لم تتغير أولويات شعبنا خلال هذه المرحلة السيئة، من فراغ، ولم ننكفئ على ذاتنا لنرممها بلا أسباب، منها؛ انقلاب الهاشمية السياسية الكهنوتية الرجعية في صنعاء. وعملاء الاحتلال القديم الذين جددوا العهد للتدخلات الأجنبية في عدن. وكفاح مرير تخوضه المقاومة اليمنية والجيش الوطني في مختلف الجبهات. ظروف صحية بائسة. واقتصاد منهار. والحوثي وقوى الشر يتلاعبون بقيمة الريال. ويفتحون السوق السوداء وتهريب ثروات البلاد والاحتياط النقدي والمعونات عبر عمليات غسيل الأموال. واستثمارات مشبوهة للهاشمية السياسية في عَمان وعُمان والقاهرة وأبو ظبي وكوالالمبور وإسطنبول الخ. المواطن اليمني مقهور في مناطق سيطرة عصابات الهاشمية السياسية صاحبة الحق الإلهي المُطلق في الحكم، حيث أنها تصادر مرتبات الموظفين، وتجبي أموال الناس وخيرات البلد لإقامة الشعائر والطقوس الكهنوتية موالد ومآتم باسم الرسول وأحفاده، ومناسبات حروب الطائفة وذكرياتها المُستقاة من التاريخ المزيف، وكلها جبايات مفروضة على التجار المفلسين. وقهر الموظفين والموظفات على حضور طقوس بهلوانات الطائفة الفاطمية، مقابل "سلة السيد" والمُكونة من كم كيلو طحين محشو بالديدان، وزيت منتهي الصلاحية، وعلبتين صلصة فاسدة من سوء التخزين، وباكيت مكرونة وآخر شعرية رديئة التعبئة والتغليف والتصنيع والتخزين، ودبة غاز بنصف سعر السوق السوداء، وكله بفضل السيد عبده حوثي، والذي بات أباً روحياً لقيادات الصف الأول من المتحولين عن نعمة الجمهورية إلى وباء الهاشمية السياسية الكهنوتية، يُفسَر لهم القرآن بدون معرفة حتى بنطق الآيات كما هي في رسم المصحف، وبدون قواعد التفسير واللغة، لدرجة أنه يقول لهم أن القرآن "يلهمنا ونلهمه" وهم يهزون رؤوسهم من أثر الخشوع.
الصورة مزيفة وقاتمة بشدة، ومع ذلك يُطالب أحد واردات الهاشمية السياسية من حضرموت بالمساواة مع ساكني صنعاء!! الأمن والأمان والاستقرار الاقتصادي، بحسب ما يرسمه الإعلام المزيف ويتناقله التنابلة المزيفون عبر وسائل الإعلام، لا أحد يعيش كما يعيش سكان صنعاء ومناطق سيطرة الحوثي؛ الخوف من الانتهاك والجباية والبلطجة ومن الأحكام العرفية للزنبيات، ومرتزقة طهران يتصدرون المشهد تحت لافتة المُشرفين، المنحدرون من صعدة، حيث هبط الوحي الشيطاني على الرسي والحوثي، وبينهما منحرفين كثر عبر التاريخ، يكررون نفس الدعاوى والهرطقات، وشعارات البيت وآله والمظلوميات المختلقة.
بعض الناس في مناطق سيطرة جماعة الحوثي الإرهابية يسمح لهم النشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي في مواضيع لا تتعلق بفظائع العترة، وويلات السلالة المنحدرة من فضلات الرس والديلم وطبريا والعراق العجمي، يتحدثون عن البن والفن والبيض البلدي وترمب وفرنسا "وتنكا بلاد النامس" والتحالف، بكل حرية، لكن العلاقة المحرمة بين "حسن ايرلو" والزنبيات يعد من محظورات النشر. كل الهراء الذي ينشر هو تنفيس عن النفس لا أكثر، لكنه لا يلامس الواقع والناشرون معذورون بكل تأكيد، ومع ذلك هم يساعدون في رسم صورة مزيفة للآخرين عن الوضع في مناطق سيطرة أنصار الرب.
