تخلصت البشرية من العبودية منذ قرون مضت وصارت مسالة استعباد الإنسان لأخيه الإنسان وصمة عار في جبين الإنسانية وجريمة بشعة بكل المقاييس الأخلاقية والقانونية والدينية، إلا أن الرق والعبودية على أرض الواقع لازال قائما في اليمن وعلى وجه التحديد في ثلاث مديريات في محافظتي الحديدة وحجة هي مديريات الزهرة وكعيدنة وخيران المحرق. الدستور اليمني الذي يحرم العبودية وينص على أن جميع اليمنيين هم مواطنون أحرار متساوون في الحقوق والواجبات، وملف العبودية والرق في اليمن فتحه تقرير صحفي قامت به صحيفة "المصدر" وموقع "المصدر أونلاين" حيث نزلت إلى مديريات الزهرة وكعيدنة وخيران المحرق، وكشفت عن فئة من المجتمع لا يزالون عبيداً وجواري ومماليك يتملكهم أسياد ومشائخ وأعضاء مجلس نواب في تلك المديريات الثلاث الواقعة في غرب اليمن، ويحدث كل هذا تحت سمع وبصر الدولة وأجهزتها التنفيذية والتشريعية والقضائية ودستورها الذي يحرم جريمة الرق.
وما تناوله التحقيق الصحفي الميداني مؤخرا عن واقع حياة العبيد اليمنيين في تلك المديريات الثلاث يكشف عن الواقع المهين الذي يعيشونه والانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان التي لا يمكن أن تصدقها البشرية التي تعيش اليوم في القرن الواحد والعشرين فحال أولئك العبيد مأساوية للغاية فهم يقضون أعمارهم كادحين في مزارع أسيادهم المشائخ وفي خدمتهم، حتى إذا كبروا في السن رموا بهم للعراء بلا مأوى، وبدون مصدر رزق، وهو حال أسوأ مما كان عليه الأفارقة السود خلال القرن الثامن عشر الذين أفنوا أعمارهم في خدمة أسيادهم المستعمرين البيض، وأبشع من هذا كله ما تعرض له تحقيق صحيفة المصدر من وقائع تتحدث عن جرائم لاإنسانية تتعرض لها الجواري في تلك المديريات الثلاث من جرائم الاغتصاب الجنسي الجماعي بالتداول بين الأسياد ومن قبل أكثر من شخص بحجة أنهم أسياد وهن جواري ورقيق ومن ثم يرفض هؤلاء الأسياد الاعتراف بأبنائهم وقد نتج عن هذا الوضع أن أبناء العبيد في مديريات الزهرة وكعيدنة يقترن أسماؤهم بأمهاتهم وهنا تكتمل المأساة الإنسانية التي يعيشها أفراد هذه الفئة الممتهنة الفاقدة إنسانيتها.
إن أولئك العبيد الذين يعيشون في مديريات الزهرة وكعيدنة وخيران المحرق هم جزء من بني الإنسان وينتمون إلى الأرض اليمنية التي يحرم دستورها وثورتها وقوانينها الرق والعبودية ورغم مرور قرابة الخمسين عاما من عمر الثورة التي قامت أصلا لتحرير الإنسان اليمني، إلا أن أولئك الناس الذين يقطنون في تلك المديريات اليمنية الثلاثة لا يزالون عبيدا وجواري وذلك بسبب الوجاهة والقوة والتحالف مع السلطة التي يتمتع بها المشائخ المتملكون لهم ما جعل الدولة تغض الطرف عنهم وتتصرف وكأن الأمر لا يعنيها، وما كشف عنه تحقيق "المصدر أونلاين" إنما هو عينة صغيرة من واقع فئة مقهورة محرومة من أبسط الحقوق الإنسانية، فقناف ووالدته سيارة وغيرهم ممن تعرض لهم التحقيق الصحفي هم أمثلة لحالات إنسانية في مجتمع العبيد يتعرضون بشكل يومي ومنذ ساعة مولدهم حتى أخر رمق في حياتهم لشتى صنوف التعذيب والامتهان والانتهاكات لأدميتهم وكرامتهم الإنسانية، وكل هذه المعاناة والانتهاكات والألم الذي يعيشه العبيد والجواري في غرب اليمن يفرض على جميع المهتمين بحقوق الإنسان والتجار ورجال الأعمال والمنظمات الإنسانية المحلية والدولية أن تبادر بدافع إنساني لإنقاذ هؤلاء الناس المقهورين الذين هم إخوة لنا و جزء من بني البشر لتخليصهم من ذل العبودية والرق والمعاناة والأسياد الذين يتوارثونهم جيلا عن جيل.
إن تحرير عبيد اليمن في مديريات الزهرة وكعيدنة وخيران المحرق سيسجل كأهم انتصارات الإنسانية لنفسها ولقيم الحرية والكرامة الإنسانية المنشودة لجميع البشر في القرن الواحد والعشرين فهل يحتفل اليمن والعالم قريبا بالانتصار لقيمة الحرية بإلغاء العبودية والرق القائمة للإنسان في تلك المديريات الذي يتوق للتحرر والانعتاق.