باع جحا داره، وأبقى المسمار غُصة في حلق المشتري، كان يزور الدار بين الفينة والأخرى ليتمتع بالنظر إلى المسمار الذي كان سببًا لإثارة المشاكل، إذ كان ذريعة لدخول جحا إلى الدار مراراً.. وعلى غرار مسمار جحا، كان "بيت الجن" سببًا في فتح الحوثيين لمكتب شبه رسمي باسم الجماعة في محافظة تعز، يعود الخبر إلى ما قبل شهر رمضان، وهو خبر جاد خالٍ من المزاح.. جنٍ يسكنون بدل الجن فيما يبدو، تقول التفاصيل: أن منزلًا قبالة حديقة التعاون في الحوبان، كان صاحبه يشكو من خروج المستأجرين بعد دخوله بفترة وجيزة، كانوا يقولون له بأنهم يسمعون حركات غريبة داخل البيت، فاعتقد جازمًا أن منزله "مسكون بالجن". ظل المنزل مهجورًا خوفًا من المخلوقات الغيبية وتلافيًا للمس، حتى جاء الحوثيين ليقيموا حفلات "الموالد" لطرد الجن من المنزل، وفجأة سكنوه، ورفعوا الشعار الفضفاض على واجهته. الرواية شعبية، لكن غالبية تفاصيلها حقيقية. والمكتب بارز للمار وعلى واجهته شعار الجماعة الشهير: الموت لأمريكا.. الموت لاسرائيل.. ما ليس شعبيًا، أن جماعة الحوثي أرسلت مندوبًا خاصًا من طرفها إلى تعز لانعدام ثقتها بالمتحوثين المتعاطفين معها من أبناء المحافظة، وصل مندوب الجماعة في رمضان كما لو أنه مبعوث دبلوماسي من دولة أخرى، الفارق الشكلي بينه وبين الدبلوماسيين أنه ممثلًا لميليشيا مسلحة. سُرعان ما قام الرجل "المندوب" باستئجار منزل في المدينة ومُباشرة عمله: «الإشراف على أنشطة، إقامة ندوات ومحاضرات، عقد اجتماعات... إلخ» إضافة إلى عمله الرئيس "الإشراف على واجهة الحوثي في تعز"، ومع ذلك ترتفع الضجة من قبلهم تجاه من يقيم محاضرة أو نشاط مماثل ممن يخالفهم، وأبرز مثال على ذلك، الضجة التي رافقت محاضرة الشيخ السلفي يحيى الحجوري في منتصف سبتمبر الماضي، القى الرجل محاضرة في أحد جوامع المحافظة مع انتشار مسلحيه قرب الجامع، واستمر تواجدهم حتى اداء صلاة العشاء. وللعلم؛ في الأسبوع قبل الفائت كان أحد الحوثيين المشرفين على الأنشطة في المحافظة، كان في منطقة اسمها "الجعدي" تابعة لمديرية التعزية وهي قريبة من مديرية مذيخرة التابعة لمحافظة إب، إحدى العوائل المتوافقة معهم من الناحية الفكرية استدعته لإقامة محاضرة دينية، سأله أحد الحاضرين عن حقيقة سب الصحابة، فقال له: في الحقيقة، لكل فئة صحابي تحبه، نحن نحب علي، مثلما الاشتراكيين يحبوا "أبا ذر". إبراهيم عامر، وهو من أبناء محافظة حجة، ومندوب الحوثي في تعز، قام أيضًا بعقد لقاءات مع متعاطفين مع الجماعة، سواءًا كان هذا التعاطف بدوافع سياسية أو رغبة في المال، أو اندفاع صادق باعتبار الجماعة حامل لواء المظلومين. كان أكبر اللقاءات له، مع متعاطفين من أبناء التعزية وشرعب السلام، في 17/8/ قام الرجل بجمع المتحوثين تحت مسمى "اجتماع مشائخ شرعب والتعزية" لرفض الجرعة القاتلة، حضرته قناة المسيرة لكنها لم تبث مقاطع الفيديو لمعظم تصريحات الحاضرين!. وبالتوازي مع سقوط صنعاء، حاول المتحوثون أن يتواجدوا في حواشي المحافظة، في المديريات التي تطوق المدينة: التعزية، ماوية، صبر...فتم عقد اجتماعات على شاكلة اجتماعات القبائل، رجالًا يحملون عتادهم من السلاح ويتراصون قيامًا لسماع الكلمة، قبل عيد الأضحى عقد اجتماعًا بالقرب من شارع الستين المتاخم للمدينة من جهة الشمال، تحدث فيه أحدهم "تحتفظ الصحيفة بمقطع الفيديو"، قال: « يجب علينا أبناء المحافظة أن نكون يدًا واحدة في مواجهة هذه الفئة الضالة، نحن أمة واحدة من تعز إلى صعدة، هل ننتظر أن تأتي السكاكين إلى رقابنا؟ لا، لن ننتظر السكاكين تأتي إلى رقابنا، ونقول لمدير أمن المحافظة ولمحافظ المحافظة: لن ننتظر السكاكين تصل إلى رقابنا، سنتحرك كما تحرك إخواننا الشرفاء في صنعاء وفي صعدة وفي عمران وفي الجوف، ونقول لأولئك التكفيريون، ستندمون، كما ندم قادتكم وأزلامكم في عمران وفي صنعاء، سترحلون بعد المجرم علي محسن، سترحلون بعد المجرم حسن أبكر، سترحلون بعد المجرم حسين الأحمر سترحلون بعد المجرم حميد الأحمر». أعقب ذلك محاولة بسيطة لنقل تجربة صنعاء إلى تعز، حيث قام أحد الأعيان المدعومين من الحوثي بنصب مخيم طويل في شارع الستين، المدخل الشمالي للمدينة، توافد المسلحين المطالبين بتنفيذ مخرجات الحوار!، ولكن النقطة العسكرية المرابطة في الستين قامت بطردهم بسرعة. كانت النية واضحة لاقتحام تعز، ولكن تنامي الوعي المدني بخطورة ما تقوم به جماعة الحوثي، جعل هذا الوعي يتشكل إلى مبادرات وحركات شعبية، ساعد في ذلك اتفاق جميع المكونات السياسية لتجنيب تعز أي صراعات محتملة، هذا المد المجابة لمشروع الميليشيات قوّض عليهم دخول المدينة بالشكل الذي تم في صنعاء وبعض المحافظات، كما أنهم ارتأوا التخفف من قبح البشاعة التي ارتكبوها في مناطق عدة، للمحافظة على ماتبقى من مناصريهم "المثقفين"، هذا ما جعلهم يتوقفون عن فتوحاتهم في إب، ويحاولون التغلغل بشكل ناعم في تعز. التواجد في تعز! المكونات السياسية والسلطة المحلية في تعز، جعلت من الجماعة طرفًا مدللًا، هم يتواجدون الآن بشكل خفي ويحضرون الاجتماعات. يحاول "سليم مغلس" أن يمثلهم تحت منصب "رئيس" المكتب السياسي لأنصار الله في المحافظة، هو شاب من أبناء تعز والجماعة لا تثق به كثيرًا، لكنها تزج به ليكون في الواجهة وعبره تقوم بتمريرات أهدافها بنعومة. يقوم مغلس بحضور اجتماعات مهمة تعقدها السلطة المحلية مع أحزاب المشترك والوجاهات بُغية تجنيب المحافظة أي صراعات مُحتملة، يفرض الشاب اليافع مطالب الجماعة وأجنداتها، الشماعة التي يهدد بها مغلس" الإرهابيين التكفيريين"، يقول أنهم يتواجدون في مناطق بعيدة لا يعرفها أحد، وتقول السلطة المحلية أن "طائرة استطلاعية" قامت بالتحليق في المكان الذي ذكره مغلس ولا يتواجد به أحد. الجميع يعمل على تفويت الفرصة أمام الحوثي حدّ المبالغة، قام وزير الدفاع السابق بتغيير قائد اللواء 35 مدرع العميد يوسف الشراجي، بآخر مقرب من الرئيس السابق علي صالح، كثرت الشائعات حول التغيير المفاجيء، مصادر لحديث المدينة قالت أن التغيير كان مقترحًا من قبل قائد المنطقة الرابعة سابقًا وزير الدفاع الحالي، محمود الصبيحي، لتفويت الفرصة على الحوثيين وقتل الذرائع أمامهم لدخول المحافظة خصوصًا وأن الشراجي قائد اللواء السابق، كان أحد أكبر مناصري الثورة الشبابية، وتعتقد جماعة الحوثي أن أي عسكري مناصر للثورة، تابعًا للواء علي محسن الأحمر. *** بعد أن عجزت جماعة الحوثي عن ايجاد ذاتها في تعز بالشكل المماثل لبعض المحافظات، والحصول على شعبية تتواءم مع الكثافة السكانية، اتجهت مؤخرًا لتكثيف أنشطتها حول تقديم الخدمات الاجتماعية، مؤخرًا قامت الجماعة بفتح مكتب لاستقبال الشكاوي ومظالم المواطنين، لم تتحرك بهالة إعلامية كما أنها لم تتجه إلى نُصرة المظالم بالقوة، على الأقل حتى الآن.. في الأسبوع الفائت، قام متحوثين برعاية ما سُمي حفل "مجلس عسكري"، بعد أن فشلت في ايجاد نفوذ حقيقي داخل تعز، تحاول التغلغل عبر رعاية قضايا حقوقية، فكرة المجلس العسكري تقوم على "لملمة العسكريين الفارين والذين استبدلوا بغيرهم" للمطالبة بحقوقهم، وفي حال عدم الاستجابة لهم سيتحركون في الشارع. كما قام رعاة الفكرة، باستلام صور لبطائق عسكرية لجنود من أبناء المحافظة، يخدمون في محافظات أخرى، ويريدون العودة إلى معسكرات في محافظة تعز، أبرمت الجماعة وعودًا لهم بنقلهم إلى تعز. يبدو المستقبل قاتمًا بالنسبة للجماعة التي تسللت إلى تعز عبر بيت مسكون بالجن، وسيتبدد حالما توجد الدولة!.