وصف الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل مصر في زمن الإخوان بأنها صارت أشبه بمن "يصطدم بالحائط"، مشيراً إلى ما تواجهه البلاد خلال الفترة الأخيرة من أزمات، تتعلق بالحرية والاقتصاد، واعتبر الكاتب الكبير أن الإخوان "لم يكونوا مهيئين للمسؤولية"، مشيراً إلى أن مشكلتهم الرئيسية تتمثل في أنهم "يواجهون سلطة لم يكونوا يتصورنها، ومناخاً عاماً لا يعرفون عنه شيئاً" . وقال هيكل: إن المشكلة تتمثل في قصة الإمامة أو منصب القيادة في الإسلام، مشيرا إلى أن أحدا من الجماعة لم يعد يتصور أن يوجه نقداً إلى الرئيس، وهو ما يخلع عليه نوعاً من العصمة ليست موجودة في حقيقة الأمر . وأضاف: إن مقعد الرئاسة بلا شك له مقام كبير، لكن يجب أن يعرف الجميع أن الرجل الموجود في سدة الحكم بشر في النهاية . وعرج الكاتب الكبير في الحلقة الرابعة من حواره الممتد مع فضائية "سي بي سي"، تحت عنوان "مصر أين؟ وإلى أين؟" إلى العديد من الملفات والقضايا الساخنة على الساحة المحلية وفي مقدمتها الهجوم الكبير على مؤسسة الأزهر الشريف، وتجدد قضية النائب العام، وقانون الانتخابات الجديد، وما تضمنه من نص يرفع الحظر عن استخدام الشعارات الدينية في الدعاية الانتخابية، واعتبر أن مثل هذا الأمر سوف يكون من أكبر الأخطاء التي من الممكن أن ترتكب، "لأنه يعلن للعالم ببساطة أننا قد تحولنا إلى دولة دينية" . وخاطب قوى الإسلام السياسي في مصر: "أرجوكم نزهوا الدين من التعرض لما لم يخلق من أجله، حرام أن نلقي خطايا السياسة على أمر مقدس، فضلاً عما قد يتسبب فيه ذلك من فتح للباب على مصراعيه لقسمة لا يمكن قبولها" . ولفت هيكل إلى مصر باعتبارها مجتمعاً متعدد الأديان، "على الأقل هناك دينيون، وهناك طرف يقول: إن الإسلام هو الحل، وهو ما قد يجعل آخرين يقولون ديننا هو الحل أيضاً، وأنا أتساءل إلى أين سوف يأخذنا هذا؟ . وأعرب عن أمله في أن يأخذ التيار الإسلامي تجربته وأن يتعلم، لكنه اشترط لذلك ضرورة أن يفهم وأن يستمع لصوت العصر، وأن يرى مهامه ومسؤولياته الجسام، مشيراً إلى أن رهان هذه القوى على صناديق الانتخابات لن يكفي، لأن الصندوق ربما يتحول إلى أحد أكبر أوهام الحياة السياسية، وقال هيكل: كل ما روج عن الصناديق باعتبارها الديمقراطية مجرد كلام خرافي، لأن الصندوق في النهاية خشب حتى لو كان مصنوعاً من البلاستيك" . ووصف الكاتب الكبير أزمة النائب العام الأخيرة بأنها "معركة غير حقيقية، لأنها بلا بطل أو شهيد"، مشدّداً على ضرورة تنحية النيابة العامة عن هذا الصراع، احتراماً لتاريخها، مشيراً إلى أن حل هذه الأزمة يبدأ من أن يأتي نائب عام جديد، تنطبق عليه الشروط . وقال هيكل: إن الأزمات الأخيرة "أثبتت أننا أسأنا كثيرا استخدام القضاء"، وأضاف: "لا توجد دولة في العالم لديها هذا الكم من القضايا والشكاوى" . وعرج الكاتب الكبير على الأزمة الأخيرة في العلاقة بين الأزهر وجماعة الإخوان، وهو ما تجسد في حملة الهجوم المتواصلة من قيادات في الجماعة على شيخ الأزهر، واعتبر أن هذه الأزمة تعكس صراعاً واضحاً على الإسلام بين مؤسستين إحداهما رسمية ممثلة في الأزهر الشريف، والأخرى غير رسمية وهي الجماعة . ولفت هيكل إلى الدور البارز الذي لعبته مؤسسة الأزهر في مصر