تلك ذاكرتي تعيدني أربع سنوات للوراء أتمعن فيها ذكريات حرب كانت سبب تكتل جمع غفير متعدد الأطياف والانتماءات الحزبية والمناطقية، جمعتهم أحضان عدن وهدف واحد، هو الدفاع عنها ونصرها وتحريرها من عدو حشد إليها مليشياته المسلحة.. تشاركوا هدف التخلص منه، ولم يكن هناك أي نزاعات أو خلافات حول أن هذا العدو يجب التخلص منه وتحرير عدن من مليشياته. لم يأبه أحدهم آن ذاك ما إذا كان رفيقه في جبهة القتال من منطقة أخرى، أو من حزب معارض، أو من جماعة لا يتفق معها.. جمعهم حب عدن، وإذا عاد هؤلاء لتلك الأيام لوجدوا معنى الإيثار والتضحية والتلاحم فيما بينهم ومدى البذل والعطاء في الأهالي والمقاومين، نساء كانوا أم رجالا كبارا أم أطفالا في سبيل تحقيق ذلك الهدف، بل لو تمعنوا لأدركوا أنهم كانوا في مأمن فلم يخف أحدهم من غدر أو موت وفراق.. لم يخف أحد منهم وسط الحرب على روحه وماله، فلم يسد في حينها سوى الأمن والأمان فيما بينهم.. كانت مكارم الأخلاق في ذروتها.. لكم أن تستغربوا عندما أقول إنهم كانوا آمنين وسط الحرب، وعندما يسود الخوف والرعب بفعل الحرب فلا أعظم من الأمان من أن يقاتل أحد وهو لا يخاف على نفسه من الغدر أو أن يتخلى عنه الآخرون يف ذات الصف.. هذا هو الأمان. تلك الأيادي التي تماسكت في هذا المكان قبل أربع سنوات وتلافت الخلافات والاختلافات التي بينها، وأصبحت صفا واحدا، وكانت كالبنيان المرصوص يشد بعضها بعضا.. أما حان وقت تماسكها من جديد لتحقق نصرا آخر لعدن؟! نصر آخر تحتاجه عدن، ذلك أن نصر عدن لم يكتمل بعد، فما زال نصر البناء ينتظر تلك الأيادي التي يشد بعضها، وتشمر ساعديها ساعية نحو البناء والتنمية، نحو بناء دولة جديدة كادت أركانها تتصدع في زمن الحرب هذا.. نحو بناء مدينة مدنية حاضنة للجميع لا تقبل الفرقة ولا مكان فيها لممارسات التفريق، ولا تقبل اضطهاد ولا سياسة الإقصاء والتمزيق!!