الذكرى الثانية للتوقيع على الميثاق الوطني الجنوبي    عدن تنظر حل مشكلة الكهرباء وبن بريك يبحث عن بعاسيس بن دغر    باجل حرق..!    محطة بترو مسيلة.. معدات الغاز بمخازنها    بعد "إسقاط رافال".. هذه أبرز منظومات الدفاع الجوي الباكستاني    شرطة آداب شبوة تحرر مختطفين أثيوبيين وتضبط أموال كبيرة (صور)    التصعيد العسكري بين الهند وباكستان يثير مخاوف دول المنطقة    شركة الغاز توضح حول احتياجات مختلف القطاعات من مادة الغاز    كهرباء تجارية تدخل الخدمة في عدن والوزارة تصفها بأنها غير قانونية    الحكومة: الحوثيون دمّروا الطائرات عمدًا بعد رفضهم نقلها إلى مطار آمن    استشهاد امرأة وطفلها بقصف مرتزقة العدوان في الحديدة    مجزرة مروعة.. 25 شهيدًا بقصف مطعم وسوق شعبي بمدينة غزة    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة الحاج علي الأهدل    وزير النقل : نعمل على إعادة جاهزية مطار صنعاء وميناء الحديدة    صنعاء تكشف قرب إعادة تشغيل مطار صنعاء    بيان مهم للقوات المسلحة عن عدد من العمليات العسكرية    سيول الأمطار تغمر مدرسة وعددًا من المنازل في مدينة إب    الأتباع يشبهون بن حبريش بالامام البخاري (توثيق)    صنعاء .. هيئة التأمينات والمعاشات تعلن صرف النصف الأول من معاش فبراير 2021 للمتقاعدين المدنيين    الصاروخ PL-15 كل ما تريد معرفته عن هدية التنين الصيني لباكستان    وزير الشباب والقائم بأعمال محافظة تعز يتفقدان أنشطة الدورات الصيفية    الزمالك المصري يفسخ عقد مدربه البرتغالي بيسيرو    فاينانشال تايمز: الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض رسوم جمركية على بوينغ    خبير دولي يحذر من كارثة تهدد بإخراج سقطرى من قائمة التراث العالمي    صنعاء .. الصحة تعلن حصيلة جديدة لضحايا استهداف الغارات على ثلاث محافظات    وزارة الأوقاف تعلن بدء تسليم المبالغ المستردة للحجاج عن موسم 1445ه    قيادي في "أنصار الله" يوضح حقيقة تصريحات ترامب حول وقف إطلاق النار في اليمن    اليوم انطلاق منافسات الدوري العام لأندية الدرجة الثانية لكرة السلة    الجنوب.. معاناة إنسانية في ظل ازمة اقتصادية وهروب المسئولين    دوري أبطال أوروبا: إنتر يطيح ببرشلونة ويطير إلى النهائي    عشرات القتلى والجرحى بقصف متبادل وباكستان تعلن إسقاط 5 مقاتلات هندية    النمسا.. اكتشاف مومياء محنطة بطريقة فريدة    دواء للسكري يظهر نتائج واعدة في علاج سرطان البروستات    بذكريات سيميوني.. رونالدو يضع بنزيما في دائرة الانتقام    تتويج فريق الأهلي ببطولة الدوري السعودي للمحترفين الإلكتروني eSPL    وزير التعليم العالي يدشّن التطبيق المهني للدورات التدريبية لمشروع التمكين المهني في ساحل حضرموت    في الدوري السعودي:"كلاسيكو" مفترق طرق يجمع النصر والاتحاد .. والرائد "يتربص" بالهلال    طالبات هندسة بجامعة صنعاء يبتكرن آلة انتاج مذهلة ..(صورة)    بين البصر والبصيرة… مأساة وطن..!!    الرئيس المشاط: هذا ما ابلغنا به الامريكي؟ ما سيحدث ب «زيارة ترامب»!    بامحيمود: نؤيد المطالب المشروعة لأبناء حضرموت ونرفض أي مشاريع خارجة عن الثوابت    النفط يرتفع أكثر من 1 بالمائة رغم المخاوف بشأن فائض المعروض    الوزير الزعوري: الحرب تسببت في انهيار العملة وتدهور الخدمات.. والحل يبدأ بفك الارتباط الاقتصادي بين صنعاء وعدن    إنتر ميلان يحشد جماهيره ونجومه السابقين بمواجهة برشلونة    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    انقطاع الكهرباء يتسبب بوفاة زوجين في عدن    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    مرض الفشل الكلوي (3)    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكرمات الربانية للجنود في الكتاب والسنة :
نشر في يمن لايف يوم 16 - 09 - 2014

لقد اكرم الله الجنود بهبات الاهية جليلة وكرامات ربانية عظيمة ، لعل أجلها واعظمها على الاطلاق الحب الرباني العظيم قال تعالى :
( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ )
فيستحسن بنا في هذه العجالة الوقوف على حقيقة هذا الحب الرباني العظيم وقفات ، على النحو التالي :
الوقفة الاولى : حقيقة حب الله لعباده :
قوله : إِنَّ اللهَ يُحِبُّ : إن : حرف توكيد ونصب اللهَ لفظ الجلالة اسمها (يُحِبُّ) مضارع مرفوع فاعله مستتر (الَّذِينَ) اسم الموصول مفعوله والجملة خبر إن ..
