إيران تعلن تدمير 44 طائرة إسرائيلية مسيرة خلال ال48 ساعة الماضية    الضالع.. رجل يفجّر قنبلة داخل منزله ويصيب نفسه وثلاثاً من أسرته    أهدر جزائية.. الأهلي يكتفي بنقطة ميامي    نافذون حوثيون يسطون على أراضي تابعة للأوقاف في بعدان إب    صحيفة أمريكية: واشنطن منخرطة في الدفاع عن اسرائيل    سخرية من المعتوه عيدروس الزبيدي    كسر وجراحة.. إمام عاشور خارج المونديال    لماذا نهرب دائماً للملاجئ من صواريخ القوات المسلحة اليمنية؟!    قوات الجيش تعلن إفشال محاولة تسلل شمال الجوف وتكبّد المليشيا خسائر كبيرة    العرب ومآلات الحرب الإيرانية الإسرائيلية:    تعادل مثير بين الأهلي وميامي في افتتاح المونديال    إيران تستهدف "معهد وايزمان" أكبر وأهم مركز أبحاث إسرائيلي    تعرض وزارة الدفاع الإيرانية لأضرار طفيفة عقب اعتداء بمسيرات صهيونية    اليغري كان ينتظر اتصال من انتر قبل التوقيع مع ميلان    اسبانيا تخطف فوزاً من رومانيا في يورو تحت 21 عاماً    اعلام اسرائيلي يتحدث عن عملية اغتيال في صنعاء    النفط الإيرانية تعلن استهداف العدو لمستودع وقود غرب طهران    نتنياهو: الهجمات على إيران ليست شيئا مقارنة بما هو آت    صنعاء.. التربية والتعليم تحدد موعد العام الدراسي الجديد    حضرموت.. خفر السواحل ينقذ 7 أشخاص من الغرق ويواصل البحث عن شاب مفقود    بعد أيام من حادثة مماثلة.. وفاة 4 أشخاص إثر سقوطهم داخل بئر في إب    انهيار جديد للعملة في عدن مقابل الدولار والريال السعودي    عدن .. عفراء توضح تفاصيل اعتقالها وتنفي الرواية الأمنية    اعتقال ناشطات في عدن خلال تظاهرة نسوية تطالب بتحسين الأوضاع    ارتفاع الجنيه الاسترليني أمام الدولار واليورو    تريم تحتفي بزفاف 134 عريسًا وعروساً ضمن مهرجان التيسير السابع عشر    عدن .. اعتقال ناشطة حقوقية وحواجز امنية في المعلا تربط دخول النساء بإبراز البطاقة الشخصية    ضبط متهم بارتكاب جريمة قتل وسرقة وانتحال صفة رجل أمن    فعالية احتفالية بذكرى يوم الولاية في حوث بمحافظة عمران    محافظة صعدة تُحيي ذكرى يوم الولاية في 21 ساحة    التربية تحدد موعد بدء العام الدراسي الجديد    اغلاق موسم اصطياد الحبار في منطقة البحر الأحمر    اللاعبين المحليين في منتخب اليمن يعودون إلى عدن    روسيا تدخل قائمة أكبر خمسة اقتصادات الأقل اعتمادا على الواردات    السعودية وقطر تستضيفان المرحلة الرابعة لتصفيات مونديال 2026    صنعاء تحيي يوم الولاية بمسيرات كبرى    الخدمة المدنية: غداً الأحد استئناف الدوام الرسمي عقب إجازة العيد    مساحة مديريات الصحراء الحضرمية    ريال مدريد يضم ماستانتونو في أضخم صفقة انتقال في تاريخ كرة القدم الأرجنتينية    سياسي جنوبي: انها معركة كل الوطنيين الجنوبيين الأحرار    اتهامات للعليمي بشراء الولاءات الإعلامية بالتزامن مع تأخر صرف رواتب الموظفين    - عضو مجلس الشورى جحاف يشكو من مناداته بالزبادي بدلا عن اسمه في قاعة الاعراس بصنعاء    سرقة مرحاض الحمام المصنوع من الذهب كلفته 6ملايين دولار    - اليك السلاح الفتاك لتقي نفسك وتنتصر على البعوض(( النامس))اليمني المنتشر حاليآ    اغتيال الشخصية!    