لقد صاح الطفل (التعزي) فريد (الذماري) بصوت يملؤه الوجع والتأوه: ﻻ تقبروناش، وكررها خمس مرات حتى قلنا: ليته سكت، فقد خنقتنا صيحاته، وقتلتنا استغاثاته! لقد أطلق فريد صيحات الرجاء في آذان مﻻئكة الرحمة الذين كانوا يرقعونه من شظايا الحوافيش، لكنهم لم يستطيعوا تنفيذ وصيته لﻷسف؛ وذلك ﻻنعدام الدواء الذي قطع الحوافيش عليه طرق الوصول إلى الضحايا، وبذلك قتلوا فريد مرتين، وكم في هذا البلد الذي تعبث به المواجع والفواجع من فريد، إذ أن فريد ليس حالة فريدة!! لقد كان فريد آنذاك يذوق طعم (الموت) في حلقه الغض، الذي لم يذق بعد طعم (الحياة)، وكان مسكونا بخبرات الموت التي بثها المجرمون في هذه المدينة، وكان يراها تحلق فوق رأسه بعد أن اقتطفت عددا من زمﻻء دراسته، ورفقاء لعبه، وأصدقاء براءته! لقد كانت رائحة الموت تنبعث من كل أرجاء المدينة، حتى أن فريد لم يشم رائحة ما بقي من دواء في المستشفى، ولم يشعر باﻷمان في أحضان والدته وتحت جناح أبيه، ولذلك أطلق صرخة الرجاء بأن ﻻ يموت، وكرر صيحة التشبث بالحياة: ﻻ تقبروناش! إنها إرادة (الحياة) في مواجهة عواصف الدمار الآتية من شمال الشمال، وهي ليست سوى غيض من فيض أعاصير (الموت القادم من الشرق)! الشرق اﻹيراني الذي نبت فيه قرن الشيطان، ويتربع اﻵن عرش إبليس الكبير هناك، متحالفا مع أبالسة الغرب، حيث ما زال ينتقم من شﻻﻻت الفتوحات اﻹسﻻمية التي أطفأت نيرانه المتأججة. وما برحت تلك النيران حتى انتقلت إلى قلب هذا الشيطان، ومنذ ذلك القرن والنار تأكل أحشاءه، وﻻ يستطيع إطفاء لهيبه إﻻ بصب دماء اﻷطفال عليها، ولهذا فإن شﻻل الدماء يتدفق اﻵن في سوريا واليمن والعراق، وما زال الشيطان يرمق أطفاﻻ آخرين، وﻻسيما في السعودية والخليج ولبنان ومصر!! إطمئن يا فريد أنت لم تمت، بل ارتقيت لتصير طائرا من طيور الجنة، بعيدا عن رعب الموت القادم من الشرق والهمجية القادمة من الشمال، والتي أعلنت من أول يوم أنها ﻻ تبالي ﻻ تبالي! ورغم ما أنت فيه اﻵن من أمان ولعب في الجنة، فاعلم أن دماءك ودماء رفقائك لن تضيع هدرا، بل ستصير بركان حمم يغرق المجرمين، ويجرفهم إلى لجات الجحيم.