قإن : من حروف المعاني التي تفعل في الاسم ما يفعله الفعل ، وتأتي لتأكيد مابعدها من كلام ، لتنفي عنه الشك والتردد ، والأصل في الكلام أن يخلو الأسلوب الخبري من أدوات التأكيد ، بحيث يعرض على المخاطَب عرضاً أوليًّا ، لكن العرب تحتاج الى توكيد كلامها فيما إذا كان الأمر هاماً في نفس المتكلم وأراد إشعار الآخرين بأهمية هذا الأمر فيؤكد كلامه ليبين للسامعين شدة عزمه على المعنى في هذا الأمر ، أو ليبين لهم أهمية هذا النوع ليستعدوا له أحسن استعداد وليأخذوا الأمر على محمل الجد ، وللتوكيد في اللغة معنيان توكيد معنوي وتوكيد اللفظي فالتوكيد المعنوي مثل : كلا – كلتا – – كافة عامة - النفس – العين – كل – جميع – كلا) وأما التوكيد اللفظي فله ادوات والفاظ ، ومنها القسم ولام الابتداء مثل : وحرف إن منها ، وقد تأتي "لام التوكيد" مع " إنَّ " مثل : إن الله لذو فضل على العالمين ..
(يُحِبُّ) فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره والقاعل ضمير مستتر تقديره هو يعود على لفظ الجلاله , وجاء به على صيغة الفعل المضارع ليؤكد ثبوت واستمرارية الحب الرباني لجنوده الذين يقاتلون في سبيله ، لأن الأفعال المضارعة تفيد دوام الاستمرارية ، وأكد بحرف إن ، لتنفي عنه الشك والتردد ، ويسمى هذا النوع من الكلام المؤكد بمؤكد واحد ، بالكلام الطلبي . والاصل أن القلوب هي التي تحب بارئها وفاطرها وخالقها فهو سبحانه المستحق للحب والطاعة والالتزام بأمره ونهيه ،لما يغدق على عباده بكرم نعمه ، لكن عندما تعلم أن الله - سبحانه وتعالى - يحب عبده فهذه نعمة من أجل النعم إن لم تكن أعظمهمها ، وإن محبة الله عز وجل للعبد غاية المنى ، والمطلب الأسمى ، والمرغوب الأسنى ، فمن حاز حب الله له ، فقد حُفظ ، ووقِي ، وكُفي ، وهُدي ، لأن الله يحبه ، وسوف يسدده ، ويحفظه من الانحراف والخطأ والزلل ، ويرشده الى الخير ومعالي الامور وأشرفها ، ويجعل له التوفيق والشرف والقبول في الارض ، فعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ ، نَادَى جِبْرِيلَ ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَناً فَأَحْبِبْهُ ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَناً فَأَحِبُّوهُ ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الأَرْضِ " [ متفق .
والحب لغةً هو : الوِدَادُ . و( عند الفلاسفة ) هو : ميْلٌ إِلى الأشخاص أو الأشُياء العزيزة ، أو الجذَّابة ، أَو النافعة . كما في المعجم الوسيط...
