عندما ينسب المواطن اليمني المغلوب على أمره تردي الأوضاع في كل مفردات الحياة اليومية الصعبة في اليمن ابتداء من لمبة الكهرباء وقطرة الماء وحبة الدواء وتردي الأمن ونحو ذلك من منغصات الحياة وتزامنها مع فعاليات الحوار الوطني وفي ظل تلك الماسي لايحلو للبعض إيجاد فسحة من التأمل والامال التي غدت مجرد اضغاث احلام كما في (مدينة افلاطون الفاضلة)! ذلك ان في بعض البلدان المنكوبة بحكامها العابثون كاليمن وبعض بلدان الربيع العربي التي ترنو للحرية ودولة النظام والقانون والمساواة والعدل الذي هو اساس الحكم، وإزاء كل هذه المأسي المتراكمة التي تثقل همومه فغدا يصب جام غضبه على مسؤولي تلك الجهات الخدمية غير مدركين بأنهم اتوا على تركة من الفساد المطلق مالياً وإدراياً ومحاباة ومراضاة فقط إرضاء للكرسي الذليل، تماماً مثل من يتألم على ارتهان القرار السياسي الوطني فيما يتعلق بمسلسل الطائرة بدون طيار فهذه بالفعل طعنة في كرامة اليمني وإنسانيته يجب ان يسلط الضوء على تبعاتها الأمنية والنفسية وكرامة المواطن نفسه، بينما بقية القضايا السياسية الأخرى كالمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار بين الأطياف اليمنية وما يدار بأن هناك وصفات جاهزة وكذلك المبادرة ونحو ذلك ففي ذلك قولان كما يقال والغالب بأن ترجيح ذلك الارتهان يعد كما يقال فضيلة سياسية. كذلك فيما يتعلق الامر بالوحدة اليمنية فهناك مفاهيم كرسها الإعلام كغسيل دماغ منذ غداة الوحدة يمجد صانعيها وبعد اربع سنوات غدا احد اطرافها خائناً، والتاريخ والشعب اليمني شمالة وجنوبه لن يبرأة بطبيعة الحال، بينما ظل الشريك الآخر بطلاً وزعيماً، والحال بأن كلاهما دخل الوحدة لغرض في نفس يعقوب بسوء نية لحسابات شخصية نرجسية وشهوة للسلطة وحب مفرط للذات ولم يستفد من الظروف التي اتيحت له، والتاريخ لايرحم.
ولعل في رصدنا لما يجري في ارض الرافدين من مأسي بصيغ أخرى فلهم فنونهم في الإجرام كالسيارات المفخخة وتفاقم العنف الطائفي ونحو ذلك التي اتت بعد سنين من المأسي والمحن ابتداء بالحرب العراقية الإيرانية وما تبعها من سلسلة مصائب انتهت بسقوط نظام صدام حسين واعتقد البسطاء حينها من العراقيين والعرب وأنا منهم بأنها نهاية حقبة وبداية حقبة أخرى، فأذا بالعراق يلجُ لحقبة أكثر بؤساً وغموضاً وكأن لعنة كربلاء تلاحقه وزمن عاشورا يلازمه فعلا، فقيل لهم ادخلوا العملية السياسية المشبوهة التي اتِتّ بدبابة المحتل، وصوتوا في انتخابات سميت بالأصبع البنفسجية!، وبصموا على دستور مسخ ملئ بالألغام من إيحاء المحتل، يتيح لكل محافظة او أكثر تشكيل اقليم مستقل ضمن فدراليات.. وقبل المغلوبين على أمرهم بكل هذه الاملاءات.. والنتيجة عدم استقرار وسيارات مفخخة وحرب طائفية مُقيته على الهوية علق حينها العلامة الدكتور بشار الفيضي نائب رئيس هيئة علماء العراق وهذا الكيان السياسي لم يتلطخ بما سمى مجازاً العلمية السياسية في (العراق الجديد) فقد قال العلامة الفيضي بأن النظام قد يتغير يوما ما والدستور قد يتغير، ولكن الذي لن يتغير هو الفدرالية التي ستقسم العراق، فهل يتعض اليمنيون من تجربة العراق..!
