أنتجت حرب صيف 94م القضية الجنوبية، وأنتجت ست حروب ضد جماعة الحوثي قضية صعدة، وإن كان التمدد الحوثي المسلح في المحافظات وانقلابه على الشرعية الدستورية قد ألغى هذه القضية، وأصبح الحديث اليوم عن قضية صعدة مزحة ثقيلة! القضيتان أنتجهما نظام علي عبدالله صالح بفعل سياساته الخاطئة، وها هو عبدالملك الحوثي قد أنتج في زمن قياسي "القضية الإصلاحية" التي سنتناولها هنا، ودشن النسخة الثانية من القضية الجنوبية وقريبا ستكون القضية التهامية والتعزية والمأربية، وغيرها ستظهر تباعا إذا ظل الحوثي ينتهج هذا النهج الكارثي في سبيل الاستحواذ على السلطة والثروة! ***** قضية وطنية جديدة ضحيتها تيار وطني ومواطنون يمنيون قبل كل شيء، وهي القضية الإصلاحية التي أنتجتها ولا زالت الحرب القائمة ضد حزب الإصلاح من جماعة الحوثي المسلحة، وعلى القوى الوطنية التدخل السريع لإيقاف هذه الحرب الحوثية ومعالجة آثارها فورا قبل أن تستفحل وتترك شروخا عميقة في جدار الوطن العليل أصلا، وقبل أن يصبح حلها باهضا، فالحلول التي سيقبلها الإصلاحيون اليوم قد لا يقبلونها غدا. الحروب لا تخلف إلا كوارث ومظلوميات -إذا لم تؤخذ بعين الاعتبار- تظل كالجمر تحت الرماد ولا يستهين بها إلا الحمقى، وليأخذ الحوثي العبرة من حمقى النظام السابق الذين استخفوا بالمطالب الجنوبية وظنوا أن قواتهم الأمنية والعسكرية مانعتهم من المظلومين، ولم يستيقظوا إلا على حراك جنوبي ينمو باضطراد، وأصبحت الحلول الممكنة سابقا غير كافية لاحقا! مظلومية الإصلاحيين تكبر يوميا بفعل الحرب الحوثية الظالمة ضدهم، وقد أغرى أمراء الحرب الحوثيين صمت القوى السياسية وعقلانية قيادات الإصلاح، وإذا استمر هذا الوضع فانتظروا قريبا حراكا إصلاحيا مزلزلا، لأننا نتحدث عن حزب أعضاؤه في كل قرية من قرى الجمهورية اليمنية، فهل يدرك الحكام الجدد خطورة ما يجري، ويتقوا شر الحليم إذا غضب؟ ***** تصاب بالذهول عندما تقرأ إحصائية أولية عن الانتهاكات التي تعرض لها حزب الإصلاح في بعض المحافظات خلال الفترة الماضية على أيدي المسلحين الحوثيين، وتستغرب من صمت الحزب حتى اللحظة عن تصعيد قضيته وطرحها ضمن قضايا الحوار، بل ورفض المشاركة في أي حوار قادم ما لم تكن القضية الإصلاحية في جدول أعماله! قياديون إصلاحيون يقولون إنهم يؤثرون المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية، وأن خسارتهم لا تقارن بما خسره اليمن واليمنيون عموما بسبب الانقلاب الحوثي، وهذا صحيح، لكن الحرب الحوثية ضد الإصلاح لم تتوقف، وإذا طالت هذه الحرب الحاقدة قد يفقد الحزب القدرة على التحمل ويضعف، وربما يصبح الإصلاح غير قادر على السيطرة على أفراده المتضررين خصوصا إذا شعروا أن قيادتهم خذلتهم، وسيشكلون حاملا سياسيا جديدا لقضيتهم العادلة، فهل انتظر الجنوبيون الحزب الاشتراكي اليمني لتبني قضيتهم مثلا؟ وصحيح أيضا أن ضحايا الحوثي كثر ومن مختلف الأحزاب ومواطنين عاديين، لكن نصيب الأسد من حصة الإصلاحيين، ولا أحد يستطيع إنكار ذلك، والحوثيين يستهدفون بدرجة رئيسية الإصلاح رغم محاولاته المستمرة للتقارب معهم لإيمانه بالحوار وحرصا على اليمن الذي لم يعد يحتمل مزيدا من الصراع، وكلما مد الإصلاح يد السلام للحوثيين ظنوا ذلك ضعفا ومدوا له يد العنف، ولا يدركون أنهم يحشرون نمرا في زاوية ضيقة لن يكون أمامه بالأخير إلا افتراس المهاجم دفاعا عن النفس مهما كان الثمن، وما تأييد الحزب لعاصفة الحزم إلا نقطة الانطلاق، والبادئ أظلم. ***** 358 إصلاحيا استشهدوا في محافظة عمران و1300 إصلاحي جرحوا و252 إصلاحيا اختطفوا، وتم تهجير أكثر من عشرين ألف إصلاحي من عمران وتدمير 15 منزلا ونهب 53 منزلا، واحتلال ونهب 28 مؤسسة مدنية تابعة لإصلاحيين وإبعاد 13 من أئمة المساجد المحسوبين على حزب الإصلاح، وفي محافظة صنعاء استشهد 156 إصلاحيا وجرح 202 إصلاحيا و310 اختطفوا ونحو أربعة آلاف إصلاحي تم تهجيرهم، والاعتداء على 143 منزلا ونهب 37 مزرعة تابعة لإصلاحيين! وفي أمانة العاصمة استشهد 119 إصلاحيا وجرح 287 إصلاحيا، وتم اختطاف 635 إصلاحيا واقتحام عشرات المنازل والمؤسسات المملوكة لإصلاحيين، وفي محافظة إب استشهد 17 إصلاحيا وجرح 23 إصلاحيا منهم إصابات حرجة، و52 إصلاحيا اختطفوا وقرابة أربعمائة إصلاحي هجروا من بيوتهم، و7 حالات اعتداء على مؤسسات تابعة لإصلاحيين والاعتداء على 22 منزلا لإصلاحيين! وبحسب الإحصائية التي حصلت عليها صحيفة الناس فقد اقتحم الحوثيون ونهبوا خلال شهر فقط 19 مقرا لحزب الإصلاح في أمانة العاصمة بخسائر قدرت بستمائة ألف دولار تقريبا، ومنها مقر الأمانة العامة التي قدرت قيمة المنهوبات منه بأكثر من 187 ألف دولار، ولا تزال مقرات إصلاحية تحت احتلال الحوثي حتى اللحظة! وتم اقتحام ونهب ثلاثة مقرات إصلاحية في محافظة صنعاء وقدرت الخسائر بنحو 125 ألف دولار، وأربعة مقرات إصلاحية في محافظة إب وقدرت الخسائر بأكثر من 203 ألف دولار، وطالت عملية النهب الحوثية حتى المكانس والفرش المستعملة، وإجمالي خسائر حزب الإصلاح في الأمانة ومحافظتي صنعاءوإب تقترب من مليون دولار! ***** الإحصائية الخاصة التي حصلت عليها صحيفة الناس كانت حتى نهاية 2014م، ومنذ بداية العام الجاري تضاعفت الانتهاكات والاقتحامات لبيوت القيادات الإصلاحية، والاختطافات مستمرة، والإحصائية لم تشمل محافظات صعدة وحجة والحديدة وذمار والبيضاء بالمناسبة، وقائمة الانتهاكات ستطول الآن بدخول الحوثيين إلى محافظة تعزوالمحافظات الجنوبية! وهناك انتهاكات أخرى كإقصاء عشرات المسؤولين الإصلاحيين من وظائفهم، وتهديد قيادات إصلاحية وحالات شروع في القتل وإغلاق وحجب وسائل إعلامية إصلاحية ومحسوبة عليه، وتعذيب ناشطين ومتظاهرين سلميين إصلاحيين في سجون حوثية خاصة وصلت حد التعذيب في "المؤخرة" حتى الموت بصورة بشعة لم يرتكبها إمام زيدي منذ الهادي، وغيرها من الانتهاكات المتواصلة ناهيك عن الخطاب التخويني والتحريضي ضد الإصلاح! جرائم حوثية لا حصر لها مورست بحق الإصلاحيين ولا زالت، ولن تسقط بالتقادم مهما طال الزمن أو تذهب أدراج الرياح، ومن حق الإصلاحيين المطالبة بتعويضهم وإنصافهم، والنضال الشامل من هذه اللحظة وبكل الوسائل المشروعة لاسترداد حقوقهم، وعلى الحكام الجدد الاستجابة لمطالبهم بصورة عاجلة إذا كانوا حريصين فعلا على اليمن ووحدته الوطنية والسلم الاجتماعي، وقبل أن تتعقد القضية ويكون لها تداعيات خطرة. _________________ * رئيس تحرير صحيفة الناس