فيما اليمن غير السعيد ، ينزلق إلى أتون الاصطراع الأهلي ، ثمة تبدلات وتحولات مهمة في مواقف اللاعبين المحليين والإقليميين من التطورات المقلقة في اليمن ، أملتها جملة من الظروف والمستجدات النوعية الطارئة ، والتي لا يجوز معها التعامل مع جديد التطورات بقديم المواقف والتصورات.فبعد إعلان القاعدة والسلفية الجهادية عموما عن تأييدهما لما يسمى بالحراك الجنوبي (الانفصالي) بزعامة الحزب الاشتراكي اليمني (العلماني) ، وبعد أن بلغ "التمرد الحوثي - الشيعي" حدا يدفع على الاعتقاد بأن البديل عن اليمن الواحد الموحد ، هو العودة إلى أنظمة الإمامة ومشيخات السلاطين ، وأن "فوضى الأمن والسياسة" في اليمن إن انفلتت من عقالها ، فلن تقف عن حدوده الجغرافية اليمنية ، نقول بعد كل هذه التطورات والتحولات ، أخذت بعض القوى الإقليمية تبدّل مواقعها ومواقفها ، بل وأصبح الهاجس اليمني يشكل شغلا شاغلا للسعودية ودول الخليج وكل المعنيين بأمن البحر الأحمر وخليج عدن والقرن الأفريقي ، بما في أجندته من عناوين تبدأ بالإرهاب وتمر بالمخدرات وتجارة الرقيق ولا تنتهي بالقرصنة.القاعدة تخطت تحفظها وحذرها ، وهي إذ تنتقل إلى دعم الانفصال فذلك لسببين: الأول ، أن لها نفوذ معهم في المحافظات الجنوبية ، والثاني ، أن القاعدة لا تنتعش ويتعاظم دورها إلا في مناخات الفوضى والصراعات الأهلية وضعف الدولة المركزية.في المقابل ، فإن ما يحدث في اليمن وإن كان شأنا داخليا ، إلا أن مجرى الأحداث القائمة يجعله عربيا وبتحديد أدق خليجيا ، مشيرة إلى أنه لو حدث انفصال بين الشمال والجنوب ستكون توابعه كزلزال هائل على أمن المنطقة كلها ، محذرة من نشاط ملحوظ لقوى إقليمية (في اشارة الى ايران) "أصبحت لاعبا بالداخل اليمني من خلال فصائل الحوثيين".والحقيقة أن ثمة إحساسا بالتقصير تشعر به معظم دول الخليج العربي حيال اليمن ، مع أنها تدرك بأن الوضع في اليمن إن انزلق إلى مستنقع التشرذم والحروب القبلية والإقليمية ، فإن اليمن نفسه ، لن يكون الخاسر الوحيد ، بل ستطاول الخسارة الفادحة ، دول الخليج برمتها ، حيث ستجد نفسها بين فكي كماشة: إيران غربا واليمن جنوبا ،
والصومال جنوب الجنوب ، ومن وراء بحر عمان الباكستان المعرضة للتفكك ، وسيتعين على عواصم الخليج ، أن تتعامل مع أكثر من حلقة من حلقات الانهيار و"الفوضى الخلاقة".طبعا مشكلة اليمن لا يمكن تحميلها للخارج ، فلا "التقصير الخليجي" من جهة ولا "التدخل الإيراني" من جهة ثانية ، يفسران وحدهما وصول خيار الوحدة إلى طريق مسدود ، فالمسؤولية الأولى تقع على كاهل النظام في صنعاء ، وفشله في الاستجابة لتحديات الوحدة واستحقاقاتها ، بما هي تحديات واستحقاقات تواجه اليمن بشطريه.والحقيقة أن اليمن الذي كان سعيدا بوحدته (وقد كنا سعداء لسعادته) ، ينهض بما يتوفر عليه من "طاقات وموارد وممكنات" ولهذا السبب لا يراد له أن يكون موحدا وقويا ، ولهذا السبب لا يراد له أن يكون ضعيفا ومفككا ، وهو سيظل يراوح في منزلة بين هاتين المنزلتين ، تماما مثلما هو حال العراق ، (كما العراق) إلى أن تقضي إرادة أبنائه بغير ذلك ، وتفضي إلى مصير مغاير.