أكد أن العالم الجديد يتحسس طريقه إلى شكل قيادته القاهرة وصف الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل العام 2014 المقبل بأنه ربما يكون هو عام المصير بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وفي القلب منها العالم العربي، مشيراً إلى أننا سوف نكون خلال العام المقبل أمام "عالم يوشك أن ينتهي، وعالم آخر يوشك أن يبدأ"، واصفاً ما يمر به العالم اليوم من أحداث بأنها انعكاس لمرحلة عائمة، تعكس ملامح الفترة التي يتشكل فيها العالم الجديد، الذي لا يزال يتحسس طريقه إلى شكل قيادته . وقال هيكل: إن العالم العربي سوف يواجه خلال تلك الفترة، وضعاً لم يسبق له أن واجهه في العصر الحديث، مشيراً إلى أن مشكلة الشرق الأوسط سوف تزداد تعقيداً، ودلل على ذلك بما يجري في سيناء . قال هيكل: إن العالم الجديد سوف يشهد قوى جاهزة، وأخرى في طريقها للجاهزية، مشيراً إلى أن روسيا الآن باتت جاهزة للعب دور، في ظل اهتمامها بالشرق الأوسط، الذي تشعر بأنه منطقة عمقها، لكن روسيا سوف تأتي وهي على حذر، بعدما لدغت من الجحر مرتين، بل وأسيء إليها وطوردت في إفريقيا، تحت لافتة مكافحة الشيوعية . وقال هيكل: إن الصين سوف تكون من القوى الصاعدة، التي سوف تظهر بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة، ومن بعدها اليابان التي يتساءل المرء كثيراً، متى يمكن أن تقوم بدور حقيقي، فهي عملاق اقتصادي لكن قدميه من الفخار، وأضاف هيكل: سوف تكون قوة الصين ظاهرة، وأنها مرحب بها جداً، ومن الممكن أن تحدث تأثيراً من نوع جديد في التوازن العالمي . وقال هيكل إن أحد أهم تحديات السياسة الخارجية المصرية خلال الفترة المقبلة هي كيف يمكن استعادة الصين والهند، بعدما كانت مصر والهند والصين في يوم من الأيام "ثلاثياً" موجوداً وبقوة في المعادلة الدولية . وأعلن هيكل تعاطفه مع الرئيس المصري القادم، مشيراً إلى أنه سوف يجد نفسه في مواجهة ما وصفه ب"بلاوي متراكمة"، سوف ينوء بها كاهله . الجماعات الإرهابية صناعة خارجية وكان هيكل يتحدث ليلة أمس إلى فضائية "سي بي سي" المصرية في الجزء الثاني من حوارها معه، عندما حذر من استمرار موجة العنف التي تتبناها الجماعات الإرهابية التكفيرية في مصر، وعدد من البلدان العربية . وأشار إلى أن هذه الجماعات "سوف تبقى موجودة لفترة"، في ظل ما تلقاه من دعم دولي مالي ومخابراتي . وقال هيكل: إن هذا الدعم سوف يستمر نتيجة لما وصفه ب"الاختلال الكبير" في أحوال العالم العربي، الذي شهد على مدار العامين الماضيين حالة من الفوضى "ودخل إلى ما يشبه الحرب الأهلية تقريباً" . وأرجع ما حدث إلى أطراف خارجية "لا تريد لهذه المنطقة أن تقف على قدميها" . الجامعة العربية مشروع أمل ووصف هيكل الجامعة العربية بأنها لا تزال تمثل "مشروعاً لم ينفذ لنظام عربي"، ودعا جميع الدول العربية إلى الحفاظ على الجامعة، "لأنها إذا سقطت فلن نستطيع أن ننشئ كياناً بديلاً آخر" . وأضاف هيكل: "لندع الجامعة لتكون مشروع أمل، حتى لو لم تعد هي الإطار الذي يمكن من خلاله عمل شيء" . لكن الكاتب الكبير أعرب عن أمله في الوقت نفسه في أن تلعب مصر مع بعض الدول التي لا تزال لديها القدرة، دوراً في صناعة شيء وسط المعادلة الجديدة التي سوف يشهدها الشرق الأوسط خلال السنوات المقبلة . وأضاف: "مصر قادرة ومعها السعودية والجزائر وبعض دول الخليج المملوءة بالشباب، ومصر