لا شك أن خروج الحوثيين في مسيرات حاشدة في العديد من محافظاتاليمن، الإثنين الماضي، وأبرزها العاصمة صنعاء، بمئات الآلاف، رفضاً ل "الجرعة" ، واحتجاجاً على رفع الدعم عن المشتقات النفطية، والمطالبة بإسقاط حكومة الدكتور محمد سالم باسندوة، وتشكيل حكومة كفاءات وطنية حد وصف المحتجين، وتطرق إلى ذلك خطاب زعيمهم السيد عبد الملك الحوثي في خطابه عشيه الأحد الماضي. باعتقادنا كل ذلك يشكل إحراجاً وقلقاً كبيراً للقيادة اليمنية، بقيادة المشير الركن عبد ربه منصور هادي، إن لم يكن اختبارا حقيقياً لتواجد الدولة اليمنية، ومركزتيها ووحدة اليمن أرضاً وإنساناً.. خصوصاً عقب سقوط محافظة عمران، في بداية شهر رمضان المنصرم، في قبضة الحوثيين ، وانهيار الهدنة المبرمة بين ممثلي حزب الإصلاح ومليشيات الحوثيين في الجوف، بإشراف لجنة الوساطة الرئاسية، قبل أيام في منطقة الغيل، التي تحتدم المواجهات فيها، وسط مخاوف شعبية ودولية من انتقال المواجهات وتصديرها من الجوف إلى شوارع العاصمة صنعاء، بين مسلحي الحوثيين وقوات الأمن اليمنية، وتحولها أي العاصمة صنعاء إلى ساحة حرب شوارع مفتوحة.
مشكلة الرئيس اليمني عبد ربه هادي، الذي لا نشكك أبداً في وطنيته، أنه رجل لا يحب الحروب، حتى لو فرضت عليه أو خير بها، ليس خوفاً أبداً، فإن لم يكن الرئيس هادي شجاعاً لما قبل أن يحكم اليمن، في ظروف أمنية واقتصادية صعبة للغاية بكل المقاييس، عقب ثورة شعبية أطاحت بسلفه صالح، وأدت إلى انقسام في الجيش اليمني، وسقوط قتلى وجرحى ودماء ، من اليمنيين وشباب الثورة والانتفاضة اليمنية.. بل إن رؤية مستشاريه العسكريين والأمنيين، وربما رؤيته الخاصة، ترى أن الانتصار للجيش اليمني في حروبٌ مع جماعات طائفية وعقائدية مثل جماعة الحوثي الزيدية، ستكون مكلفة بكل المقاييس، إن لم تكن طويلة الأمد.
وربما يفيد التذكير ب 6 حروب خاضها الجيش اليمني، في عهد نظام الرئيس اليمني الأسبق علي صالح، ضد جماعة الحوثيين الشيعية في صعدة، منذ العام 2004 وحتى عام 2009. ولذا قد يكون الرئيس اليمني هادي محقاً في ذلك.
لكن في المقابل، ربما لم تكن حسبة مستشاري الرئيس هادي دقيقة, حول ترك الحوثيين يسيطرون على محافظة عمران، وتنفيذ شروطهم في تعيين الرئيس هادي للعقيد الركن علي أحمد الذفيف(الموالي للحوثيين)، قائداً للواء 310مدرع، خلفاً للشهيد اللواء حميد القشيبي، وأن ذلك سيوقف الزحف والتمدد الحوثي، نحو العاصمة صنعاء، تحت الغطاء ومدعوم بالعباءة الايرانية، مالياً وسياسياً وإعلامياً في الوقت نفسه.
نستطيع أن نتكهن خصوصاً عقب سماعنا وقراءتنا قبل أكثر من أسبوع لأخبار، تفيد حسب مصادر صحافية، أن هنالك توجه حكومي لإجراء تغييرات شاملة في حكومة الدكتور محمد سالم باسندوة، وسيتم إشراك الحوثيين فيها بثلاث حقائب وزارية، وثلاث لمكون شباب الثورة اليمنية، و12 حقيبة لحزب المؤتمر الذي يشغل الرئيس هادي منصب الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي، والنائب الاول لرئيس الحزب(الرئيس اليمني السابق علي صالح)، و12 حقيبة من وزارات الحكومة لأحزاب اللقاء المشترك.
فيما تحدثت مصادر عن مشاورات حكومية لإقناع الحوثيين تسليم أسلحتهم الثقيلة والإنخراط في العمل السياسي السلمي، في أي حكومة مقبلة.
غير أن الحوثيين نفوا ذلك جملة وتفصيلاً، وقالوا في تصريحات صحافية قبل عدة أيام، أن لم يتم التواصل معهم من أي طرف في الحكومة اليمنية، من أجل مساعي إشراكهم في الحكومة التي ستشكل لاحقاً.
