في السابعة صباحاً من كل يوم، يبدأ "علي"، وهو طفل في الثانية عشرة، نازحٌ مع أسرته من مخيم المزرق بحرض إلى مديرية أسلم، عمله الشاق الذي يتطلب منه النهوض مبكراً والذهاب إلى الوادي بدلاً من المدرسة التي حرم منها. علي واحدٌ من مئات الأطفال النازحين الذين فروا مع أسرهم من المناطق الحدودية في حجة وصعدة بسبب القصف المتواصل إلى مديرية أسلم حيث وجدوا أنفسهم مضطرين للعمل في أي شيء من أجل إطعام أسرهم والبقاء على قيد الحياة. يحمل علي فأسه على كتفه كل صباح بدلاً من حقيبته المدرسية ليذهب إلى الوادي لقطع الأخشاب ويعود عند الظهيرة حاملاً حزم الحطب الثقيلة على كتفه المثقل بهموم أسرةٍ لم تجد من يعولها بعد مرض أبيه ونزوحهم من مخيم ظلوا فيه لسنين بسبب حروب صعدة السابقة. يعمل "علي" ورفاقه الصغار لساعات في جمع الحطب من الوادي وتقطيعه ثم حزمه في رزم والعودة به عند الظهيرة إلى المخيم كي يستخدمون جزءاً منه للطبخ ويبيعون الباقي على المارة في الشارع العام شمال المخيم لتوفير القليل من إحتياجات أسرهم. يقول "علي" أنه يفتقد مدرستة وكتبه ويحلم بالعودة إليها. ويضيف “ليتني أستطيع الذهاب الى المدرسة. لكن لايوجد من يعول إخوتي، ولا توجد مدرسة قريبة منا، "أنا في حاجة إلى العمل لكسب المال من أجل عائلتي، علي أن انسى موضوع المدرسة حاليا”. ويردف "علي" قائلاً: " العمل في جمع وتقطيع الحطب شاق ومتعب جداً لكننا مضطرون للعمل ونستمتع به عندما نرى الفرحة مرسومة على وجه آبائنا وإخوتنا عندما نعطيهم بعض النقود ونعود للمنزل بقليل من الأرز والدقيق والخضروات". الحرب والفقر وظروف المخيمات الصعبة أجبرت هؤلاء الأطفال الأبرياء على نسيان الطفولة ودفن معالمها وحملتهم ظروفهم على الشقاء لتوفير ولو حتى الجزء اليسير من إحتياجات أسرهم الضرورية من الطعام والشراب. يتحدث "علي" والبراءة مرتسمة على ملامحه "لمراسل المشهد اليمني" عن أمنيته بتوقف الحرب في اليمن والعودة للدراسة حيث إستطاع في مخيم المزرق بحرض أن يدرس ويلعب مع أقرانه حيث كانت المنظمات توفر لهم الطعام والشراب والمسكن المناسب. ويضيف "علي" أنه يحلم بالأمان المفقود والعودة لمسقط رأسه بمديرية شدا، بمحافظة صعدة والتي نزح منها مع أسرته واستقروا في مخيم المزرق بمديرية حرض قبل عدة سنوات بسبب الحروب السابقة بمحافظة صعدة. ما أقسى الحياة عندما نرى أطفالاً صغاراً قد أجبرتهم ظروف الحرب والفقر على التوقف عن الدراسة واللعب متخلين عن طفولتهم ساعين وراء لقمة العيش ولتوفير الجزء اليسير من الطعام والشراب الذي يبقيهم على قيد الحياة. يمضي هؤلاء الأطفال يومهم وهم يحلمون بغدٍ قريب يرتاحون فيه من الهموم والمعاناة التي ركبتهم باكراً وإستعادة طفولتهم المفقودة التي سلبتها الحرب، يحدوهم الأمل بغدٍ أفضل ومستقبل مشرق، ويمن آمن مستقر خالٍ من النزاعات والحروب.