الأستاذ جسار مكاوي المحامي ينظم إلى مركز تراث عدن    الحديدة تستقبل 120 ألف زائر خلال عيد الاضحى .. رغم الحر    مسؤولة أممية: أكثر من 17 مليون يمني يعانون من الجوع الحاد    قهوة نواة التمر.. فوائد طبية وغذائية غير محدودة    حينما تتثاءب الجغرافيا .. وتضحك القنابل بصوت منخفض!    الترجمة في زمن العولمة: جسر بين الثقافات أم أداة للهيمنة اللغوية؟    القيرعي الباحث عن المساواة والعدالة    اليابان.. اكتشاف أحفورة بتيروصور عملاق يقدر عمرها ب90 مليون عام    متحفا «الوطني والموروث الشعبي» يشهدان اقبالا كبيرا خلال العيد    اليمن تؤكد التزامها بحماية المحيطات وتدعو لتعاون دولي لمواجهة التحديات البيئية    تصاعد مخيف لحالات الوفاة بحمى الضنك في عدن ومحافظات الجنوب    محافظة ذمار تبحث خطوات وقائية لانتشار مرض الاسهالات المائية    فشل المطاوعة في وزارة الأوقاف.. حجاج يتعهدون باللجوء للمحكمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السنوار... قصة رجل «أوقف الأرض على قدم واحدة»
نشر في المشهد اليمني يوم 24 - 10 - 2024


مقالات
د. محمد جميح
92.243.17.112
على أريكة، في صالون شقة مهجورة، قضى المحارب لحظاته الأخيرة، قعد ملتفعاً بطبقة من غبار المعارك، ملثماً بكوفيته، بعد أن أثخنته الجراح: يد نهشتها القذائف، وجسد مضرج بالدماء، ورِجل تهشمت عظامها، وعصا هي سلاحه الأخير، في وجه آلة حرب، هي آخر ما ابتكرته تكنولوجيا السلاح، عصا يسند بها جسده، ويقذف بها وجه درون الاستطلاع التي دخلت من فجوة في الجدار، لترقب المشهد الأخير، قبل أن يقذف البطل بعصاه في وجهها.
لا توجد صورة مجازية يمكن أن تكون أبلغ تعبيراً من هذه الصورة الحقيقية، ولا يمكن لأغرب مشهد سينمائي أن يكون بهذه الفانتازيا المذهلة، حيث يفوق الواقعُ الخيال، ويصبح المجاز مجرد صورة باهتة في مشهد الحقيقة الباذخة التي نسج خيوطها البطل في المشهد الأخير، وكأنه طلب من صانع الأقدار أن يكتب بنفسه المشهد الأخير، المشهد الذي كتبه قبل حدوثه بعشرين عاماً، وهو لا يزال أسيراً لدى العدو، في رواية عظيمة من حيث القيمة الدلالية، وإن لم تُعدّ ضمن الروايات النوبلية الشهيرة.
يقول بطل رواية «الشوك والقرنفل»: «الآن جاء الموعد يا أمّاه، فلقد رأيتُ نفسي أقتحم عليهم مواقعهم، أقتلهم كالنعاج ثم استشهد...»، حيث لا ينتهي المشهد هنا، بل إن آخر مشاهد الوجود السوريالي في الرواية يدلف بنا إلى أول مشاهد الماوراء الميتافيزيقي، بعد الموت الذي يصفه البطل بقوله لأمه: «ورأيتني بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنات النعيم، وهو يهتف بي مرحى بك، مرحى بك!»
