لعلها أيام التي تفصل بين يمن اليوم ويمنات الغد!! يمن اليوم، بكل ما نعيبه فيه، وما لم نستطع تقبله أو حتى تغييره، تشظيه، غرور طوائفه، جنون حكومته، انهيار دولته، انقساماته القبلية وجيشه المهيكل حتى العظم، والأعظم طيش رئيسه، الذي عمد، بشكل جريء، على تقسيم اليمن إلى أقاليم، عبر مؤتمر حوار كان أسوأ خطوة في تاريخ الاستغباء السياسي، وقد أخذ كثيراً من وقت الناس، واستنزف ثروة كنا أحوج بها ممن تمترسوا في مؤتمر الحوار ذاك، حتى أنني والله أستكثر وأستنكر حجم الأهمية الكبيرة التي أوليت له من قِبل الإعلام، بكل أنواعه، لكني أتراجع عن هذا الاستغراب، عندما أحلل كل ما نتج عن مؤتمر الحوار، وأكاد أجزم أنه ما كان إلا أداةً لتنفيذ ما استُعصي على رئيس الدولة وشركائه تنفيذه، وبطريقة ذكية تجعله بعيداً بشكل ما عن تحمل مسؤوليته التاريخية في تقسيم المُقسم!!! وخطوات أخرى أحسب أنها كلها تمت باستراتيجية مُجيرة!! الهيكلة للجيش، مثلاً، كانت خطوة أخرى للنيل من الجيش، حتى وإن كان إجماع الدول العشر ومجلس الأمن يبارك هذه الخطوات للرئيس هادي، فأنا لم أفهم من هذه المباركة إلا أنهم جميعاً في خط واحد، ويعملون على تنفيذ بنود استراتيجية مكشوفة للقضاء على اليمن وبسكين احتددناها بأنفسنا!! لنتتبع سلسلة ما يحدث لتمييع الإنسانية فينا: ضباط وجنود، يُقتلون كل يوم، بدون أدنى اهتمام من الحكومة وعلى رأسها رئيس الدولة، فقط يقوم الشريط الإخباري على قناة التلفزيون الرسمي بتمرير الخبر كتقرير عن الأحداث اليومية الطبيعية لليمن، ولكأنه سياق عادي لا يسترعي توقفهم عنده. انفلات أمني غير مسبوق، قتل، اختطاف، ترهيب، اغتصاب، ترويع، اغتيالات جماعية، قضايا فساد بالجملة.. بالطبع هذه الإشكاليات لاتجد من يحرك ساكناً لها حتى توغلت واستفحلت في نقاشاتنا لتأخذ مكانها في عاداتنا اليومية، لمَ لا ؟ فنحن لا نجد من يفسر أو يوضح، أو يفصل فيها، لا الأجهزة الأمنية المعنية ولا مسؤولي حكومتنا !! ماذا عن المذابح الجماعية والمتكررة؟ ألا ترون أنها وصمتنا بحالة من التبلد الحسي، ونزعت ثقتنا بوجود ولي أمر يحمينا، وبدولة معنية بتحمل مسؤوليتها، لمنع حدوث هكذا حوادث تزلزل كياننا وسلمنا وأمننا، ماذا يعني أن نفقد وطناً نستظل به، ولم يعُد يقدم لنا إلا الوجع والمآسي، التي قسراً تُطوع الخوف فينا لتتميع وتذوي أي مطالب أو طموحات لنا! نستسلم لنقول يكفي أننا أحياء!! ولاءات متعددة الأنماط، تتنامى بشكل مفرط، إما لهذا الفصيل أو لذاك، وما يدفعها للتمترس بقوة، هو ضعف الدولة المهترئة، التي تخلت، طوعاً، عن كل أدوارها. جيش بهذا الحجم، والتجنيد المستمر وميزانيته التي كسرت ظهورنا، لا يقوى على حماية نفسه، بل ويستعين باللجان الشعبية، وأخيراً الإعلان عن جيش سبأ لإقليم آزال، ألا يعني هذا مزيداً من الانقسامات ومزيداً التكتلات المسلحة، بجانب الجماعات المسلحة الموجودة أصلاً !! أخيراً، الجرعة التي ستنتج عنها إشكاليات مرعبة للمواطن، مزيداً من الجوع والفقر، والبطالة وتفشي الجرائم والمشكلات الاجتماعية المصاحبة لبيئة كهذه، في الوقت الذي نتساءل فيه لمَ يتحمل المواطن تبعات مشكلة الدولة الأساسية التي انحازت للميزانية الجائرة واستمرأت، بوقاحة، أن تحيا ووزراؤها برفاهية وبذخ مصروفاتها ومصفحاتها وسفرياتها، ولم تتخذ أدنى درجات الحرص كما تفعل بقية الدول في وضع كوضعنا. أذكر أن الحكومة الإسرائيلية اعتذرت عن حضور فعالية تأبين نيلسون مانديلا، حرصاً على تخفيض ميزانية مصروفاتها!! ثم، إن سيادة الرئيس بأسلوبه هذا، الذي يميل الى الخُطب والشعارات وتحميل غيره مسؤولياته كطرف حاكم، أثار الكثير من اللغط حول توجهاته غير المفهومة، كيف يتحدث مثلاً عن تحيزه للوطن والمواطن واجتثاث الفساد، وهو لا يتحرك ولو قليلاً نحو إصلاح مشكلة الكهرباء وتهريب المشتقات النفطية وبين يديه بلاغات ووثائق رسمية تدين كبار المهربين وغيره وغيره من ملفات الفساد!! ناهيك عن تكشف عورة النظام إزاء ما حدث في عمران والجوف والضالع وحضرموت، ألا يؤكد هذا أننا صائرون إلى يمنات أكثر تشظياً وهي تحمل بؤر صراع ورثتها عن اليمن الأم!! حسناً، لنقل أنني متجنية على الرئيس وحكومته، برأيكم من يتحمل مسؤولية عبثية قرارات السلطة التي بين يديه؟؟ بالمناسبة ما هي أخبار الفصل السابع!!