أما اصطلاحاً فهو: يكاد يكون بدون تعريف متفق عليه فكل محب يصفه بوصف و لكن أغلب ما نتفق عليه هو أنه شعور يحتاجه الإنسان كما يحتاج البقاء و الأمان و التقدير و الإنتماء و كما يحتاج استقلال الشخصية و الإنجاز و التغير و الرضا و الاستمتاع و كما يحتاج المعنى و إن حب الله ليعطي أعظم معنى للإنسان كما قال د. إبراهيم الفقي ( لولا وجود الحب في حياة الإنسان لضاع المعنى من حياة الإنسان و لضاعت الأحلام من الإنسان و الحقيقة أنه لولا وجود الحب لضاع الإنسان نفسه , والحب في الدين الاسلامي من أقوى روابط الايمان ومن أقوى العلامات الدالة على رسوخه وثباته في القلب ،فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار " و هذا يعني أن حب الله هو أعظم حب ثم رسوله الذي دلنا على الله ثم حب الناس في الله وشرط حب الناس أن تحب من يحب الله وألا تحب من لا يحب الله كما قال ربنا في سورة آل عمران " قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ " قال الامام عبد الله ابن المبارك : ولما كان حب الجيش واجبا لازمت الثغور حتى أنال هذا الحب أو أكون منهم .. قال الدكتور البوطي : وذلك لأن حب الجيش والعمل فيه واجب شرعا على كل مسلم أن يجعل قلبه متعلق به ، ونفسه مشتاقة للعمل فيه ، لأنه ممن أحبهم الله ، وحب مايحبه الله من مرضات الله ، التي يتوجب على المسلم شرعا العمل في تحصيلها والسعي في الوصول اليها . ولو تأملنا آيات القرآن الكريم ، لوجدنا أن الله تعالى قد خصص ست عشر آية لمن يحب ، وست عشر آية لمن لا يحبّ ! أي أن عبارة (الله يحب) في القرآن تكررت ست عشر مرة ، وعبارة (الله لا يحب) تكررت بنفس العدد أي ست عشر مرة، وهذا توازن دقيق وعجيب يشهد على أن الله قد جعل توازناً دقيقاً لكل شيء في كتابه حتى في نسبة المحبة ، فهو سبحانه لا يظلم الناس شيئاً ، وأن الله قد أحكم هذا الكتاب العظيم . وقد جعل الله لمحبته ، التي هي أعلى ما ناله العباد ، أسباباً لابد منها .فنحن نعرف أن الله لا يحب إلا من توافرت فيه شروط وانتفت عنه الموانع ، و من أهم هذه الشروط : وأعظمها متابعة رسوله محمد صلى الله
عليه وسلم في الأقوال والأفعال وسائرالأحوال ، قال تعالى : في سورة آل عمران " قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ " فمن يحبهم الله هم من اتبعوا أوامره ، و من أهم هذه الشروط : ايضا : القتال في سبيله ، كما هو واضح في الاية الكريمة ، إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ ) [الصف: فسبحان الذي جعل لكل شيء حدود و لكل نقطة تفصيلات ..
الوقفة الثانية تخصيص المحبوب :
قال تعالى : الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ: قرأ الجمهور يقاتلون على البناء للفاعل ،
وقرأ زيد بن علي على البناء للمفعول وقرئ " يقتلون " بالتشديد ، والمعنى أن الله : يحب من يثبت في القتال في سبيل الله ويلزم مكانه كثبوت البناء . القوي المحكم لا ينفذ منه العدو، وفي الآية مشروعية القتال والاعمال العسكرية وفضل المقاتلين ؛ وبيان محبة الله سبحانه لعباده المؤمنين إذا صفُّوا مواجهين لأعداء الله , يقاتلونهم في سبيله ، وإنما قال الذين يقاتلون ، ولم يقل : الذين يجاهدون ، لأن الجهاد أوسع وأعم من القتال فالجهاد .. ذروة سنام الإسلام كما وصفه المصطفى (صلوات الله وسلامه عليه) ويشمل الجهاد الالتزام القلبي والعملي معاً، وذلك لأن الجهاد بمعناه