يبدو أن الرئيس هادي والمطبخ الذي يعتمد عليه في رسم التوجهات الرئاسية للمرحلة الانتقالية يغرد خارج السرب، وأنه لم يستوعب بعد المتغيرات على المستوى المحلي والدولي. فالرجل لا يزال يمشي في المسارات التي حددها السفير الأمريكي الأسبق على ضوء ما كان يعرف بموجة الربيع العربي والذي كان يراد به تمكين الإخوان من إدارة الحكم كونهم الحامل السياسي لهذا الربيع (المشروع). هادي اتخذ هذا المسار بتحالفه مع الإخوان في اليمن، متجاهلاً المتغيرات على المستوى الدولي وسقوط نموذج الإخوان في معقلهم بمصر، عبدالناصر، وتعثرهم في سوريا ودخول روسيا إلى مصر بعد ان كانت تخوض صراع وجود في آخر معاقلها في سوريا. ووصول كيري إلى البيت الأبيض وما أحدثه من تضاد وتوازن في إدارة اوباما فيما يخص الشرق الأوسط. هادي لا يزال يتجه نحو مسار الإخوان عبر تحالفه معهم، سياسياً، وفتح المجال لهم في نشر عناصرهم وسط الجيش والأمن والسيطرة على بعض الوزارات وفي كل مفاصل الدولة. كما يواصل هادي، في مساره هذا، إضعاف حزبه المؤتمر الشعبي العام لصالح الطرف الآخر مما خلق اصطفافاً مؤتمرياً ضده وهو ما يجعله رئيساً بلا مظلة سياسية وجماهيرية. كما تجاوز هادي المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية وهو ما جعله يغرد خارج المسار القائم على التوافق وباعد بينه وبين المملكة السعودية التي ترى جنوح هادي نحو تقوية الطرف الذي يمثل في هذه المرحلة العدو الحقيقي، الذي تسعى المملكة لاجتثاثه. ويؤكد هذا الطرح توجه الرياض للزج بالإخوان عبر حلفائها القبليين والعسكريين بحرب في صعدة والمضي لدعم المؤتمر الشعبي العام عبر رئيسه صالح لحسم المعركة مع الإخوان عبر صناديق الاقتراع، باعتبار المؤتمر الشعبي هو القوة السياسية والجماهيرية الوحيدة القادرة على الإطاحة بالإخوان الذين صاروا يمثلون كابوساً على صدر الرياض في هذه الجغرافيا التي تعدُّ ضمن جغرافيا الأمن القومي للمملكة. يأتي موقف المملكة من سياسة الإخوان الذين صاروا جسر عبور للسلاح القادم من تركيا إلى المملكة.. وتموضعهم مع المشروع القطري الذي مكن قطر من لعب دور كبير في الشأن اليمني مناقض للدور السعودي إذ لم يكن بديلاً عنه. أخطاء.. بفشل محلي. وهذا ما جعل رصيد هادي يتناقص شعبياً من خلال استمرار الوضع المتردي الذي يزداد انهياراً ولا يتوقف عند حد معين، ما يجعل هادي يفقد كل جماهيره الذين خرجوا في 21 فبراير 2012 ليمنحوه تفويضاً شعبياً في انتخابات أحادية نافس هادي نفسه فيها. على المستوى المحلي لم يلمس المواطن في الشأن اليمني أي تغيير حقيقي مع تخلي الدولة عن مهامها الأساسية في التنمية والخدمات والأمن. حيث يتسع الفلتان الأمني حتى وصل حداً مخيفاً لا يطاق. فيما توقفت التنمية نهائياً، كما كشفت هيكلة الجيش والأمن الوجه الحقيقي لعبثية هادي في تفكيك هذه المؤسستين لصالح إعادة ترميم النظام القديم الخاضع لقوى القبيلة والعسكر وميليشيا الإخوان فقط وليس لإحداث تغيير حقيقي يلبي تطلعات اليمنيين بإيجاد جيش وطني موحد يعيد الدولة المختطفة من براثن قوى الشر التي سقطت من نظام صالح أو تحالفت معه وعادت تحت غطاء ثوري للواجهة وبتحالف جديد للحكم وتتخفى خلف هادي الذي سيكون كبش الفداء أو الضحية الذي ستعلق عليه كل أخطاء المرحلة الانتقالية وما بعدها في أول مواجهة أو حساب مع الشعب كما كان سلفه صالح. ومن خلال قياس الرأي العام الشعبي يلاحظ اتساع السخط الشعبي من قيادة المرحلة الانتقالية وارتفاع حالة الغليان والتي بلغت حد الخطورة قد تؤدي إلى ثورة جديدة لن ترضى بأنصاف الحلول والشعب لم يعُّد يتحمل عاماً آخر. ولنا بمصر عبرة وختاماً لا يمكن الحديث عن نجاح المرحلة الانتقالية التي صارت مرحلة انتقامية في ظل الوضع السياسي المعقد والمتشابك وحالة الحرب المدمرة في صعدة والتي تتسع في ظل اقتصاد على وشك الانهيار وارتفاع تحذيرات بشبح الافلاس للخزينة العامة واتساع التقاسم وتمدد القاعدة وسقوط الأمن في وحل الانفلات والفوضى التي وصلت قلب أمانة العاصمة وشرايين المحافظات الأخرى. أمام ذلك يتوجب على هادي الخروج من تحت إبط التحالفات المشبوهة مع قوى الشر وكبح نزعته المهرولة نحو تفكيك المؤتمر الشعبي والتخلي عن ضغائنه الشخصية ضد صالح والتي تستشرف طاقاته وقواه في الفراغ، والتحول لرئيس حقيقي لكل اليمنيين، رئيس (يشقي) مع اليمن وليس رئيس (شاقي) بالأجر اليومي مع اللواء الأحمر أو قوى تحالف الشر. لست هنا ناقماً على الرئيس هادي بل أنقم على سوء إدارته ورضوخه للحصار المفروض عليه وتبعيته لمسارات لا تخدم اليمن بل تعيد إنتاج الماضي بأبشع صوره، وأعترف أن هادي شجاع وإلا ما قبل الرئاسة في وطن معقد وملغوم. وأمام ذلك ننبهه حتى لا يأتي يوم ويردد مقولة الشريف حسين: أكلت يوم أكل الثور الأبيض، لذا عليه أن يعيد صياغة خارطة طريق تخلد اسمه دون أن يتكئ على الخارج الذي هو في تغيير مستمر، أو يتحالف مع قوى في الداخل مثقلة بإرث الصراع ومفعمة بثقافة الفيد والفوضى والفساد ومكروهة شعبياً. عليه أن يعيد قراءة الأوضاع محلياً ودولياً ويستوعب التطورات والمتغيرات للهبوط الآمن. * صحيفة "المنتصف" الأسبوعية