هنا ليست مطالبة بتأسيس حلف جديد أو جبهة، لكن على الأقل أن تجري مشاورات بين القادرين والراغبين والمستعدين للبحث في إمكانية إنقاذ شيء من العالم العربي، قبل أن يغرق كله، واستعادة بعض إرادة الفعل الموحد في مواجهة الاختراقات الموجودة، ومن قبل ذلك مواجهة العالم بصوت عربي عاقل" . أمريكا تعيد تقييم دورها وعرج الكاتب الكبير خلال حلقة الأمس على الإدارات الأمريكية المتعاقبة، بدءاً من إدارة الرئيس أيزنهاور حتى إدارة أوباما، وكيف انتهت القوة الأمريكية التي كانت متصدية لقيادة العالم على مدار عقود من الزمان، إلى قرار استراتيجي بإعادة تقييم دورها في منطقة الشرق الأوسط، وبأنها لم تعد قادرة على الاستمرار في لعب الدور الرئيسي فيه، ما جعل العالم يبدو لأول مرة وكأنه من دون قيادة أو مايسترو . وقال هيكل: إن الأمريكان أحسوا مؤخراً سواء تناقصت قوتهم في بعض البلدان أو تزايدت في البعض الآخر، أنهم باتوا في حاجة إلى إعادة تقييم، في ظل التكاليف التي كانت مرتفعة جراء هذا التدخل . وأضاف: لقد دخلت أمريكا مغامرة العراق، وهي تتصور أن موارد العراق قد تكفي لتغطية تكاليف الحملة، قبل أن تكتشف أن التكاليف تخطت التريليون دولار، وهو ما كشف أن أمريكا قد استنزفت في حروب لا معنى لها، وبشكل أرهقها في وقت شهد ظهور ونمو قوى أخرى كبيرة وضخمة مثل الصين والهند، فضلاً عن قوة أوروبا وتحديداً ألمانيا . ولفت هيكل إلى ما شهده العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط خلال مرحلة ما يسمي ب"الربيع العربي"، مشيراً إلى أن ما حدث كان يعكس على نحو مباشر، وجود خطتين متوازيتين، إحداهما تقوم بها تركيا، والثانية تضطلع بها أوروبا في منطقة شمال إفريقيا، وهو ما كان يعني بوضوح أن "القوة الأمريكية كانت تهندس لغيرها أن يعوض غيابها" . النظام الدولي بحاجة إلى قوى تديره وأوضح هيكل أن النظام الدولي كان باستمرار يعمل وفق قوى تتولى مسؤولية تنظيمه، وقال الكاتب الكبير: لو قلنا إن العصر الحديث بدأ في القرن ال ،15 فإنه بظهور أمريكا واكتشافها تضاعف مرتين، حتى أصبح هناك عالم واحد سياسي، شاطئه المحيط الأطلسي، ورغم أن النظام الدولي لم يكن دولياً بمعناه الحقيقي، إلا أنه كان هناك نوع من النظام، فقد كانت هناك الإمبراطورية البريطانية التي تنظم الأمور، وقد قامت بتلك المهمة لمدة قرنين من الزمان، بالشراكة مع فرنسا، قبل أن ندخل إلى العصر الذي انضمت فيه أمريكا التي أحدث دخولها تغييراً كبيراً على الساحة الدولية، ثم جاءت الحرب العالمية الثانية، ليظهر نظام مختلف وهو نظام الأممالمتحدة . وقد تخيلنا أن تعطينا هذه التجربة من العقل ما يسمح بقيادة جماعية للعالم لكن ذلك لم يحدث . ورغم أننا خرجنا من الحرب بخمس دول دائمة العضوية، لكن في الواقع كانت هناك قوتان فقط هما الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، قبل أن ندخل إلى مرحلة سقوط الشيوعية وخروج الاتحاد السوفييتي من معادلة القوة ولو مؤقتاً، لتبدأ مرحلة السيادة الأمريكية . وقال هيكل: إن الأمريكان وجدوا بعقلية عملية جداً، أن تكاليف الدور القيادي في العالم لا يمكن أن تحمله، مشيراً إلى أنهم بما يتمتعون به من "حذر المغامر" أدركوا عند لحظة معينة، أنهم لا يستطيعون أن يكملوا هذا الدور، لكنهم في الوقت ذاته يريدون أن يبقوا وأن ينظر إليهم العالم كدولة كبرى . الشرق الأوسط ساحة مفتوحة للحروب ولفت