أكاديمي مصري- أستاذ العلوم السياسية بجامعة اسيوط كانت هناك رسائل مهمة ذات مغزى كبير أرادت الصين توصيلها إلى الرئيس الأمريكي وكبار مرافقيه، بل والى العالم كله من ورائهم.
عرفت الصين خلال استقبالها للرئيس الأمريكي باراك أوباما في قمة العشرين التي انعقدت في هانجتشو، كيف تهينه وتضعه في حجم أقل من الحجم الذي يليق به كرئيس للولايات المتحدةالأمريكية دون أن تترك له فرصة للاحتجاج الرسمي على الطريقة التي قوبل وعومل بها هناك.
إقرأ أيضاً: الاستخبارات الاميركية تعتذر اثر تغريدة تسخر من الصين بسبب حادثة المطار
الصينيون، لمن لا يعلم، يجمعون ببراعة شديدة بين الحزم الشديد والأدب الآسر، وهذه واحدة من أبرز سماتهم كشعب، يتعاملون بها في الدبلوماسية كما يتعاملون بها في غيرها من مجالات الحياة.
بدا أوباما، وربما أكثر من أي وقت، تائهاً وباهتاً زائغ البصر كمن يبحث لنفسه عن دور وسط كل هؤلاء الزعماء، لكنه لم يجد منهم من يعيره اهتماماً أو يرضي كبرياءه وغروره الذي اعتاد أن يتعامل به معهم. ومن ثم فشلت لعبته التي اعتاد في السابق أن يلعبها عليهم لايهامهم بأنه الأستاذ الذي يحاضرهم ويسمعهم ما يريد أن يسمعه لهم وأنهم التلاميذ الذين عليهم أن يستمعوا له ولا يناقشوه في ما يقول.
في هذه القمة التاريخية بدا واضحاً أن هذا الزمن قد ولي، وان الحقبة الأمريكية تقترب من نهايتها. وها هي المؤشرات تنطق بما نحن ذاهبون اليه في المستقبل القريب. * أوباما يقلل من أهمية التوتر الذي وقع لدى وصوله إلى الصي
كان ملفتاً، أيضاً، في هذه القمة المعاملة المهينة التي لقيتها مستشارة أوباما للأمن القومي سوزان رايس، وهي المعاملة التي تجاوزت الأعراف الدبلوماسية المعهودة بين الدول في التعامل مع هذا المستوى الرفيع من المسئولين. كانت تصرخ وتحتج، وهي المغرورة والمتبجحة والتي لا تعرف كيف تحفظ لسانها، لكن أحداً لم يلتفت إليها ولقنوها درساً كان عليها أن تتعلمه منهم عندما أفهموها أن هذا هو وضعها الذي تستحقه عندهم، وأنها يجب ألا تنسى أنها في الصين وليست في بلدها، وأنه ليس من حقها أن تحدد لمضيفيها كيف يتعاملون معها، وأن هذا حق لهم وحدهم.
كانت هناك رسائل مهمة ذات مغزى كبير أرادت الصين توصيلها إلى الرئيس الأمريكي وكبار مرافقيه، بل والى العالم كله من ورائهم، وهي أن الصين الآن أخذت وضعها كقوة شامخة عملاقة جبارة تشق طريقها بثبات وثقة واعتداد هائل بالنفس إلى زعامة النظام الاقتصادي العالمي بإنجازاتها التكنولوجية المبهرة، وبقوتها الاقتصادية المتعاظمة، وامتلاكها لأضخم احتياطي من العملات الصعبة في العالم، وبأنها الدائنة الأولي للولايات المتحدةالأمريكية، وبأنها سيدة الأسواق الدولية التي لا ينافسها فيها أحد، وبأنها هي التي جعلت العالم ينسي المعجزة الاقتصادية اليابانية ليضع المعجزة الصينية قبلها. وقد عبرت عن ذلك كله وعكسته بوضوح وقفة الرئيس الصيني وهو يستقبل زعماء العالم فقد كان هو الرئيس العملاق من بين كل هؤلاء الزعماء. كان اعتداده بنفسه وبدولته باعثاً لدى كل من تابع وشاهد ما يجري هناك على الاحترام العميق له كرئيس مهيب ولها كدولة عظمي.
قدمت الصين للعالم ولا تزال درساً مهماً حول دور العمل المنتج في بناء الأمم وأنه الطريق نحو تعزيز مكانتها وقدرها وفرض احترامها علي الجميع، وأنه بغير هذا الطريق فلا مكانة ولا مستقبل ولا أمل. أما نحن هنا، فما نزال نشغل أنفسنا بفتاوى السلفيين المتخلفة حول قضايا تافهة تثير القرف والاشمئزاز كقضية ختان الاناث وغيرها من القضايا التي تلهي المجتمع وتهدر طاقاته وتصرف اهتمامه عن ما هو أهم في حياته من هذا الهراء الذي يتشدقون به ولا يعرفون غيره يتكلمون فيه، فهذا هو عالمهم الذي غرقوا فيه ويريدون أن يغرقونا معهم فيه.
وأقول أن العقول النيرة، والأفكار الخلاقة المبدعة، والعمل الشاق المثمر، والطموحات الوطنية المشروعة، والثورة على التخلف والجمود والتحجر والانغلاق، هي ما يتقدم بالأمم ويبنيها ويضعها علي خريطة العالم المتقدم، وأما الأفكار العفنة، والعقول المنغلقة، والاهتمامات التافهة، فهي التي تأخذ الأمم خارج الحضارة والتاريخ. واذا كان هناك من يرى غير ذلك، فهذه مشكلته مع نفسه. * اقرأ أيضا للكاتب: د.اسماعيل مقلد: تساؤلات حول، حقيقة وحرب، التحالف العربي في اليمن؟