ذات مرة صرخ أحد الوجوه المحسوبة على الثورة في حماسة مثيرة للغاية: الثورة ليست علبة فول حتى تُسرق. كثيرون من الذين استمعوا إليه اعتبروا ذلك حقيقة غير قابلة للنقاش، فالثورة بالفعل ليست علبة فول. عبثاً، حاولتُ إقناع أحد المؤمنين بهذه النظرية أنه لا يوجد في علم السياسة وعلم الثورات ما يمت للفول بصلة، وأن الثورة مثل أي شيء يقوم به الإنسان معرض لأي مصير بما في ذلك التعرض للسرقة.
ضربت له أمثلة على أن الثورة قد تصبح مثل علبة فول يتم سرقتها إذا لم ينتبه صاحب الدكان. قلت له: لم تكن الثورة في روسيا شيوعية لكن قدرة الشيوعيين على تنظيم أنفسهم أدت إلى وصم الثورة والبلاد بالشيوعية لما يقرب من سبعين عاماً. قلت له أيضاً: في إيران لم تكن الثورة ضد الشاه من بنات أفكار الخميني، وأنه على العكس من ذلك، بدأت شرارة الثورة بمظاهرات قام بها سكان المدن الذين كانوا يرفعون شعار بناء "ملكية دستورية" وليس "جمهورية إسلامية". تحدثت عن الثورة الرومانية، وكيف أنه بعد إعدام شاوتشيسكو استطاع إيليسكو أحد حلفاء الدكتاتور المقتول الالتفاف على الثورة، وظل يحكم حتى 2004.
كنت متحمساً أنا الآخر، أما هو، فقد كان وجهه يفصح عن علامات الرضا، أو هكذا تصوّرت، أحسست بالانتصار، فتوقفت عن سرد المزيد من الأمثلة التي تؤيّد وجهة نظري، وقلت له: ها، ما رأيك؟.
سكت برهة ثم قال لي في نبرة هادئة وواثقة أيضاً: كيف قلت لي أنه لا وجود لعلبة الفول في علم السياسة وعلم الثورات وعلم ما أدري أيش، ثم تقول لي: الثورة يمكن أن تصبح مثل علبة فول ويمكن أن تُسرق إذا لم ينتبه صاحب الدكان، ثم أردف في لغة حاسمة: ثورتنا ليست دكاناً.
وقتها أدركت تأثير الفول، وأن ما حصل في روسياوإيران ورومانيا وفي دول كثيرة ليس على نفس المستوى من التأثير. لا أعرف ما إذا كان ذلك الشاب ما يزال متأثراً بنظرية: الثورة لا تٌسرق لأنها ليست علبة فول. ربما كان يعيش حالة حيرة عظمى وارتباك غير محدود، فهو من جهة يريد أن يصدق نظرية "الثورة ليست علبة فول"، لكي لا يشعر بأنه قد تعرض للخديعة. ومن جهة ثانية، يبدي استغرابه من استمرار سياسات علي عبدالله صالح التي ثار ضدها. قد يسأل أيضا وبمرارة فاقعة: لماذا كلهم موجودون في مناصبهم وامتيازاتهم ولم يختفِ سوى أصدقائي الذين سقطوا برصاص الغدر والطغيان.
كل الأدلة تشير إلى أن السرقة قد حدثت بالفعل، فالثوار لم يجدوا أنفسهم في أي شيء بعد الثورة، فحتى حصتهم في مؤتمر الحوار الوطني تمت سرقتها، وفي وضح النهار. ربما علينا أن نسأل لماذا فقط في اليمن يتمتع اللصوص بمكانة رفيعة تخوّل بعضهم ادعاء الوطنية والطهارة؟. لنفكر قي ثورة ثانية تعيد إلى بلادنا روحها المسلوبة منذ زمن بعيد.