هيكل إلى منطقة الشرق الأوسط وكيف أنها كانت منذ الحرب العالمية الثانية هي موضع الصراع، ومن قبلها، حتى إننا نستطيع أن نقول: إنها المنطقة الوحيدة التي لم تمتلئ بقواها الذاتية . وقال هيكل: لقد ظهرت في الشرق الأقصى الصين والهند، وقد استطاعا أن يملآ هذه الفراغات، كذلك نجحت دول أمريكا اللاتينية في أن تعدل أمورها، بعدما كانت إلى وقت قريب مثلنا تماماً، وقد مهد ذلك لظهور قوى جديدة، تقوم بتعبئة هذا الفراغ مثل البرازيل والأرجنتين . لكن مع الأسف الشديد فإن منطقة الشرق الأوسط، ظلت هي المنطقة الوحيدة المفتوحة، وكل الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة بغض النظر عن كوريا أو فيتنام، كانت في الشرق الأوسط، بدءاً من أفغانستان وباكستان ثم العراق وسوريا، وبالتالي فقد كان الشرق الأوسط هو موقع "موقعة القرن"، حسب وصف رئيس المخابرات الأمريكية الأسبق آلين دالاس . واعتبر هيكل فكرة إعادة التقييم التي طرحتها سوزان رايس مستشارة الأمن القومي للرئيس الأمريكي، كانت أحد الأسباب التي جعلت أوباما يتراجع عن ضرب سوريا . وقال هيكل: إن فكرة سوزان رايس تقوم على أن "الشرق الأوسط مهم بالفعل بالنسبة للولايات المتحدة، لكنه ليس المنطقة الأهم في العالم، لذا فإنه لم يعد يستحق أن تجعل منه الإدارة الأمريكية جل اهتمامها به، فهناك أماكن وأجزاء كثيرة من العالم، ينبغي أن تلتفت إليها واشنطن، مع اهتمامها بالشرق الأوسط . تصريحات مرسي كارثية وعرج الكاتب الكبير على الخطاب الذي ألقاه الرئيس المعزول محمد مرسي قبل شهور، الذي وقف فيه ليعلن قطع العلاقات مع سوريا، ومن بعده اليوم الذي وقف فيه ليتحدث في مؤتمر مفتوح على الهواء مباشرة، عن إمكانية ضرب سد النهضة الإثيوبي بالطائرات، وقال هيكل: إنني أرى ما فعله الرئيس السابق مرسي، يفوق في جلله، ما حدث في فضيحة "ووترجيت"، التي كذب فيها نيكسون على الكونغرس، وأضاف هيكل: رغم أن كل الساسة يكذبون، لكن أن يكذب السياسي ويضبط متلبساً بكذبه، فهنا تكون الكارثة" . كارتر ضغط على السادات كثيراً ولفت الكاتب الكبير خلال لقائه مع "سي بيسي" إلى اتفاقية "كامب ديفيد"، مشيراً إلى أن الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر "أضر بها الرئيس الأسبق أنور السادات كثيراً" . وقال هيكل: "ما زلت أعتقد أن هذه الاتفاقية لم تكن إنجازاً مطلقاً، وقد اعتقد السادات وقتها أن كارتر سوف يجري انتخابه لفترة ولاية أخرى، وأنه سوف يعوضه عما وقع عليه من تنازلات، لكن ذلك لم يحدث، لذا فإنني أعتقد أن جزءاً من دم السادات يقع على كاهل كارتر نفسه، لأنه ضغط عليه أكثر من اللازم، وأخرجه من عباءة مستشاريه الذين كانوا جميعهم ضده، لكن الرجل قامر وجازف على أساس ثقته في كارتر، بينما كان الأخير رجلاً غير قادر على أن يحقق الوعود التي قطعها على نفسه للسادات . أوباما نموذج لتزييف الحلم ووصف الكاتب الكبير تجربة وصول الرئيس باراك أوباما للحكم في الولايات المتحدة بأنها تمثل تجربة بحث أمريكا عن شيء جديد يبدو أمام العالم بداية طازجة، تعطي أملاً في أن يستعيد المجتمع الأمريكي روحه في المساواة بين الناس وإقامة العدل، وقال هيكل: إن اختيار أوباما رئيساً، لم يكن فحسب من خارج السياق، وإنما لم يكن أيضاً تجسيداً لأحلام المساواة وإقامة العدل، وأضاف: "هناك فارق كبير بين الحلم وتزييف الحلم، ومع أوباما فقد كنا أمام نموذج لتزييف