على امتداد تاريخها الحديث، مشيراً إلى أن الأزهر والجيش كانا المؤسستين الوحيدتين في مصر اللتين لعبتا الدور الحاسم في العديد من القضايا خلال ألف عام، وقال: أستطيع القول إن مؤسسة الأزهر هي التي تحمي وتحمل المجرى العام للتطور في البلاد، وقد كان التناقض موجوداً عبر التاريخ بينها وبين جماعة الإخوان التي كانت تعرف فيما مضى أن هناك حدوداً معينة لا يمكن تجاوزها، وأن ثمة دولة ترعى مؤسسة الأزهر، لكن الوضع تغير اليوم، واعتقدت الجماعة أنها بوصولها إلى السلطة، أصبح من حقها أن تأخذ الأزهر أيضاً، وهذا أمر يحتاج إلى التوقف والانتباه، باعتبار أن الأزهر هو مؤسسة الدين في مصر، المكلفة تعليم الدين والثقافة، ولا بد أن تصان هذه المؤسسة تحت أي اعتبار . وعرج الكاتب الكبير إلى قلب الأزمة الجارية بين مؤسسة الرئاسة من جهة ووسائل الإعلام المصرية من جهة أخرى، مشيراً إلى أنها تجسّد في حقيقتها "التناقض التاريخي في العلاقة بين السلطة والإعلام، باعتبار كلاهما يقف على نقيض الطرف الآخر"، ففيما تمنح السلطة لنفسها الحق باستمرار، في الولاية على كل ما يتعلق بالشأن العام، تقف الصحافة والإعلام في المقابل على الجانب الآخر، رغبة في التحرر وكشف الحقائق للناس، وأوضح هيكل أن الأزمة الجارية في مصر بين الرئاسة والإعلام، نابعة بالأساس من جماعة الإخوان التي تضيق بالنقد، "والتي تضع السلطة للأسف في موضع الألوهية" . وقال هيكل: نحن الآن أمام أحد ما جاء إلى السلطة، وهو الآن في صدمة، بسبب ما وصل إليه أولاً، ثم بسبب العصر الذي لم يوصفه بالشكل المناسب، وهو إذا لم يحسن ذلك، فسوف يجد نفسه في صدام كبير، ليس مع الإعلام فحسب، ولكن مع المجتمع ككل . وقال هيكل: الإخوان لم يتعودوا نهائياً على النقد الساخر، وهو ما يلخص قضية باسم يوسف، فنحن على مستوى النقد السياسي أو الصحافي أمام مستويات عدة، بدأت بالكتابة بالقلم في الصحف، وهو نوع يشبه الحرب التقليدية التي تستخدم الرصاص وبالكثير المدافع، ثم تحول هذا النقد من خلال التلفزيون، فانتقلت الحرب إلى مستوى استخدام الطائرات، ثم أصبح النقد موجوداً بالصورة وعلى مستوى الآفاق كلها، ثم أضيفت السخرية إلى أدوات الحرب، وهي بمثابة تطور في فنون الحرب وأدواتها، يصل حد استخدام غاز الأعصاب، وهو غاز تأثيراته كبيرة، والإخوان يضيقون به، إلا أنهم في الوقت ذاته يستخدمون القنابل النووية . واستبعد الكاتب الكبير أن يؤدي الصراع الدائر حاليا في مصر بين مؤسسة الرئاسة ووسائل الإعلام إلى حملة اعتقالات كبيرة على غرار ما جرى في سبتمبر/أيلول من العام ،1981 مشيراً إلى أن مثل هذا العصر قد فات نهائياً، وأن السلطة المركزية التي سمحت بمثل هذه الاعتقالات في حينها لم تعد ممكنة في العصر الراهن، "ليس فقط على مستوى الوطن، بل على مستوى العالم كله . وأضاف هيكل: لا يمكن أن يتصور أحد لوهلة، أن بإمكانه التصرف في موقعه، من دون أن يشاهده العالم، لقد كان أكثر ما ضايق الرئيس السادات ومهد لاعتقالات سبتمبر الشهيرة، أن الحملة ضده انتقلت إلى الصحف العالمية التي كان نجماً فيها، بينما الوضع الآن مختلف، فنحن نعيش بالفعل في نموذج "القرية الواحدة"، وأعتقد أن الجماعة قد تهتم بذلك، ولكنها لا تستطيع أن تفعلها، وإن فعلتها فإنها الكارثة . ولفت هيكل إلى ما وصفه ب "وهم السلطة" الذي قد يدفع البعض إلى أن يفكر في أنه في سلطة بلاده يستطيع أن يفعل ما يريد، لكن هذا الأمر ليس حقيقياً على إطلاقه، وهذا ليس وقت المماليك ولا غيرهم، لقد اختلفت الدنيا، ولم يعد هناك من يعتقد أنه داخل مملكته يستطيع أن يفعل ما يريد . وأضاف: كثيرون لا يستطيعون مقابلة أخطائهم، ربما لا تكون أخطاؤهم كاملة، لأن بعضها ليس من صنعهم، لكن مثل هؤلاء يعيشون في تصور عصمة المنصب، وعصمة الدين، ربما لا يعلم كثيرون ماذا يفعل شعور السلطة في الناس، الحقيقة أنها قد تدفع بمن هو في موقع السلطة إلى أنه قد لا يواجه ما يراه، أو أن يلقي باللوم دائماً على الآخرين، والآخرون في مصر اليوم هم الإعلام . وعرج الكاتب الكبير في حواره إلى قضية سحب مؤسسة الرئاسة لجوازات السفر الدبلوماسية بغلظة من بعض مستشاري الرئيس الذين تقدموا باستقالاتهم تباعا، ووصف ما جرى مع الدكتور سمير مرقص مستشار الرئيس لشؤون التحول الديمقراطي في مطار القاهرة بأنه "فجاجة اكتشاف السلطة"، مشيرا إلى أنه ما كان ينبغي أن يعامل شخص كان مساعداً للرئيس بهذا الشكل، من خلال البوليس في المطار، وقد كان من الأحرى أن يتم ذلك عبر الخارجية على سبيل المثال، أن تقول له مهمتك انتهت، وضروريات حصولك على هذا الجواز انقضت . ولفت هيكل إلى ما وصفه ب"سوء استخدامات هذه الجوازات التي بدأت في عهد مبارك"، والتي بلغت حد منح هذه الجوازات إلى مقاولين وموظفين في المنازل . وقال: بكل علاقتي ب "ناصر" لم اقترب من موضوع الجوازات، وأنا أملك جوازي سفر دبلوماسيين، أحدهما حصلت عليه عندما كنت وزيراً واستخدمته فقط في السفريات التي رافقت فيها عبد الناصر، وعندما خرجت من الوزارة وضعته في الدرج، والثاني حصلت عليه في العام ،88 في وقت عانت فيه أوروبا هجمات إرهابية كثيرة، ووقتها قال لي الدكتور مصطفى الفقي: إن الرئيس مبارك سأل وقال كيف يسافر فلان في هذه الأجواء، وقد فوجئت بأنهم أخرجوا لي وقتها هذا الجواز، فسافرت به مرتين أو ثلاثاً ثم وضعته في الدرج . وشدد هيكل على ضرورة أن يقتصر صدور هذه النوعية من الجوازات على كل من له دور أو يؤدي مهمة، وأن يستخرج فقط لرئيس الدولة وليس لأفراد عائلة أو أنصار، أو لأي فرد في الشورى أو النواب . وأضاف: أنا أعلم أن كثيرا من هذه النوعية من جوازات السفر، صرفت خلال الفترة الماضية لأشخاص ليس لهم علاقة بمهام الدولة، أنا لن أحرج أحداً لكنني أقول إن أخطر شيء حصل هو أن مربية أطفال حصلت على جواز سفر دبلوماسي . وعرج هيكل على الملف الاقتصادي وأزمة الطاقة التي تعانيها مصر، مشيراً إلى أن منبع القضية يرجع إلى 2002 عندما بدأت الحكومة في ذلك العام استراتيجية بيع الطاقة مستفيدة وقتها من تراجع الأسعار، حيث كان متوسط الأسعار وقتها بالنسبة لبرميل البترول لا يزيد على 23 دولاراً، لكن ما حدث أن الأسعار بدأت تتحرك بعد ذلك حتى تجاوزت 100 دولار للبرميل، فصعدت معها فاتورة الأسعار ومن ثم تكلفة الدعم . وقال هيكل: قد يكون صحيحا أن المشكلة ليست من صنع الإخوان، لكنهم في الحقيقة يقومون بنفس المشكلة التي استحدثها مبارك، عندما رفض مواجهة الأزمة وقتها، لأنه كان ينتظر الانتخابات الرئاسية المستحقة في العام ،2005 والآن الإخوان يفعلون