قبل أيام مات المفكر الألماني المسلم مراد ويلفريد هوفمان مؤلف كتاب الإسلام البديل وهو الكتاب الذي صحح فيه كثيرا من المفاهيم المغلوطة عن الإسلام والتي كرسها التشويه الحثيث للإعلام الصهيوصليبي في المجتمع الغربي. وهوفمان اسم عريض في مسيرة الاستشراق الحديث، جاء إلى المملكة المغربية قبل عقود في مهمّتين حددتا سلفا: سفيرا لبلاده في الرباط، وباحثا في قضايا الدين الإسلامي والتراث، وهي القضايا التي عُنيتَ بها بعثات الاستشراق الغربي منذ مطلع العصر الحديث. أعلن هوفمان إسلامه عام 1980، وينتمي إلى فصيل راق من الاستشراق، ويمثل في هذا المضمار امتدادا للمستشرق الفرنسي روجيه جارودي مؤلف كتاب الإسلام والعلمانية والمستشرق البلغاري محمد أسد مؤلف كتاب الطريق إلى مكة، غير أن هوفمان يمثل المرحلة الأكثر نضجا ووعيا وإلماما في مسيرة هذا الفصيل الذي درس الإسلام عقيدة وشريعة وبحث في تأثيره الإنساني تاريخا وتراثا، فلم يملك إلا الإذعان للحقيقة والانضواء تحت لوائها، فكان أن وقفوا على ثغر مهم من ثغور الدفاع عن الإسلام وعدتهم في ذلك معرفة واسعة بطبيعة الإطروحات الغربية التي تتغيأ النيل من الإسلام، وإلمام كبير بالإسلام عقيدة وشريعة، وكان من ثمار ذلك أن صدرت عنه عدد من المؤلفات، في غاية الروعة، وتمثل إضافة مهمة لا لمكتبة الاستشراق وحسب، وإنما لمكتبة الفكر الإسلامي المعاصر، كونها صدرت عن أسماء مؤهلة ومعروفة في المشهد الفكري في الغرب بأن لها باعا طويلا في العلمية والموضوعية والإنصاف. وللاستشراق الغربي فصيلان آخران، لهما حضور فاعل في مسيرة الاستشراق أيضا، أحدهما وقف على ما وقف عليه الفصيل الأول من تجليات الحقيقة، وبدافع من الإنصاف كأهم شرط من شروط البحث العلمي وقف في مضمار المهنية العلمية، فانتصر للإسلام والمسلمين، واكتفى بهذه الخطوة، ويمثل هذا الفصيل أصدق تمثيل المستشرقة الألمانية زغريد هونكة مؤلفة كتاب شمس الله تسطع على الغرب الذي جلت فيه كثيرا من الحقائق الغائبة عن الإسلام والمسلمين، وأعلنت فيه دون مواربة أن الغرب مدين بما توصل إليه من نهضة علمية للمسلمين الذين وضعوا مداميك العلوم التي قامت عليها حركة النهضة من رياضيات وكيمياء وفيزيا وفلك وغيرها، ومع هذا البيان الصارخ فقد ظلت هونكة على ولائها للكنيسة، وذلك حسبها. والعجيب أن هذا الكتاب صدر في طبعته العربية بعنوان شمس العرب تسطع على الغرب بدلا عن العنوان السابق وذلك في فترة الذروة للمد القومي. أما الفصيل الثالث من فصائل الاستشراق فيصدق فيه المثل القائل حشفا وسوء كيلة فعلى الرغم من جلاء الحقائق وسطوعها إلا أنه قدم ولاءه للعقلية الصليبية على بديهيات البحث العلمي، فابتعد عن الإنصاف، وشوه الحقائق، وبذر الشبهات، ولعل أصدق ما يمثل توجه هذا الفصيل تلك المؤلفات التي أصدرها المستشرق بروكلمان والتي عمدت دوائر النشر في الغرب إلى نشرها وتوزيعها في طبعات متتالية زعما منها أنها تحتوي الحقيقة المطلقة. ومما يُحسب للفكر العربي المعاصر أنه عرّى هذا الفصيل وفضح كثيرا من شبهاته، مما جعله في دوائر الشبهة، وألقى عليه كثيرا من علامات التعجّب والاستفهام، فكان أن غير استراتيجياته، واستبدل أدواته، وأوكل المهمة إلى باحثين من داخل الصف العربي والإسلامي، الأمر الذي يفسر لنا سر تكاثر الأصوات الشاذة والدعوات الجريئة للتمرد على كثير من معطيات الإسلام وأدبياته. رحم الله مراد هوفمان.. فقد انتصر لإنسانيته حين انتصر للإسلام.