الشامل كما أوضحه العلماء يتضمن: جهاد النفس؛ وجهاد الشيطان وكلاهما التزام قلبي بما لهما من أثر في سلوك الإنسان كما يتضمن جهاد الأعداء وهو التزام قلبي وعملي معاً، ويكون بالمال والنفس واللسان والقلب ، ويدخل فيه كل مسلم عاقل ، تنطبق عليه شروط التجنيد، أو يتوفر لديه المال ،وهو واجب شرعا لقوله تعالى، { إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما} . أما القتال فهو واجب شرعا على من امتهن الجندية واحترف مهارات القتال والتدريب على اساليبه ، يجسده إقدام المقاتل وشجاعته في ساحات الوغى وميادين القتال ولا خلاف في أن قتال الأعداء واجب حتمي على من احترف العمل العسكري واتخذه مهنة له ، وهو مُلزَم بأدائه العملي وإن لم يصاحب هذا الالتزام التزاماً قلبياً ؛ وإن كان الأجدر بالجندي المسلم أن يحرص على أجر الله وثوابه أكثر من حرصه على مغانم الدنيا وزخرفها، وهو ما نبّه إليه الرسول (صلى الله عليه وسلم) فيما يرويه أبو موسى الأشعري (رضي الله عنه) حيث قال: سُئل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن الرجل يُقاتل شجاعةً، ويقاتل حميّةً، ويقاتل رياءً، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" (متفق عليه). وهذا فيه تخصيص للجنود بأن خصهم الله سبحانه ، بهذه الهبة الربانية واكرمهم دون سواهم بحبه الرباني العظيم ، لثباتهم واستبسالهم للقتال في سبيله الذي وهبوا لاجله الارواح والمهج ، فما أعظمها من كرامة ، ويا لها من آثار طيبة كثيرة ، وثمار يانعة وفيرة ، وطوبى لمن استحق هذه المحبة الربانية ، اللهم اجعلنا منهم يا ذا الجلال والإكرام ، يا حي يا قيوم .
الوقفة الثالثة : وصف المحبوب :
صفا : من صف يصف صفا : وهوأن تجعل الشيء على خط مستو، كالناس والأشجار ونحو ذلك ،أي يصفون أنفسهم صفا لقتال العدو ، وانتصاب " صفا " على المصدرية ، والمفعول محذوف ، أي : يصفون أنفسهم صفا ، وقيل : هو مصدر منصوبٌ على الحال ، أي : صافين أو مصفوفين . قال سعيد بن جبير: هذا تعليم من الله تعالى للمؤمنين كيف يكونون عند قتال عدوهم ، وفِي إحْكَامِ الصُّفُوفِ جَمَالٌ لِلصَّلَاةِ، وَحِكَايَةٌ لِلْمَلَائِكَةِ، وَهَيْئَةٌ لِلْقِتَالِ، وَمَنْفَعَةٌ فِي أَنْ تُحْمَلَ الصُّفُوفُ عَلَى الْعَدُوِّ كَذَلِكَ .وَأَمَّا الْخُرُوجُ مِنْ الصَّفِّ فَلَا يَكُونُ إلَّا لِحَاجَةٍ تَعْرِضُ لِلْإِنْسَانِ، أَوْ فِي رِسَالَةٍ يُرْسِلُهَا للقائد ،وَمَنْفَعَةٍ تَظْهَرُ فِي الْمَقَامِ، كَفُرْصَةٍ تُنْتَهَزُ وَلَا خِلَافَ فِيهَا، أَوْ بِتَظَاهُرٍ عَلَى التَّبَرُّزِ لِلْمُبَارَزَةِ. وَفِي الْخُرُوجِ عَنْ الصَّفِّ لِلْمُبَارَزَةِ خِلَافٌ عَلَى قوليْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ إرْهَابًا لِلْعَدُوِّ، وَطَلَبًا لِلشَّهَادَةِ، وَتَحْرِيضًا عَلَى الْقِتَالِ. وَقال أَصْحَابُنَا: لَا يَبْرُزُ أَحَدٌ طَالِبًا لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ رِيَاءً وَخُرُوجًا إلَى مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنْ تَمَنِّي لِقَاءِ الْعَدُوِّ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الْمُبَارَزَةُ إذَا طَلَبَهَا الْكَافِرُ، كَمَا كَانَتْ فِي حُرُوبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ بَدْرٍ، وَفِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ، وَعَلَيْهِ دَرَجَ السَّلَفُ. اه