نفس الشيء، فهم ينتظرون الانتخابات التشريعية . وأضاف: هم ينتظرون نتائج الانتخابات، ولا يصارحون الناس بالحقائق، بينما هذه القضايا حساسة، ويجب ألا يتم اللعب بها انتخابياً، قد تكون المشكلة ليست من صنعهم لكن عدم معالجتها يفاقم الأمور، المصارحة هي مربط الأزمة، وقد فعلها تشرشل عندما قدم إلى الحكم وصارح الناس وقال لهم: "لا أملك لكم سوى الحرب والدموع والعرق"، وقد تقبل البريطانيون هذا، وخاضوا معه حرباً استغرقت أربع سنوات، تحملت فيها بريطانيا تكاليف كبيرة إنسانياً ومادياً، لكن الأهداف كانت مفهومة . تعرض الكاتب الكبير خلال حواره إلى طبيعة العلاقة بين جماعة الإخوان والولايات المتحدة الأمريكية، مشيراً إلى أن أقوى الأحلاف هي التي تنشأ بالضرورة على مدار التاريخ، وأخطرها تلك التي تجري بين طرفين بينهما تناقض، على غرار ما يجري اليوم بين أمريكا العلمانية كدولة، ومصر متمثلة في حكم الإخوان، وأوضح أن العلاقة بين الطرفين بدأت كميراث من الإمبراطورية البريطانية التي انسحبت من المنطقة وسلمتها للولايات المتحدة، مشيراً إلى حجم العلاقة القوية التي ربطت بين الإنجليز وجماعة الإخوان، وكيف كانت تستخدم الجماعة باستمرار ضد التيار الوطني أو القومي، وفي الحرب ضد عبد الناصر . وقال هيكل: عندما جاءت فترة انتقال الإمبراطورية الإنجليزية لتحل محلها نظيرتها الأمريكية، كان الإخوان موجودين، وقد سار الأمريكان على نهج البريطانيين، واعتقدوا أن التيارات الإسلامية أدوات يمكن استخدامها، أو أنها صالحة للاستخدام ببساطة ضد الأفكار الوطنية والقومية . وقال هيكل: كان الأمريكان خائفين من المعارضة بعد الاتفاقية الأولى للسلام، وكان السادات راغباً في إقامة هذه العلاقة أو التحالف، ونظر الأمريكان وقتها للإخوان باعتبار أنهم قد يكونوا مصدر الاعتراض الوحيد على الاتفاقية، ومن ثم فإن احتواءهم أو تطويعهم سيمرر الأمر بسلام، ثم جاءت حرب أفغانستان والمنطقة السوفيتية، وشاهد الأمريكان الإخوان هناك، ثم جاءت حروب ما بعد 11 سبتمبر، وتمثلت في غزو دول مثل أفغانستان والعراق، فبدأت العلاقات الجديدة مع تيارات إسلامية موجودة في المنطقة ولها تواجد شعبي، وبالتالي قامت الدراسات على استخدامهم في الفترة المقبلة . وأوضح هيكل: ببساطة الإمبراطورية الأمريكية تريد فرض السيطرة على المنطقة، لتحقيق هدفين رئيسين هما البترول والأمن "الإسرائيلي"، وبالتالي فالمطلوب هو تهدئة العالم العربي كله من نزعات وطموحات الاستقلال والحرية، مهما اختلفت صورها . وكشف عن دور الأمريكان في دعم جماعة الإخوان المسلمين على مدار السنوات الأخيرة من حكم مبارك، مشيراً إلى ما وصفه ب "اختبار بسيط" عندما جاء الجنرال جون أبو زيد وكان قائداً للمنطقة المركزية للقوات الأمريكية . وقال هيكل: إن أبا زيد زار مبارك وأبلغه رسالة عجيبة جداً، فحواها ضرورة منح جماعة الإخوان الفرصة . حدث ذلك قبل انتخابات العام ،2005 وقبل عام على الاستحقاق الانتخابي لمبارك الذي لم يعجبه هذا الحديث، وبدأ يعارض إدارة بوش وقتها، وأضاف هيكل: حاول مبارك الخروج من هذه النصيحة والمراوغة، لكن الدورة الأولى التي جرت فيها الانتخابات فاز فيها الإخوان في منافسة قاسية، بثلاثين مقعداً والدورة الثانية ب 34 مقعداً، لكن