توشك البلد على دخول السنة السابعة من السنوات العجاف، ومازالت الأمور غير واضحة لبعض الناس بخصوص هذه الحرب، وكلما طالت الفترة تناثر الناس ونسوا قضيتهم المركزية، وهي القضية اليمنية، واختصارها في انقلاب مكتمل الأركان على الدولة والشعب وكل المؤسسات وإيقاف عجلة التاريخ اليمني، بعد أن أوشكت اليمن على التحول إلى دولة اتحادية مدنية، والاستفتاء على دستور جديد، ونظام حكم جديد. لقد أعاد الانقلاب المشؤوم بالوضع إلى الماضي القديم، وبسببه ظهرت الدعوات العنصرية الفاشية والشوفينية كردة فعل خرقاء لانقلاب أخرق، وتبعه انقلاب قروي مناطقي موازي ومساند ومعادل له. فصار لدينا انقلاب طائفي عنصري، وانقلاب قروي جهوي، وسلسلة من الأحلام الشيطانية والدعوات المناطقية وضجيج مصطنع، لم تسلم منه عواصم الوعي اليمني الثلاث؛ تعز، حضرموتوعدن، وبقية المحافظاتاليمنية. تعز لم تعد تعز فبحمدالله صارت "تعز والحجرية" كتابات وتزييف وعي عبر كُتاب وصحفيين وفيديوهات مشبوهة تؤصل للعنصرية القروية. فهذا زمن المزيفين بلا منازع.
لا أريد أن أخلق صورة قاتمة بل التنبيه إلى ضرورة الخروج من وهم المزيفين جميعاً، فبرغم كل الظروف شعبنا يُقاوم، في مختلف الجبهات من جبهة الحرف إلى جبهة البندقية. برغم انتهازية البعض وظهور طبقات الشحاتين في كل اتجاه، الذين لم تعد اليمن قبلتهم واتجاههم، فقد يمموا وجوههم نحو قبلات سياسية مزيفة في كل اتجاه؛ من طهران إلى عُمان، ومن أبو ظبي إلى الدوحة، مروراً بالرياض وعواصم أخرى.
يبدو أن هذا بختنا وقدرنا؛ أن نلم ما بعثرته الريح من ريشنا المتطاير في العصف الشديد، وهذا هو قدر الأحرار أن يلمُوا ما تبعثر، ويحافظوا على ما تبقى من قيم عليا وشيم يمنية أصيلة، لا يهمهم العَدد ولا العُدد.
فلاح واحد بإزار قصير وطمر موازي في الأعلى، حافي القدمين، ومحراث وثورين أشعبين يجرانه خلفهما. يزرع هذا الفلاح ما يكفي لأسرته ولعدد من الأسر. وهكذا يُعاد رسم المشهد؛ الفلاح في حقل المعرفة يحيى الروح اليمنيةالأصيلة في قلوب الآخرين، ففلاح يُحيى أسرة، وآخر يُحيى قبيلة وآخر يُحيى مدينة، وآخر يُحيى دولة. هذه متوالية بلاد الفلاحين قاهري الظرف، بلاد رعاة الغنم وصيادي الأسماك قاهري الألم.
من أين نبدأ يا عم؟ كما يبدأ الفلاحون من "مبكر" وكما يبدأ الرعاة والصيادين من "مسرى" لا شيء مخالف للطبيعة، اللوحة مرسومة بلا رتوش، ورائحة الحبر الذي رسمت به من ماء وطين، وعرق، وعبق التاريخ، وقسوة الجغرافيا. هنا نرسم الحلم جميعاً، فكلنا في الحلم يمن، وكلنا في الحلم "يمنيون" لدينا حلم، وقدر نصنعه بأيدينا وبأكفنا نرد القضاء.
اليمن وحدها لا سواها قضيتنا المركزية، في يوم تخلى عنا القريب والبعيد، ليس علينا تشتيت جهودنا أبداً في أي قضية أخرى مهما كانت أهميتها. إن ترتيب الأولويات يبدأ من هنا، من القضية اليمنية التي أسهبت في رسمها أعلاه، لنساعد أنفسنا أولاً، لنستعيد حقنا، لنبني دولة الأمة اليمنية أولاً، والباقي تفاصيل وسوالف وأهازيج بحارة وملالاة رعيان.