والصف مبدأ من مبادئ العقيدة العسكرية في صدر الاسلام ، ابتكره الرسول صلى الله عليه وسلم في قتاله مع المشركين يوم بدر أسلوبًا جديدًا في مقاتلة أعداء الله تعالى، لم يكن معروفًا من قبل حتى قاتل صلى الله عليه وسلم بنظام الصفوف ، حيث كان صلى الله عليه وسلم في بدر يعدل الصفوف ويقوم بتسويتها لكي تكون مستقيمة متراصة، وبيده سهم لا ريش له يعدل به الصف، فرأى رجلاًاسمه سواد بن غزية، وقد خرج من الصف فطعنه صلى الله عليه وسلم في بطنه، وقال له: «استوِ يا سواد» فقال: يا رسول الله أوجعتني، وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني، فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه وقال: «استقد» فاعتنقه فقبل بطنه، فقال: «ما حملك على هذا يا سواد» قال: يا رسول الله حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك، فدعا له رسول الله بخير .وصفة هذا الأسلوب: أن يكون المقاتلون على هيئة صفوف الصلاة, وتقل هذه الصفوف أو تكثر تبعًا لقلة المقاتلين أو كثرتهم. وتكون الصفوف الأولى من أصحاب الرماح لصد هجمات الفرسان, وتكون الصفوف التي خلفها من أصحاب النبال، لتسديدها من المهاجمين على الأعداء،
ولقد ثبتوا في مواقعهم ثبات الأبطال وأقدموا دون إحجام صفاً واحداً كأنهم بنيان مرصوص فلا خوف ولا فرار ، وقد وصف الشاعر ثباتهم وعزيمتهم بقوله :
كأنهم في ظهور الخيل ثبت رباً ...... من شدة الحَزْم لا من شدة الحُزَم ..
وكان من فوائد هذا الأسلوب في غزوة بدر .
1- إرهاب الأعداء ودلالة على حسن وترتيب النظام عند المسلمين.
2- جعل في يد القائد الأعلى صلى الله عليه وسلم قوة احتياطية يعالج بها المواقف المفاجئة في صد هجوم معاكس, أو ضرب كمينٍ غير متوقع، واستفاد منه في حماية الأجنحة من خطر المشاة والفرسان، ويعد تطبيق هذا الأسلوب لأول مرة في غزوة بدر سبقًا عسكريًا تميزت به المدرسة العسكرية الإسلامية على غيرها منذ أربعة عشر قرنًا من الزمان ..ويظهر للباحث في السيرة النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يباغت خصومه ببعض الأساليب القتالية الجديدة، وخاصة تلك التي لم يعهدها العرب من قبل، على نحو ما قام به النبي صلى الله عليه وسلم في يوم بَدْرٍ، وأُحُدٍ وغيرهما.
ومن جهة النظرة العسكرية ، فإن هذه الأساليب تدعو إلى الإعجاب بشخصية
النبي صلى الله عليه وسلم وبراعته العسكرية؛ لأن التعليمات العسكرية التي كان يصدرها خلال تطبيقه لها، تطابق تمامًا الأصول الحديثة في استخدام الأسلحة ...
وقد استدل بعض أهل التأويل بهذه الاية على أمرين :
الاول :على أن قتال الراجل أفضل من قتال الفارس، لان الفرسان لا يصطفون على هذه الصفة. المهدوي: وذلك غير مستقيم، لما جاء في فضل الفارس في الاجر والغنيمة. ولا يخرج الفرسان من معنى الآية، لان معناه الثبات.
الثاني : أنه لا يجوز الخروج عن الصف إلا لحاجة تعرض للانسان، أو في رسالة يرسلها للقائد ، أو في منفعة تظهر في المقام، كفرصة تنتهز ولا خلاف فيها ..
الوقفة الرابعة التشبيه المؤكد للمحبوب :
( كأنهم ... كَأَنَّ: حرف تشبيه و نصب تنصب الاسم و ترفع الخبر. و يستعمل للتشبيه المؤكد و هو الدلالة على مشاركة أمر لأمر في معنى جامع بينهما تقول مثلا: (كأن الحارثَ أسدٌ). فشبهت الحارث بالأسد لشجاعته. هم ضمير منفصل مبني على السكون اسمها بنيان خبرها (مَرْصُوصٌ) صفة والجملة حال ..