الحلم، فالكل يعرف أن أوباما قادم من أقلية سوداء لا تمثل أمريكا، فحتى نتحدث عن رئيس أمريكي، لا بد وأن نتحدث عن شخص يمثل الواقع، وأن يستجمع كافة عناصر القوى الأمريكية، الحقيقة المؤكدة أن التمييز العنصري في الولايات المتحدةالأمريكية، لا يسمح بأن يكون هناك رئيس أسود يقود، من الممكن أن يدير، لكن كلمة يقود كبيرة جداً عليه . "إسرائيل" آمنة بتفكك العرب واعتبر هيكل أن دولة الكيان الصهيوني "لم تكن مؤمنة على امتداد تاريخ وجودها، كما هي مؤمنة الآن"، ليس فحسب بسبب ظهور الطاقة لديها، وإنما أيضاً بسبب انفكاك العالم العربي من حولها، وقال هيكل: حتى موارد البترول لم يعد لها الأهمية الاحتكارية الكبرى التي كانت موجودة في السابق، وأمريكا على أي حال سوف تستغني عن الطاقة الشرق أوسطية مع بدايات العام 2014 . ولفت هيكل إلى ما وصفه ب"أكثر وصف آلمني لما جرى في الشرق الأوسط"، وهو ما ذكره لي قائد كبير عندما قال: "لم يبق في الشرق الأوسط شيء، لأن آخر جزء من الليمونة تم عصره" . مصر مطالبة باسترداد الدور وعرج هيكل على بواعث القلق الأمريكي من دخول روسيا مجدداً إلى المنطقة، وتنامي الإحساس السائد في أوروبا، بأننا "أشخاص لا يمكن الوثوق بهم"، وقال هيكل: هذا الإحساس لا ينصرف على الروس فقط، وإنما على أوروبا أيضاً، فقد أهملناها وتعاملنا معها باعتبارها محطة للوصول إلى الولايات المتحدة . وأضاف هيكل: أعتقد أن مصر مطالبة الآن بأن تتجه صوب الشرق، وأن ترفض أية عزلة يمكن أن تفرض عليها في أي وقت، فهي بحقائق الجغرافيا وحقائق التاريخ وحقائق المستقبل، لا يمكن لها أن تعيش في عزلة عن عالمها العربي مثلاً، ويكفي أن مصر التي تواجه أزمة اليوم، لا يساندها سوى العالم العربي فقط . الإخوان أدوات استحواذ ووصف الكاتب الكبير جماعة الإخوان بأنهم كانوا ولا يزالون ضمن ما يصفه ب"أدوات الاستحواذ"، التي وظفتها القوى الخارجية للسيطرة على الأمور في منطقة الشرق الأوسط، وقال هيكل: إن الأمريكان عندما اكتشفوا أخطاء الاعتماد على الإخوان بعد فوات الأوان، راحوا يسعون للتبرير، وقد تحدث كيري كثيراً عن هذا الأمر، سواء في أوروبا أو غيرها، وقال في غير مناسبة إن ما حدث في يناير/ كانون الثاني في مصر، فاجأنا وفاجأ كل الناس، مشيراً إلى أن الأمريكان كان لديهم خطة بالفعل للتوريث لكنها كانت لعمر سليمان وليست للإخوان، وقال هيكل: هذا الكلام يبدو صحيحاً، فقد اصطحب المرحوم أسامة الباز في العام ،2005 جمال مبارك في زيارة إلى الولايات المتحدةالأمريكية، حتى يعرفه بكوندليزا رايس، وقد أبدت الأخيرة إعجاباً بعض الشيء به، لكنهم في النهاية فوجئوا ب 25 يناير، وأن هناك ثورة بلا قيادة أو فكرة، وقد كانت تلك بالنسبة لهم مشكلة كبرى، لكنهم تصرفوا ووجدوا ضمن تصرفات المجلس العسكري السابق، ما أوحى لهم بأن القوة الوحيدة التي تبدو منظمة ومتماسكة في المنطقة، هي جماعة الإخوان، رغم أن هناك أشخاصاً مثل المشير طنطاوي مثلاً، لم تكن قادرة حتى على مجرد تصور أنهم سوف يسلمون البلد للإخوان . وقال هيكل: ثم ساقتنا الأحداث سريعاً إلى تعديلات دستورية، تحولت في أتون الأحداث المشتعلة إلى استفتاء بين المتدينين وغير المتدينين، لذلك فالأمريكان يقولون دائماً نحن لم نختر أحداً، لكننا وجدنا الأمور في مصر تسير نحو هذا الاتجاه فسرنا معها . تجسس أمريكي كثيف على مصر وعرج الكاتب الكبير على قضية تنصت