قبل ست سنوات بالضبط وفى 11 أبريل 2007 اتخذت أهم قرار فى حياتى، وهو التوقف عن التدخين تماما. يومها كنت أدخن أمام جريدة البيان الإمارتية فى دبى. التدخين بالجريدة كان ولا يزال ممنوعا تماما، لأن المبنى بلا نوافذ، الرطوبة كانت قاتلة، والصيف على الأبواب. لحظتها سألت نفسى: لماذا كل هذا الضعف الذى يجعلنى أترك اجتماعا مهما من أجل سيجارة؟!. هذا السؤال سألته لنفسى آلاف المرات وفى كل مرة أضعف وأعود للتدخين.
فى هذا اليوم أمسكت بعلبة السجائر الفرنسية و«كعبشتها» ثم رميتها، وفكرت: لماذا لا أجرب التوقف أسبوعا حتى أريح صدرى الذى بدأ يئن.
مر الأسبوع بصعوبة بالغة، وكررت التجربة أسبوعا آخر، ونجحت الخطة، ثم كررتها لأسبوع جديد، وكلما كنت أضعف أقول لنفسى السجائر موجودة بالمنزل ويمكننى العودة لها.
بعدها جاء شهر رمضان وكانت فرصة ذهبية أن استمر شهرا بلا تدخين.
بعد نحو شهرين وعندما تبين لى أن الأمر يمكن ان ينجح، أقسمت بالله ان أتوقف تماما ثم قمت بتوزيع الاحتياطى الاستراتيجى من «قاروصات الجيتان» على الأصدقاء، وقررت اعتزال مجالس المدخنين لفترة خوفا من «الغواية ووسوسة الشياطين». بعض هؤلاء «الشياطين» لم يكن سعيدا بقرارى لأنه يريد اتخاذ نفس القرار ولا يستطيع.
قد يقول البعض، ولماذا تشغلنا بأمر شخصى، هل انتهت كل قضايا مصر حتى تحدثنا عن هذه القضية التافهة؟!.
مبدئيا عذرا إذا كان الأمر شخصيا، ثانيا: القضايا الجادة للأسف لن تنتهى قريبا، وهدفى ببساطة أن شخصا ما قد يقرأ هذه السطور فيقرر التوقف عن التدخين ووقتها سأشعر أن هذه السطور كان لها قيمة.
أعرف كيف يفكر المدخنون وأعرف صعوبة اتخاذ قرار الإقلاع. ولذلك زاد تقديرى لنفسى من يومها باعتبار أن إرادتى ثبت أنها قوية.
كنت مخلصا للسيجارة، طوال أكثر من 25 عاما بلا توقف تقريبا، حاولت مرات قليلة لكنها كانت فاشلة بامتياز. كان تدخين السيجارة مقدما على كل شىء، تهربت من «مشاوير عائلية» كثيرة حتى لا يرانى والدى أدخن أمامه.
عندما كنت أقرأ للكاتب الكبير صلاح منتصر دعوته للتوقف خصوصا يوم 9 فبراير كنت أرد عليه بالتدخين، المؤكد أن كثيرين عاشوا نفس التجربة ولكن بتفاصيل مختلفة.
اليوم أرى فى الشارع أطفالا يدخنون، أشعر بكارثة قادمة لكل هذه الأجيال، خصوصا اننى عرفت ميزة أن تتوقف عن التدخين، وكيف أن صحتك العامة تتحسن فى كل المجالات، وكيف تشعر أنك كنت عبدا لهذه السيجارة اللعينة.
لم أعد أطيق رائحة السيجارة، وعندما أهرب من مكان فيه تدخين يسخر منى الأصدقاء ويذكروننى بالماضى الذى كان.
أعرف تماما أن الوعظ والإرشاد لا يفيد كثيرا فى مثل هذه الأمور، لأن كثيرا من صغار السن يعتبرون التدخين إحدى علامات الرجولة، وبالتالى فمهما أخبرتهم عن أضرار التدخين فلن يقتنعوا.
هل هناك طريقة للتقليل من آثار هذه الكارثة القومية؟!. فى البلدان المحترمة يتم محاصرة المدخنين فى معظم الأماكن، وقبل شهور شاهدت فى برلين المدخنىن فى الشارع، لأنه ممنوع عليهم التدخين فى المبنى، وقبل أسابيع رأيت أحد فنادق الدوحة تمنع التدخين ليس فقط فى الغرف المغلقة، بل فى «اللوبى» وإنذار الحريق دق بكل قوة فى الرابعة والنصف فجرا لأن مدمنا أشعل سيجارة خلسة، فتم إخلاء كل الغرف.
القاعدة هى: مادام المدخنون لا يعرفون مصلحة أنفسهم، فلماذا لا تساعدهم الدولة على قاعدة «لا ضرر ولا ضرار»، لكن بالطبع سيسأل البعض وأين هى الدولة؟.
أليس من الأولى أن تحمى حياتنا من البلطجة قبل أن تحميها من التدخين؟!.