بين الجولتين وطبقاً لتسجيلات موثقة تلقى مبارك اتصالاً هاتفياً من بوش قال له الأخير فيه متسائلاً: "حسني ما الذي يحدث عندكم؟" فعقب مبارك قائلاً: "ما يحدث هو نتيجة لنصائحكم ماذا نفعل؟" فقال بوش: "نحن لا نريد التدخل، أفعلوا ما تشاؤون وكما تريدون" . . وعندما جاءت الجولة الثالثة في الانتخابات لم يفز أحد من الإخوان . وقال هيكل: عرف الأمريكان وقتها أن ثمة مستقبلاً ما للجماعات الإسلامية، وبالتالي لا بد أن يساعدوهم للوصول إلى السلطة، أو المشاركة فيها عبر الهبوط الناعم، وقد شارك الإخوان في الثورة، رغم أنهم كانوا موافقين على مشروع التوريث، صحيح شاركوا في مرحلة متأخرة، لكن بقوة وكانوا وقتها يمثلون ربع أو ثلث الأعداد التي نزلت إلى الميادين، إن جاز ذلك التقدير . وعرج هيكل على زيارة أوباما لمصر في العام ،2009 وخطابه في جامعة القاهرة، وكيف بدأت الأزمة عندما أصر أوباما على الذهاب بمفرده إلى الجامعة، وقال هيكل: قابل أوباما مبارك في الصباح لتناول الإفطار معه، وعندها اعترض مبارك قائلاً: كيف وأنا المضيف تذهب بمفردك إلى جامعة القاهرة، هذا أمر غريب أن يلقى خطاب ليس في حضوري، ووقتها عقب أوباما قائلاً: "أريد أن آخذك معي، لكنني أريد أن أخطب في كل شباب العالم الإسلامي، وبالتالي إن رافقتني بدا خطابي وكأنه متعلقاً بمصر فقط" . لم تقنع هذه العبارات مبارك واعتقد أنه في هذه اللحظة أدرك أن الولايات المتحدة تخلت عنه، وإنه إن أراد العيش فعليه أن يعتمد على نفسه، ومن وقتها لم يذهب إلى واشنطن . وأضاف هيكل: في هذا الوقت تخيل الإخوان أن الخليفة قد يكون عمر سليمان، ولكن بصفة إشراف على مرحلة انتقالية، وأنه إذا ما جاء جمال مبارك الابن، فإنه سيسقط سريعاً ولن يستمر . وعرض هيكل لنص مذكرة اطلع عليها أوباما في الأيام الأخيرة التي سبقت سقوطه، كانت تقول بوضوح: إن نظام مبارك يموت تدريجياً، وأن مشروع التوريث يلقى معارضة شديدة في مصر، وأن الرجل القوي وراء الظل هو اللواء عمر سليمان، لكن هذه المذكرة أكدت أيضاً أن الإخوان المسلمين هم الفصيل السياسي الأقوى، وأن الولايات المتحدة تعرفهم، وتستطيع تكثيف الاتصالات معهم . وأضاف هيكل: كانت الرسالة واضحة وتقول: إنه إذا سقط مبارك فلن تستطيع الولايات المتحدة مساعدته، بأكثر من ذلك . وعرج هيكل على علاقة الإخوان بالمجلس العسكري، وما دار خلال الفترة الأولى من عمر إدارة المجلس لشؤون البلاد عقب الثورة، مشيراً إلى أن "طلبات الإخوان خلال تلك المرحلة زادت بمقدار ما أزيلت الحواجز أمامهم"، وأنهم "هبطوا إلى موقع السلطة هبوطاً عنيفاً وقاسياً، بل ومراوغاً أيضاً، وأضاف: المراوغة قد تكون مقبولة في السياسة، لكن عندما تتخلى عن معرفة التاريخ وذكاء القرار، يصبح الفارق بينها وبين الانتهازية ليس كبيراً" . وقال هيكل: إن الإخوان صعدوا إلى مقاليد السلطة في مصر، لأن أياً من الأطراف لم تكن لديه الجاهزية لتولي تلك المسؤولية، فالبديل السياسي لم يؤهل نفسه، وتعرض لعمليات تجريف كبيرة، وأضاف: أعتبر من المعجزات أن يحصل صباحي في الانتخابات على النسبة التي حصل عليها، حتى النسبة التي حصل عليها شفيق لم تكن دليلاً على أن الذين انتخبوه كانوا يريدونه، بل لأنهم كارهون للإخوان" . *المصدر : الخليج الاماراتية