الولايات المتحدة على عدد من زعماء العالم، مشيراً إلى أن مصر رصدت وحدها في عام ما يقرب من 120 مليار محاولة تجسس على وسائل اتصال، وهو ما يعني أن الأمريكان تجسسوا على كل شيء حتى محال البقالة في البلاد . الحرب بالمرتزقة أخطر اختراع أمريكي ولفت هيكل إلى ما وصفه ب"الحرب بالمرتزقة"، وهو أحد أخطر الاختراعات الأمريكية الجديدة، وأضاف: هل يمكن أن يتصور أحد أن شركة "هاري برتون" التي كان ديك تشيني يترأسها، أسست بدورها شركة تابعة لها مكلفة بما يسمى ب"الخدمات الأمنية" مثل بلاك ووتر، فتأتي بالجنود وتقوم على تدريبهم، وتدفعهم إلى ميادين الحرب والقتال، بل وتدفع التعويضات للمصابين منهم، لقد كان ذلك أحد الحلول السحرية بالنسبة للإدارة الأمريكية، في ظل وجود كونغرس يمنع التدخل في شؤون الدول، وقد اقتصر دور الإدارة الأمريكية هنا على توقيع الشيكات لشركات توظيف السلاح والتدريب والقتال، وقد استخدمت هذه الشركات في سوريا، وأضاف هيكل: أمامي تقرير عن شركة "بيرتون" للخدمات الأمنية، يقول: إنها استطاعت خلال ثلاث سنوات، توقيع عقود بما قيمته 380 مليار دولار، وقد أصبح لدى هذه الشركة ما يقرب من 250 ألف مقاتل تحت الطلب، وهذا ليس رقماً كبيراً، فهناك عاطلون ويائسون كثر مستعدون للمغامرة . وأضاف هيكل: إن سوريا تضم اليوم ثلاثة أنواع من الناس، فهناك القادمون من أفغانستان الذين من الممكن أن يطلقوا على أنفسهم لقب مجاهدين، وهناك الجيش الحر وبرفقته بعض المتطوعين من العالم العربي، فيما يمكننا أن نتحدث عن جنسيات مختلفة أخرى، فهناك 296 شخصاً من بلجيكا و84 شخصاً من الدنمارك و20 من فنلندا و412 من فرنسا و26 من إيرلندا و50 من إيطاليا ومن لكسمبورغ وغيرهم، وعندما أقول إن شركة مثل هاري بارتون لديها 250 ألف مقاتل تحت الطلب، فنحن هنا نتحدث عن جيوش، ووزير الدفاع الأمريكي اليوم لم يعد ضمن دوره أن يوقع قرارات بعمليات عسكرية، بل يوقع شيكات لشركات من هذا القبيل . التباس حدود المعلومات ولفت هيكل إلى قيام شركة "أمازون"، وهي من أهم شركات التكنولوجيا في الاتصال الحديث، بشراء صحيفة "واشنطن بوست"، وكيف قامت في الوقت ذاته بشراء شركة مملوكة للمخابرات الأمريكية مختصة بمهام التجسس، وتساءل هيكل: في ظل هذه التطورات اللافتة، كيف ستكون الحدود الفاصلة في العام المقبل، بين ما هو معلومات صرف، وبين ما هو موجه؟، بين ما هو حقيقي، وبين ما هو مدسوس علينا؟، وأضاف: لقد أصبح لزاماً علينا أن نستعيد التنبه، وأن نتصور خرائط العالم القادم أمامنا، ليس فقط الخرائط الجغرافية، لكن الخرائط الإنسانية التاريخية والثقافية والفكرية، أنا أعتقد أن العالم تغير وأن هذه التغيرات سوف تصل إلى مداها وسوف تتجلى أمامنا أكثر عام 2014 . وأضاف هيكل: من الممكن أن يكون لدول عربية من الغنى ما يسمح لها بأن تقوم بشراء جنود من المرتزقة، وأخشى أن تكون أجهزة المخابرات في دول كبرى في المنطقة مثل مصر وسوريا، المسؤولة عن العمل في الخارج، قد انخرطت في العمل في الداخل في وقع تطور الأحداث مؤخراً، وهذا أمر مقلق للغاية، فالمسألة في النهاية مسألة معلومات بالدرجة الأولى، وأعتقد أن العام 2014 لا بد وأن يشهد عودة لدور المخابرات التي تمثل قرون الاستشعار للدولة خارج حدودها، وأظنها ستكون جاهزة لأداء واجبها، بعدما أصبح العالم العربي ساحة مستباحة، في ظل حالة الاستقطاب الحاد التي نعيشها اجتماعياً وسياسياً .