بنيان مرصوص ) أي قد أحكم وأتقن فليس فيه شيء يزيد على شيء، كَأَنَّهُ عُقِدَ بِالرَّصَاصِ، وَكَثِيرًا مَا تُعْقَدُ بِهِ الْأَبْنِيَةُ الْقَدِيمَةُ، وَهُوَ كَذَلِكَ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ.فَيُقال: حديث مَرْسُوسٌ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ سِيقَ سِيَاقَةً مُحْكَمَةً مُرَتَّبَةً. ومعنى " مرصوص " : ملتزق بعضه ببعض ، يقال رصصت البناء أرصه رصا : إذا ضممت بعضه إلى بعض . وقيل مرصوص مبني بالرصاص .وقد اختلف علماء التفسير في المراد بالبنيان المرصوص ، فنقل بعضهم عن الفراء : أنه المتلاحم بالرصاص لشدة قوته ،
وقال المبرد : هو مأخوذ من رصصت البناء : إذا لايمت بينه وقاربت حتى يصير كقطعة واحدة ، وقيل : هو من الرصيص .وهو ضم الأشياء بعضها إلى بعض ، والتراص : التلاصق . والجمهور : أنه المتلاصق المتراص المتساوي .وهو من التضامِّ، مِنْ تراصِّ الأسنان. قال الراعي:
ما لَقِيَ البيضُ من الحُرْقوصِ,,,,,, يَفْتَحُ بابَ المُغْلَقِ المَرْصوصِ ..
وجملة كأنهم بنيان مرصوص في محل نصب على الحال من فاعل " يقاتلون " ، أو من الضمير في " صفا " على تقدير أنه مئول بصافين أو مصفوفين ،فتكون حالًا متداخلةً، قاله الزمخشريُّ، وأن يكونَ نعتًا لصَفَّا، قاله الحوفيُّ: وعاد الضميرُ على {صَفًّا} جمعًا لأنه جمعٌ في المعنى كقوله: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا} [الحجرات: 9]
والذي يظهر والله تعالى أعلم : أن وجه الشبه المراد هنا هو عموم القوة والثبات قال الزمخشري : يجوز أن يريد استواء بنائهم في الثبات حتى يكونوا في اجتماع الكلمة كالبنيان المرصوص . ا ه .
ويدل على هذا الآتي :
أولا قوله تعالى : وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم.
فالمقاعد هنا هي المواقع للجماعات من الجيش ، وهي التعبئة حسب ظروف الموقعة ، كما فعل - صلى الله عليه وسلم - في وضع الرماة في غزوة أحد حماية لظهورهم من التفاف العدو بهم ، لطبيعة المكان ، وكما فعل في غزوة بدر ورصهم ، وسواهم بقضيب في يده أيضا لطبيعة المكان وهكذا ، فلابد في كل وقعة من مراعاة موقعها ، بل وظروف السلاح والمقاتلة . وقد ذكر صاحب الجمان في تشبيهات القرآن أجزاء الجيش وتقسيماته بصفة عامة من قلب وميمنة وميسرة وأجنحة ، ونحو ذلك فيكون وجه الشبه هو الارتباط المعنوي والشعور بالمسئولية ، والإحساس بالواجب كما فعل الحباب بن المنذر في غزوة بدر حين نظر إلى منزل المسلمين من الموقع فلم يرقه ، وسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأجابه فأبدى خطة جديدة فأخذ بها - صلى الله عليه وسلم - وغير الموقع من مكان المعركة .
ثانيا قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين .
فذكر تعالى من عوامل النصر : الثبات عند اللقاء ، وذكر الله والطاعة ، والامتثال ، والحفاظ عليها بعدم التنازع والصبر عند الحملة والمجالدة ، فتكون حملة رجل واحد ، وكلها داخلة تحت معنى البنيان المرصوص في قوته وحمايته وثباته ، وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ثلاثة لا ينفع معهن عمل : الشرك بالله ، وعقوق الوالدين ، والفرار من الزحف " .وقد عاب تعالى على اليهود تشتت قلوبهم عند القتال في قوله تعالى : تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ، وامتدح المؤمنين في قتالهم بوحدتهم كأنهم بنيان مرصوص . وجاءت السنة بهذا التشبيه للتعاون في قوله صلى الله عليه وسلم : " المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا " فهو يبين المراد من وجه الشبه في البنيان المرصوص هنا ، وقد أثر عن أبي موسى - رضي الله عنه - قوله لأصحابه : الزموا الطاعة ؛ فإنها حصن المحارب ،وهكذا نرى أنّ القرآن الكريم يسعى دائماً في نهجه الأخلاقي والتربوي لأن يقدّم للإنسان صوراً ماديّة محسوسة حافلة بالحركة والحياة، ونابضة بكلّ ما يألفه هذا الإنسان لكي يتاح له إدراك واستيعاب تلك المفاهيم، والمعاني الأخلاقيّة، ومن ثمّ العمل بها في حياته، وعكسها على سلوكه.
