تكاد مديرية الوازعية تكون أكثر أرياف تعز تضرراً من ويلات الحرب، فقد جرت الأحداث فيها على نحو مهول يجعل الولدان شيبا، ولعل وضع المديرية البئيس قبل الحرب كان من العوامل التي أدت إلى أن تتحول بالحرب مديرية منكوبة بامتياز، إذ كان لغياب الدولة بخدماتها الصحية والتعليمية وغيرها أثر واضح في بقاء المديرية على حياتها النمطية من فقر وعوز وركون إلى الحياة البدائية حتى أن الزائر لها يخرج منها بانطباع أن التاريخ هنا لم يتزحزح قيد أنملة منذ ستين أو سبعين عاما، فمظاهر الحياة البدائية طاغية، وملامح العصرنة تكاد تكون منعدمة إلا من بعض المظاهر السطحية هنا وهناك والتي قامت على مجهودات فردية. وجاءت الحرب.. وأرخت سدولها على جميع مناطق المديرية قتلا وجوعا وتشريدا وموتا زؤاما، لتسجل بذلك حقيقة مؤلمة أوضحتها الأحداث ، وأكدها الواقع ، وتتمثل هذه الحقيقة في أن ويلات الإمامة الجديدة وصلت إلى كل قرى وعزل المديرية وبالجملة ، قبل أن تصل إليها خيرات الثورة الجمهورية التي قامت قبل ست وستين سنة، ولم يجد الناس هنا منها غير مغالطات الإعلام وزيارات مسئولين كثر في فترات الانتخابات المتتالية في مسلك نفعي خال من كل إحساس بالمسئولية، ومن كل شعور بالإنسانية. وأطلّت الحرب بوجهها الأرعن وبحصادها الأليم لتمعن المديرية عمقا في مصيرها المؤلم ، حيث تحولت حياة الناس البائسة إلى كابوس ثقيل، تتكاثر فيه جنائز البسطاء المغدورين ، الذين لا يعلمون بأي ذنب قتلوا ، وتتعاظم فيه قوافل التشريد والتهجير وانسدت كل آفاق الحياة بسحائب الموت ، ولم يبق إلا الرحيل بحثا عن وطن حلموا به تحت شمس الجمهورية، فضاع حلمهم تحت قذائف القتلة الملثمين، وبدأوا تغريبة الضياع ، فتلقفتهم شعاب الموت ، ومنافي الضياع ، وتفرقت بهم مخيمات النازحين في مناطق شتى في كهبوب وفي النشمة وفي المواسط وفي بعض مناطق مديرية الشمايتين ، ووسط دوامة التشتت هذه غابت عنهم اليد الحانية ، ومبرات الخير ، وقوافل الإغاثة .. إلا النزر القليل .. آلا النزر القليل. اليوم تحررت الوازعية .. وخرجت من معتقلها الأسود بقلب دام ، وجراح مثخنة، وعظام مهشمة. خرجت وثمة حلم يعيشه كل أبنائها: كبيرهم وصغيرهم وذكرهم وأنثاهم .. جميعهم دون استثناء .. يحلمون بالعودة إلى الديار ، والخروج من كابوس الشتات، واستئناف حياتهم الطبيعية بعد أن طحنتهم أعاصير الموت.. وهنا أصبح لزاما على الجهات المعنية أن تثبت قدرتها على تحمل المسئولية تجاه هؤلاء ، بدءا بتأمين طرق العودة إلى قراهم وبيوتهم وتحديد طرق آمنة لا تفاجئهم بها ألغام الموت، ويكفيهم ما فقدوا من أبناء وآباء ممن طحنتهم الحرب أو ممن أكلتهم الشعاب والوديان . كما يتوجب تقديم إغاثات عاجلة من مواد غذائية وأدوية ومستلزمات صحية وحصر الأضرار في إطار خطة لإعادة الإعمار ولو في الحد الأدنى، والسعي حثيثا في تطبيع الحياة هناك.. مالم فإن خذلان الجهات المعنية لهؤلاء البسطاء ستكون لعنة تلاحقها وظلما فادحا وخيم العاقبة. لقد ضاعت الوازعية مرتين .. فلا تضيّعوها الثالثة. - الصحوة نت