«خدمت اليمن أكثر من ثلاثين عاماً وها أنا اليوم أتسول لاستعادة مستحقاتي من وزارة الدفاع»، أردف بها الجندي محمد قاسم حسن وهو يتحدث بمرارة لأول مرة أمام صحفي، وبشكوى مضاعفة. لم أستطع إطلاق ما تبقى من أسئلتي، وأيقنت أن قصتي الخبرية، ستكون مرثية تحكي بؤس أن ينتهي المطاف بمناضلين إلى قارعة الشوارع بحثاً عن مستحقاتهم المالية الضائعة.
أمس الاثنين، نظم عشرات من العسكريين القدامى اعتصاماً أمام مقر وزارة الدفاع بالعاصمة اليمنية صنعاء، معترضين على قرار إحالتهم للتقاعد، دون تسوية وضعهم الوظيفي أو حتى منحهم ترقيات مقابل نحو 30 عاماً من الخدمة العسكرية.
هكذا انتهى مطاف «المحاربين القدامى» من عشرات السنين في المتارس وجبهات القتال إلى الأرصفة الباردة وإعلاء صيحات الشكوى أمام حشود من المارة المشدوهين.
يقول المعتصمون وهم أفراد في اللواء 35 مدرع إنهم متمسكون بمطالبهم، وسيمكثون أمام مقر الوزراة، حتى يتم إنصافهم بتسوية أوضاعهم ومنحهم رتبة عسكرية أسوة بزملائهم.
وأضافوا: «نرفض بشدة العودة إلى منازلنا دون ان تمنحنا الدولة رتبة عسكرية وتسوية مرتباتنا المتدنية التي لا تتجاوز 45 الف ريال».
وقال الجندي محمد قاسم الذي التحق بالسلك العسكري عام 1982 «ألا يستحق هذا العمر المهدور في الجبال والصحاري وفي المتاريس رتبة عسكرية تجعلني أتقبل قرار تقاعدي بسرور».
علي محمد قائد، هو الآخر جندي «أمضى عمره في خدمة الوطن» معتصم أمام مقر وزارة الدفاع، وقال وهو يفتش عن أوراق بداخل كيس مهترئ إنه أمضى حياته في السلك العسكري في اللواء 17 مشاه 38 عاماً دون ان يحصل على ترقية وسيحال اليوم إلى التقاعد.
وأضاف بحنق، وهو يضغط بأصابع يديه على وجهه في اشارة منه إلى تناثر كل أسنانه وهو في الجيش «ذهب عمري وانا عسكري وستنتهي حياتي وانا كذلك».
وتابع: «رئيس الجمهورية كان قد وجه في وقت سابق باعتماد الترقيات لكن الدائرة المالية بوزارة الدفاع أوقفت هذا التوجيه وجعلته حبيس الادراج».
وقال المسؤول الاعلامي للعسكريين المعتصمين جميل علي ضيف الله إن عدد الذين يطالبون بالترقيات 661 فرداً من اللواء 35 مدرع الشرطة العسكرية و 1774فرداُ من اللواء 35 مدرع ايضاً بدون ترقيات رغم الخدمة التي تجاوزت العشرين عاما للجنود.
وردد المتظاهرون شعارات تطالب وزير الدفاع بالنظر في وضع الجنود وتنفيذ مطالبهم، وذكر أحد المتظاهرين ويدعى علي حمود عبدالرب أنه زميل لوزير الدفاع محمد ناصر احمد ويعرفه منذ زمن طويل في وقت كانوا فيه يتقاسمون كسرة الخبر ويخرجون في مهمات مشتركة.
واستطرد: «اليوم صار محمد ناصر لواء وفي مركز مرموق بينما انا ما زلت اتمنى الحصول على رتبة عسكرية».
ويشكو عبدالاله صالح 31 عاماً في السلك العسكري ويبلغ من العمر 57 عاماً من تدني المرتب وغلاء الاسعار، وقال «الراتب بالكاد يكفي لشراء دقيق وسكر ومستلزمات ضرورية لاطفاله السبعة».
وقال إن هناك تحايل واستيلاء على مرتبات نهاية الخدمة وأوضح ان القانون ينص على منح كل عسكري تجاوز فترة العشرين عاماً مرتباً اضافياً كل سنة لكنهم يعطونهم ستة الاف ريال فقط من اصل 45 الف ريال.
وأشار إلى أن هناك نهباً منظماً ومبالغ مهولة تصل الى جيوب الفاسدين، مناشداً وزير الدفاع النظر فيما وصفه بالأمر الخطير، وإعادة حقوق الناس الى اصحابها، حسب تعبيره.
وتزاحم العسكريون على بعض الاعلاميين الذين حضروا لتغطية الاعتصام وشرع كل واحد يسرد قضيته بشكل متداخل وغير منظم, فيما يعتقد الجنود محدودو التعليم أن حديثهم للصحافة هو المنفذ لشكواهم، وأنهم قادرون على اتنزاع حقوقهم بمجرد نقل معاناتهم لوسائل الاعلام، وفيما غادرنا كان الجميع يدعون لنا وعلى وجوههم ابتسامة وتجاعيد تخفي عيونهم الغائرة في وجوههم.
وأضحت باحة وزارة الدفاع وساحة منزل الرئيس هادي بشارع الستين مكاناً مفتوحاً لبث الشكوى والاحتجاج، بأشكال وأساليب متعددة.