كم هو مدهش هذا البطل الفني الذي استطاع الخروج من ورق الرواية إلى صفحات التاريخ، والذي ظل يتشكل في عالم الخيال إلى أن بلغ ذروة تشكله الواقعي، في تطابق تام بين الحقيقة والمجاز، والواقع والمتخيل، حيث غدا المؤلف هو بطل الرواية، وأصبح بطل الرواية هو بطل الواقع، وهو الذي قعد على أريكة في شقة مهجورة، راسماً المشهد الأخير الذي تمناه، حين قال إن «أكبر هدية يمكن أن يقدمها الاحتلال لي هي أن يغتالني، وأن أقضي إلى الله سبحانه وتعالى شهيداً على يده»، وهو ما كان، وما تمناه بطل رسم بقلمه، ثم بدمه الفصل الأخير من الرواية الواقعية المدهشة التي أبرزت البطل وقد أطلق الرصاصة الأخيرة.
«الاستسلام غير موجود في قاموسه، وسيقاتل حتى آخر رصاصة». كيف تسنى لضابط التحقيقات الإسرائيلي مايكل كوبي أن يعرف بطل المشهد الأخير إلى هذا الحد المدهش؟ كيف عرف أنه «سيقاتل حتى آخر رصاصة»؟ وكم كان وصف هذا الضابط دقيقاً، وهو يقول للإذاعة الإسرائيلية إنه «يعرف السنوار بشكل ممتاز، هو رجل صلب وعنيد وعقيدته راسخة، ويؤمن بضرورة زوال إسرائيل»!
كان السنوار قد تحدث عن تلهف العدو لرسم «صورة النصر»، وهي صورة تظهر البطل جثة هامدة ينشرها العدو، ليتفاخر بها، معلناً نهاية المعركة، وهو ما كان تماماً، إذ اندفع العدو في لهفة وحمق، لنشر «صورة النصر»، بغية تحقيق عدد من الأهداف التي تحقق عكسها، منها إذلال البطل، وكسر عنفوان المقاومة، بإظهار قائدها جثة هامدة، لتطير «صورة النصر»، عبر الآفاق، وتنقلب إلى «أيقونة» خالدة، على عكس ما خطط له العدو وأراد.
وهنا تظهر الفجوة بين العدو وجيشه من جهة، والبطل وجمهوره من جهة أخرى، حيث الفرق كبير بين عقليتين: عقلية رأت في صورة البطل على الأريكة استسلام ومذلة البطل، مقابل تفوق وقوة العدو، وأخرى رأت في الصورة معاني بطولة وخلود البطل، مقابل جبن ورعب العدو، في انعكاس للفرق بين ثقافتين: ثقافة السلاح والتكنولوجيا والقوة المادية، مقابل ثقافة الإرادة والإيمان والقوة الروحية التي تجسد المأزق الذي تواجهه إسرائيل والغرب عموماً في هزيمة شعوب أقل تكنولوجيا وتسليحاً، ولكنها تصر على المواجهة، رغم الفارق الكبير في موازين القوى.
وفي الوقت الذي حاولت العدسة الإسرائيلية إذلال البطل بنشر صورة جثته، فإنها قد منحته – من غير قصد – المشهد الختامي الذي ظل يحلم به ويسعى إليه طيلة حياته، المشهد الأخير والواقعي الذي لم يكن لأعظم منتجي السينما أن يقدمه على أبلغ مما كان عليه، المشهد الذي – في لحظة واحدة – هدم جهد عام كامل من الدعاية الإسرائيلية الكاذبة عن قيادة المقاومة التي تنتقل من مكان إلى آخر، تحت الأرض، متخذة الرهائن دروعاً بشرية، قبل أن تفضح الصورة/الأيقونة كذب الآلة الإعلامية، عندما ظهر البطل «يقاتل حتى آخر رصاصة»، حسب تعبير مايكل كوبي.
