منذ نشأته في أغسطس سنة 1982 ظل المؤتمر الشعبي العام يترعرع في كنف الدولة ولا يستطيع العيش إلا في أحضانها.. هكذا تربى الحزب الفريد في تكوينه. لقد اختط هذا الحزب نفس سياسة حزب البعث العراقي وكذلك السوري في الاعتماد الكامل على الدولة، فهو الدولة بكل إمكاناتها وهو الحق وغيره الباطل. بعد إعلان الوحدة في مايو 1990 تغيرت المعادلة قليلاً إذ اشترط الحزب الاشتراكي على المؤتمر الشعبي في الدستور الجديد حرية التعددية السياسية والحزبية.
كان الاشتراكي يهدف من وراء هذه المادة حماية نفسه ولم يكن مؤمناً بالتعددية، وهذا الأمر وجد ارتياحاً بالغاً لدى الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي فكر بنفس طريقة شريكه في الوحدة.
مرت السنوات وظل الحزبان الرئيسان يتقاسمان العمل الحزبي في أجهزة الدولة مناصفة، لكن المؤتمر الذي تعود على الاستحواذ على كل شيء بدأ بإزاحة شريكه من أجهزة الدولة إما بالترهيب أو أحياناً بالشراء والترغيب، ذلك لأن نصيبه في الدولة أصبح لا يكفي وبدأت الأزمة التي انتهت بالحرب المعروفة في صيف 1994.
خلا الجو لحزب المؤتمر فاستحوذ على كل شيء وطرد شريكه الإصلاح بعد ذلك وأقصى كوادره من الهيئات والمؤسسات حتى المدارس عبث بها المؤتمر وصفاها من عدوه الجديد الإصلاح. ولم يصل اليمنيون لانتخابات 2006 الرئاسية إلا و"الزعيم" يعد بخطى حثيثة ملف التوريث عن طريق التمديد. لم يلبث سلطان البركاني أن كشف أدق أسرار الزعيم في نواياه تجاه القادم القريب.
كان الأفق السياسي يزداد قتامة يوماً بعد اليوم لكن تغلغل المؤتمر الشعبي في الدولة عجل باندلاع ثورة 11 فبراير2011، الشيء الوحيد الذي لم يحسب له الزعيم حساباً، ووجد نفسه أمام خيار الاستمرار في المواجهة أو ترك رئاسة الدولة والاحتفاظ بالحزب لأنه يعلم مدى تغلغل حزبه في مفاصل الدولة المختلفة، وكيف أنه نما وترعرع على عرق المواطن اليمني وخيرات البلاد من النفط والغاز وشطارته في إبرام صفقات الفساد سيئة السمعة. لهذا كله تمسك الزعيم برئاسة الحزب في مخالفة صريحة للوائح التنظيمية التي تعطي رئاسة الحزب لرئيس الدولة، فالحزب هو النافذة التي سيعود منها الزعيم للسلطة والدولة. وهذا ليس بمستحيل- حسب تقديره – خاصة وقد أدت عمليات التخريب والفوضى المنظمة والحملات الإعلانية المسمومة دورها وحان وقت تتويج كل تلك الجهود التدميرية بالإصرار غير المنطقي على إجراء الإنتخابات النيابية والرئاسية في فبراير القادم التي ستقود بدون شك لتعميم الفوضى لأن الوطن ملغم، لكن الزعيم يعتقد أنه سوف يبرز كمنقذ وكضرورة وطنية.
هناك خلل كبير في مقاربة الزعيم للأمور اليوم، فهو يرى بأم عينيه أن الحزب يملك المال الوفير وصقوره وقياداته العسكرية والمشيخية تملك السلاح الكثير والولاء من خلال شبكة المحسوبية التي كونها عبر ثلاثة عقود ولا تزال متماسكة. فلماذا التراجع أو الإبطاء في تسريع الأحداث أو خلط الأوراق؟ كل شيء جاهز للانقضاض. علي عبد الله صالح يرتكب اليوم نفس خطأ علي سالم البيض الذي اقترفه قبل حرب صيف 1994: تأزيم الأوضاع تعقيد الأمور وصب الزيت على النار.
نسي الزعيم أن مصائب اليمن الكبرى اليوم هي من صناعته وحزبه، فالحوثي والحراك والقاعدة من منجزاته وحزبه، ونسي أن الشعب اليمني قام بثورة حضارية في فبراير 2011 وترك الفرصة للسياسيين لإخراج اليمن من عنق الزجاجة وتجنيب اليمنيين مزيداً من سفك الدماء وإزهاق الأرواح مقابل التغيير.
حزب الزعيم الذي وصفه الصديق العزيز ياسر العواضي في أغسطس 2007 بحزب تقليدي تجمعه الجغرافيا والمصالح يرى أن الدولة حق من حقوقه ولا مجال للتنازل عن ذلك. إنها محاولة كسر إرادة الشعب اليمني في التغيير بعد أن أخذ الزعيم قسطاً من الراحة ليبدأ الحرب من جديد، فالفريسة مثخنة بالدماء ومخالب الحزب مغروزة في جسدها المنهك، والدولة والسلطة قاب قوسين أو أدنى منهم. حسابات خاطئة بالفعل وكم في التاريخ المعاصر من عبر لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.