رغم أن السلطات اليمنية رفعت الدعم عن المشتقات النفطية بنسبة وصلت إلى 100 في المئة، إلا أن أزمة الكهرباء لم تتوقف، وذهبت السلطات إلى إطلاق تطمينات للسكان بأنّ هذه الأزمة يمكن أن تنتهي في بداية العام المقبل مع إدخال المحطة الثانية من الكهرباء الغازية في مأرب إلى الخدمة، وهو أمر ينفيه المختصون ويؤكدون استحالة دخول هذه المحطة إلى الخدمة قبل منتصف العام 2016. نائب رئيس الوزراء وزير الكهرباء والطاقة عبدالله الأكوع، طلب من شركة بهارات الهندية التي تتولى بناء المحطة العمل على تشغيلها في الموعد المحدد (نهاية شهر ديسمبر المقبل)، لكن ذلك لن يكون ممكناً، إذ إنّ الشركة بحاجة لتشغيل تجريبي، كما أنها لم تستكمل تركيب بقية مولدات المحطة التي ستنتج أكثر من 450 ميغاواط. الوزير الأكوع الذي عين في منصبه قبل شهرين بعد فشل الوزير السابق في حل أزمة الكهرباء وتفاقم المعاناة، التقى وفد شركة بهارات للهندسة والصناعات الثقيلة الهندية، وكان يأمل إدخال المحطة في الخدمة في بداية العام المقبل، لكنه قوبل بتأكيد الشركة أن إدخال المحطة إلى الخدمة لن يتم إلا في نهاية الربع الأول من العام المقبل. السلطات التي تحاول بكل ما أوتيت من قوة تهدئة غضب الناس من قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية، تسعى إلى توفير الكهرباء ومراقبة أسعار النقل لضبط أي مخالفات، وتعهدت باتخاذ إجراءات تقشفية لتأكيد مصداقيتها لكنها لاتزال تعتمد على شراء نصف احتياجات البلاد من الكهرباء من شركات القطاع الخاص. ومع أن إنتاج اليمن من الطاقة لا يزيد على ألف وخمسمئة ميغا، فإنّ البلاد بحاجة إلى ضعف هذه الكمية، خصوصاً وأن مناطق الأرياف التي يسكنها أكثر من ثلثي السكان لا تصلها الكهرباء إلا في النادر. لايمكن وخلافاً لهذه الصورة يؤكد المهندس خالد راشد عبدالمولى المدير السابق لمؤسسة الكهرباء، أنه »لا يمكن ومن المستحيل تصديق كلام الشركة المنفذة لمشروع محطة مأرب الغازية 2 بأنه سيتم البدء بالتشغيل التجريبي لأول توربين غازي في ديسمبر« من هذا العام. ويضيف عبدالمولى: »لاتزال الشركة تنفذ الأعمال الخرسانية لقواعد التربينات ولم تبدأ بأعمال التركيبات«. ويشير وهذا الأمر إلى أنه ومع دخول المحطة الجديدة الخدمة فإن احتياجات اليمن من الكهرباء تضاعفت، ولن يكون بمقدور هذه المحطة تغطية العجز. من جهته، يقول الصحافي الاقتصادي محمد العبسي: اليمنيون لن ينعموا بكهرباء مستقرة بالمرة، ولن تتحسن معيشتهم الاقتصادية خلال الخمس السنوات المقبلة على الأقل، إن لم تزدد سوءاً. ويضيف العبسي: »ستستمر ضغوط صندوق النقد الدولي، وستضطر الحكومة، الحالية أو اللاحقة، للقيام برفع الدعم الجزئي، ما يعني مزيداً من ارتفاع الأسعار عاماً بعد عام بسبب فساد السياسة المالية الذي يبدو جلياً في موازنة الدولة لعام 2013، التي تجاوزت 12 مليار دولار، بزيادة مليارين ونصف المليار دولار عن موازنة آخر حكومة في عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح. وحتى أواخر سنة 2009 كانت صنعاء تعتمد على ست محطات كهربائية تعمل بالديزل والمازوت أيضاً، ومن محطتين خارج صنعاء، قبل دخول محطة مأرب الغازية الأولي إلى الخدمة. ومع تفاقم أزمة الطاقة في المناطق الساحلية نتيجة الارتفاع الشديد في درجة الحرارة، اضطرت الحكومة إلى شراء الكهرباء من مولدات متحركة يملكها القطاع الخاص في عدنوالحديدة، حيث يبلغ العجز هناك نحو مئة ميجا، في حين أنها تعتمد على إمداد السكان بالكهرباء في حضرموت الساحل والوادي عبر محطتين يملكهما القطاع الخاص، حيث تشتري الحكومة الكمية المنتجة من الشركة بالسعر العالمي وتبيعها للمستهلك بالسعر المدعوم. معاناة الطفولة ويقول عصام محمد عبدالله، أحد سكان مدينة الحديدة الساحلية ل»البيان«: »سئمنا الوعود الحكومية.. الحر يشوي أجسادنا، وأطفالنا لا يستطيعون النوم. يصرخون في منتصف الليل عندما تنطفئ الكهرباء فجأة وسط درجة حرارة تقارب 40 درجة«. وبالمثل يقول فهمي ياسين، موظف حكومي من سكان عدن، إنّ »الحياة لا تطاق« لافتاً إلى أنّ سكان الناطق الجبلية بمقدورهم البقاء لساعات طويلة من دون كهرباء لانّ أجواء تلك المناطق معتدلة ومطرة.. أما نحن فإننا نعيش في جحيم«.أيام عصيبة عاش اليمنيون خلال الشهور الأربعة الماضية التي سبقت قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية خلال أيام عيد الفطر أياماً عصيبة، إذ بلغت ساعات الإطفاء 18 ساعة في المناطق الجبلية في حين كانت ساعات الإطفاء من المناطق الساحلية أقل من ذلك بحدود عشر ساعات في اليوم. وتواجه اليمنيين مشكلتان رئيسيتان في حل معضلة أزمة الكهرباء: أولاهما اعتماد الحكومة والقطاع الخاص على الديزل في توليد الطاقة ما يجعل الكلفة مرتفعة جداً وفوق قدرة الناس على الاحتمال، إلى جانب تهالك وقدم المحطات. كما أضافت الهجمات على خطوط وأبراج نقل الكهرباء من المحطة الغازية الأولى في مأرب معضلة إضافية.