وذلك ربما ما يفسر تهديد زعيم الحوثيين للقيادة اليمنية، بأنه لن يقف مكتوف الأيدي، تجاه أي حماقات أو إعتداءات من قبل الجيش اليمني، ضد أنصار الله في مسيراتهم التي تخرج يومياً منذ الإثنين الماضي، وبصورة يومية، وإعطاء السيد عبد الملك الحوثي القيادة اليمنية، مهلة تنتهي يوم غداً الجمعة، للتراجع عن قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية، وتشكيل حكومة جديدة.
في المقابل رد الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، في اجتماع مع اللجنة الأمنية المكلفة بتأمين العاصمة صنعاء، على ذلك الخطاب الحوثي المتشنج بحربٍ مفتوحة، إذا لم يسلموا أسلحتهم ويعودوا إلى جادة الصواب.. مما يوحي أن القيادة اليمنية ربما وصلت مع الحوثيين إلى طريق شبه مسدود، إن لم يكن مسدود فعلاً، وكل المؤشرات على الأرض تقود لذلك.
نجزم كصحافيين ومراقبين محايدين أن أيام اليمن القادمة، قد تكون صعبة للغاية، ومليئة بالعديد من المفاجآت، والمرجح أن العاصمة اليمنيةصنعاء ستكون ساحة حرب حقيقية، في ضل أوضاع معيشية واقتصادية متدهورة ومعقدة يعيشها أبناء الشعب اليمني، عقب رفع الدعم المالي الحكومي عن المشتقات النفطية، نهاية الشهر الماضي..(أكثر من 10مليون إنسان يمني تحت خط الفقر)، حسب منظمات الأممالمتحدة الإنسانية والغذائية الإغاثية، أي على أقل من دولارين في اليوم الواحد.
نختم بالقول أننا نضع أيدنا على قلوبنا، ونصلي لله أن يحفظ اليمن، من الإنزلاق إلى حرب أهلية طائفية، بين الجيش اليمني والحوثيين، خصوصاً ونحن نشاهد جماعة الحوثيين المسلحة تحشد خلال اليومين الماضيين مئات المسلحين بأطقم وسيارات خاصة بهم، نحو العاصمة صنعاء، وتنصب خيام مسلحة في مناطق الصباحة، التي تعلو حي عصر غرب العاصمة، وكذلك في منطقة العذر القريبة من مطار صنعاء، وعلى المدخل الشمالي الغربي في منطقة بيت نعم بمديرية همدان، وعلى المدخل الجنوبي في منطقة حزيز، بالإضافة إلى المدخل الشمالي بالقرب من منطقة الأزرقين قرب مطار صنعاء أيضاً، فيما أعتبره مراقبين ذلك هو محاولة من الحوثيين لتطويق وحصار صنعاء، مثلما فعلوا ذلك سابقاً في عمران وصعدة.
وتسود حالة من الارتباك والترقب، في الشارع اليمني، لما سيحدث في الايام القادمة ، وعقب مسيرة الحوثيين في العاصمة صنعاء اليوم الجمعة على وجه الخصوص؟
ذلك الشارع الذي جاء الحوثيين ليقودوا غليانه، أو لاستغلاله لتحقيق مكاسب سياسية في اعتقادنا ليس إلا. ونأمل أن نكون مخطئين في تحليلنا.
الرئيس اليمني عبد ربه هادي، قال سابقاً عمران خط أحمر، وسقطت مؤخراً بأيدي مليشيات الحوثي! ونتساءل هل ستبقى صنعاء خط أحمر لا يتلون مثل سابقه في عمران، وهل ستبقى الجوف كذلك، التي لازالت صامدة وتقاوم بشراسة حتى ساعة كتابة هذه السطور، تواجه الزحف الجغرافي الحوثي المسلح؟! هذا ما ستجيب عليه أيام اليمن وأسابيعه القليلة القادمة.
الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، هو في موقف لا يحسد عليه هذه الأيام، وبات أمام خيارين لا ثالث لهما: الأول: الاستعداد لخوض حرب عصابات ومواجهات مسلحة مفتوحة على كل الاحتمالات، بين جيشه وبين مليشيات الحوثيين الخارجة عن النظام والقانون في اليمن، ويعلم الله كم ستستمر زمنياً؟
الثاني: القبول بإشراك الحوثيين في حكومة جديدة، تلبي كثير من شروط ومطالب الحوثيين، يعلن عنها خلال الايام إن لم تكن الساعات القادمة، وقد يتفاجأ المخدوعين بالحوثيين، حينما يغضون الطرف عن الزيادة الحكومية، في أسعار المشتقات النفطية، أو رفع الدعم عنها، لأن ما يهمهم هو تحقيق مكاسب وليس تحسين مستوى عيش اليمنيين أو مصالحهم.