مأسي اليمن لاتكمُن في الوحدة ولا ينبغي ان تحمل مالا تطاق تماما كما يحمل المسلمون تبعات سلوكيات بعض من اتباعه فالعيب بداهة ليس في الملة بل في اتباع تلك الملة.. وهو الأمر نفسه في الوحدة اليمنية فالإشكال ليس في الوحدة بل في من قاد وحدة غير مدروسة وعلى هواه ودخلها بسوء نية ولم يستوعب البعض من اليمنيون بأن من شارك في صنع الوحدة هم نفسهم من سعوا لوأدها، وليس من الحكمة والمنطق ان نحمل الوحدة وزر السنوات الماضية، فكما نقول ان انحراف المسلمين لا يلام عليه الإسلام وإنما أصحاب ملته وقس على ذلك الوحدة في تجربة الوحدة اليمنية!
ولا ينبغي ان يتبجح من أتى بهذه الوحدة المسخ التي اعادة مجد القبيلة والحزبية الضيقة لمشايخ ونشرت الفساد المطلق ولعبت بعواطف الجماهير التي كفرت بوحدة دخلها كل طرف بحساباته الخاصة ويبيت النية للشريك الأخر وكل هم اطراف الوحدة الاستفراد بالتنكيل بشعبه، وكله على حساب أمال الشعب في دولة النظام والقانون التي يتغنى بها المفسدون ليلا ونهارا والذين أصبحوا في عشية وضحايا ثواراً!
وفي الوحدة اليمنية لم يدرك اليمنيون بأن من شارك في صنع الوحدة هم نفسهم من سعوا لوأدها، وليس من الحكمة والمنطق ان نحمل الوحدة وزر السنوات الماضية، فكما نقول ان انحراف المسلمين لا يلام عليه الإسلام وإنما أصحاب ملته وقس على ذلك الوحدة في تجربة الوحدة اليمنية!
ويعتقد الكثيرون بأن الفيدرالية ستكون عصاء موسى في حل مشاكل الأمة في عشية وضحاها، والحال انه طالما بقية النخبة الحاكمة نفسها وأطراف الفساد يتصارعون على المناصب فأن الصراع سيكون في الغد بين الأقاليم في أجزاء المجزاء فالحل عبر مؤتمر الحوار يجب ان يفضي لتوافق في ايجاد صيغة تشريعية بهوية يمنية تضمن اللامركزية ونظام سياسي برلماني ودولة مدنية تضمن تقليص نفوذ بعض القوى التقليدية ودور القبيلة.
وما يجمع اليمنيين بداهة اكثر ما يفرقهم فحتى السودان الذي اصّر جنوبه على الانفصال وكان لهم بتشجيع غربي وإسرائيلي معروف رغم أن شمال السودان مختلف تماما عن جنوبة قومياً ودينياً كما هو معلوم ورغم ذلك لم ينجح الانفصال ولم تنجح الوحدة بين طرفي النزاع ولازالت الشكوك المتبادلة تشير الى احتمالات الدخول لاكثر من سياريو مستقبل وأن احتمالات الصراع تبدو منطقية وليست ضربا من الخيال!
بينما جل مشاكلنا التنموية تكمن في عدم حل الأشكال السياسي وليست المشكلة في الوحدة او في الانفصال، انما هى بالمشاركة الوطنية، وبداهة بأن النخب السياسية في مؤتمر الحوار وغيره ان تدرك ابعاد المعضلة اليمنية.
قد يقول البعض بأن هذا الأفكار قومجية او مثالية، وطالما نادا ادعياء القومية بالوحدة العربية وتغنوا بها وأفعالهم عكس ذلك، والواقع ان الوحدة العربية مجرد وهم فإذا كان أبناء اليمن البلد الواحد المتجانس يتصارعون فيما بينهم، رغم ادراكهم بأنه ليس هناك شطراً غنياٌ وأخر فقير فاليمن كله غني بالثروات لو تأتى له الاستقرار والنظام المناسب، كما ليس هناك كما يروجون شطر حضاري واعي وآخر متخلف فكلنا في الهواء سوى بسيئاتنا وحسناتنا فالخطاء في نخبنا السياسية وحكامنا الذين تناوبوا على التنكيل بالشعب شمالا وجنوباً، فلا يعول البعض على الفدرالية وكأنها الغاية والوسيلة فقد تتحقق ويتشرذم اليمن وستصدق حينها المقولة لقد نجحت العملية ولكن للأسف مات المريض!