صلينا وزكينا وصمنا، وحجينا واعتمرنا وزرنا، وقمنا اناء الليل و أطراف النهار، وسبحنا الله بكرة واصيلا، استسقينا وخطبنا ورعدنا، ودعونا الله ليلا ونهارا، سرا وجهارا، اقوالا والفاظا وقوافي محكمة، وعبادات وحركات وطقوس، ولم ندرك أن سفك الدماء، والظلم والنفاق والاستقواء، والغدر والخيانة والتحايل، وانتشار الرشاوي والغش والفساد، وقطع الارزاق واكل الاموال بيننا بالباطل والربح الفاحش، هي الاعراض والكفر بالنعم، وهي الفقر المدقع، وهي لباس الجوع والخوف، وهي الحرب من الله. تركنا المهم والاهم، وتمسكنا بفروع الخلاف والاختلاف، وخضنا في قضايا لا تسمن ولا تغني من جوع، وفي جدالات فكرية عقيمة لا طائل منها ولا خير فيها، فرقتنا ومزقتنا، و أسقطت قيمنا و أخلاقنا، حتى فجرنا في الخصومة، ومازلنا نظن انا مصلحون. نتابع المهرجين، ونخوض مع الخائضين، نجل ونحترم اللصوص ومن على شاكلتهم، ونلهث وراء المشهورين وإن كانوا سفهاء، نسفه الصادقين لانهم بسطاء، ونتقزم في باب ومجلس وصفحة كل مسؤول، وحتى في عطائنا لا نصل الى المتعففين و أغنياء النفوس. من جوعنا عدنا نفتش في اوراقنا، وفي كل ورث ودَين، وحق وباطل، وخضنا غمار التقاضي في كل ماضي وحاضر، وشاردة وواردة، وصغيرة وكبيرة، وامتلأت بنا مباني الاقسام والنيابات والمحاكم ومجالس التحكيم، مدعيين الحق ومتلبسين المظلومية، وما شُحة الامطار الا جوع على جوع، وحرب فوق حرب، تعطلت العقول، وعمت الابصار والبصيرة، وقست القلوب ورانت، وصدأت وزاد غلها، فانكفأ الدعاء، وانحبس خير السماء، وقست الارض وجفت، وجافت بنا عالة فقراء وجوعى متناحرين.