وقد سخر اليئور ليفي، محلل الشؤون الفلسطينية في قناة «كان 11» الإسرائيلية، من محاولات إسرائيل التركيز على صورة البطل، لكي توجه رسائل إهانة للمقاومة، مؤكداً أن العقلية الإسرائيلية لا تستطيع فهم كيف تلقت الجماهير العربية والغزاوية «صورة البطل» في لحظاته الأخيرة، إذ «إن سكان غزة والعالم العربي ينظرون إلى هذه الصور بشكل معاكس للنظرة الإسرائيلية، حيث يظهر أنه قاتل حتى آخر قطرة دم»، ما يمحو الأثر الذي أرادت الدعاية الإسرائيلية تكريسه عن البطل الذي قال عنه ليفي إنه «شخصية أكثر من أسطورية، وإن الانطباع عنه وعن كل ما قام به سيرافقه لسنوات وأجيال قادمة»، وإن الصورة لم تشكل «إهانة للسنوار»، حسبما خططت له الآلة الإعلامية الإسرائيلية، بل رفعته إلى مصاف الأبطال العالميين الذين يضحون بأنفسهم في سبيل حرية أوطانهم، أو حسب تعبير الخبير الروحاني الياباني ميهيكاوا سي الذي قال «لقد ضحى السيد السنوار بحياته من أجل قضية فلسطين ذاتها، ونحن اليابانيين نعجب بأولئك الذين يموتون وهم يقاتلون من أجل الحق حتى النهاية. إنه ساموراي حقيقي».
حُكم على السنوار بالسجن مدة 426 عاماً، ليخرج من السجن في صفقة «الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليط، ويبدأ العمل على تحقيق هدفه، ورسم مشهده الأخير، بعد أن أرسل رسائل ضمنية أوهمت الإسرائيليين بأنه يسعى للسلطة في غزة، ويتجه سلماً للرفاهية، بدلاً عن المقاومة، قبل أن يفاجئ البطل العالم ب»طوفان الأقصى» الذي عم العالم، والذي حذر منه مايكل كوبي الذي قال إن الإفراج عن السنوار كان «أسوأ خطيئة في تاريخ دولة إسرائيل».
رحل السنوار، الرجل الذي قال يوماً لمقاتليه: «اصبروا، سنوقف الأرض على قدم واحدة»، وهاهو الشرق الأوسط والعالم يقف على قدم واحدة، ويحبس أنفاسه، تحسباً لمآلات الأمور، بعد أن هدم السجناء الجدار، وانهار السد وجاء الطوفان الذي توعد به السنوار عندما قال في الذكرى الخامسة والثلاثين لتأسيس حركة حماس «آتون بطوفان هادر»، دون أن يلتقط أحد إشارة الطوفان الذي يمثل صرخة كظيم، ووسيلة سجين، وسلاح محاصر، وتذكار شعب يعيش تحت الاحتلال لأكثر من سبعين عاماً، فيما «العالم الحر» يدعم الاحتلال، في تناقض عجيب يعكس إرادة عالم صنع القوانين الدولية، ليطبقها على الآخرين، وصنع القوة العسكرية لتحميه من الالتزام بتلك القوانين.
ومع أن إسرائيل أرادت أن يجسد المشهد الأخير للسنوار نهاية الرواية الفلسطينية الطويلة، أو أن يسدل الستار على القضية الفلسطينية، إلا أن البطل كان قد ذكر في روايته «الشوك والقرنفل» أن ما رأيناه مجرد بداية، وأن موته يعني خلوده مع روح نبيه، على المستوى الشخصي، واستمرارية نضال شعبه على المستوى الوطني، وأن إسدال الستار على مشهده لا يعني نهاية القصة، بل إن كل نهاية هي بداية، وأن شوكة المقاومة هي قدر أولئك الباحثين عن قرنفل الحرية والانعتاق، أو كما قال المتنبي:
تريدين لقيان المعالي رخيصة
ولا بد دون الشهد من إبر النحل
*سفير اليمن لدى اليونيسكو
*القدس العربي
* السنوار
* غزة
* إسرائيل
1. 2. 3. 4. 5.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.