وفي الحقيقة إنّ هذا هو المنهج الصحيح والسليم في التربية، لأنّ هذا اللون من المعرفة يعتبر من الموضوعات العملية المتصلة بأسباب وثيقة بسلوك الإنسان وحياته، فكان من الطبيعي أن تكون وسائل إيصال هذه التربية إلى الإنسان عملية ملموسة أيضاً. وقد أثبت علم النفس التربوي الحديث أنّ التمثيل المادّي الملموس، والأساليب العمليّة هي من أنجع وسائل التربية، وأكثرها تأثيراً ورسوخاً في نفس الإنسان، ولذلك فليس من العجيب أن يركّز الخالق تعالى في كتابه الكريم على التعبير الأدبي والفنّي المستند بالدرجة الأولى إلى العناصر الحسيّة الملموسة والمألوفة لدى الإنسان في حياته؛ تمشّياً منه تعالى مع طبيعة هذا الإنسان المجبولة على الفهم، والإدراك في حدود تجاربها، ومعارفها المستمدّة من البيئة التي يعيش فيها. . ولقد بذل المسلمون المهج رخيصة في سبيل الله تعالى لما سمعوا من موعود الله للجنود من نصر في الدنيا وفوز ونعيم في الآخرة ، فصدقوا ما عاهدوا الله عليه وجعلوا شعارهم في الدنيا : " الموت أسمى أمانينا " حتى كان أحدهم إذا خرج من بيته ودّع أهله وولده ثم سأل الله تعالى أن يختاره شهيداً إليه فلا يرجعه إلى أهله . وكيف لا يقاتلون بإخلاص وهم قد سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ضمن الله لمن خرج في سبيله – لا يخرجه إلا جهاد في سبيله وإيمان به وتصديق برسوله – أن يدخله الجنة ، أو يرجعه إلى منزله الذي خرج منه نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة " . وكيف لا يرابطون ويحمون الثغور وهم يسمعون رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " عينان لا تمسهما النار : عين بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله ، ألا أنبئكم بليلة أفضل من ليلة القدر ؟ حارس حرس في أرض خوف ، لعله ألا يرجع إلى أهله ، ومن رابط ليلة حارساً من وراء المسلمين كان له أجر من خلفه ممن صلى وصام ، والرباط هو حراسة الحدود والثغور .
وقد روى المفسرون :أن أسباب نزول هذه الاية : هو أن المؤمنين قالوا : وددنا أن الله يخبرنا بأحب الأعمال إليه حتى نعمله ولو ذهبت فيه أموالنا وأنفسنا .فأنزل الله إن الله يحب الذين يقاتلون الآية . فأسرع المسلمون في الاستجابة للقتال ولم يتخلف منهم أحد ، فكل مسلم جندي طبيعي في جيش الإسلام فإذا دق بوق الخطر فالكل مجاهد بماله ونفسه وسلاحه وعتاده ومن لا سلاح له جهزه المسلمون وأعانوه ، فلا تثاقل عن الجهاد ولا تخلّف بل الكل في سبيل الله . قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض ؟ أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة ، فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل . الا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ، ويستبدل قوماً غيركم ، ولا تضروه شيئاً ، والله على كل شيء قدير " .وعن أكثم بن صيفي : قال : أقلوا الخلاف على أمرائكم ، وإن المسلمين اليوم لأحوج ما يكونون إلى الالتزام بهذا التوجيه القرآني الكريم ، إزاء قضيتهم العامة مع عدوهم المشترك ، ولا سيما ، وقد مر العالم الإسلامي بعدة تجارب في تاريخهم الطويل وكان لهم منها أوضح العبر ، ولهم في هذا المنهج القرآني أكبر موجب لاسترجاع حقوقهم والحفاظ على كيانهم ، فضلا عن أنه العمل الذي يحبه الله من عباده ، وبالله تعالى التوفيق..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.