم في مؤسساتهم، حتى وإن كانوا فسدة من العيار الثقيل.
طيب يا أصحابنا لم لا تشكون ذلك في وسائل الإعلام وتتذمروا، كما يفعل غيركم، وتحتجوا حتى لو وصل الأمر إلى تقديم استقالاتكم؟!
الرئيس هادي يرفض استقبال أي وزير من الطرف المحسوب على الثورة لسماع شكاواه وموظفيه وتذمرهم من مسؤولين فسدة في مؤسساتهم، كما هو الحال مثلاً في إذاعة صنعاء، أو وكالة سبأ، أو، أو .....أو...إلخ.
والله إذا كان الرئيس هادي لم يستوعب التغيير ولم يعمل على الاستجابة للغالبية من الشعب والغالبية من موظفي المؤسسات، أو كان مشغولاً بترتيب حكم منطقته عوضاً عن سنحان، إذاً فما فائدة الثورة؟! لكأنما كان تطبيق التوافق من جانب واحد ويتصرف الرئيس وحزبه كما لو كانوا قبل الثورة في صورة صالح نفسه، في الوقت الذي يواصل فيه الثوار دفع الثمن وكأنهم يعاقبون على قيامهم بالثورة، ويرضى ممثلوهم بالفتات من السلطة بعيداً عن التغيير الشامل الذي نشده الثوار.
نحن موظفو وكالة "سبأ" للأنباء الذين شاركوا في الثورة – مثلاً - تعرضنا لنهب مستحقاتنا حتى من قبل الثورة، وتعرضنا لخصم كثير من مرتباتنا، وتم استبعادنا من أية تسويات، كما قام طارق الشامي وبعض المتنفذين في قيادة الوكالة بتوظيف أكثر من أربعمائة موظف جديد، بعضهم "مقاوتة" دائنين لهذه القيادة قيمة قات، وبعضهم ممسحي سيارات في سوق الحصبة، وبلاطجة وقفوا معهم أثناء الثورة، وهلم جراً، ومع ذلك يشنون حملة شرسة ضد الثورة وشبابها وعلى وزراء الثورة، وبعض مدراء عموم أو رؤساء مؤسسات حسبوا عليها. هل رأيتم صفاقة أكثر من هذه؟!
كرم الثوار لم يقدر حق قدره، وكان الأولى بهم أن يحاكموا ويعزلوا، ويتم تبني بحقهم قانون "العزل السياسي"، كما حدث في مصر أو تونس أو ليبيا، حتى يتعلم هؤلاء قدر العفو من الثوار؛ لأن العفو الذي يوهب مجاناً لا يعرفه المعفي عنه أبداً.