ترجّل فارس آخر من فرسان العمل الوطني والإنساني وفقدت عدن، ومعها كل اليمن، قامة نادرة في زمن قلّت فيه النماذج التي تجمع بين النبوغ العلمي، والنزاهة الأخلاقية، والتجرد في خدمة الوطن والمجتمع. برحيل الدكتور حامد فؤاد الشعبي، الذي وافته المنية إثر ذبحة صدرية مفاجئة هذا الأسبوع، تطوى صفحة رجل كرّس حياته للعطاء، متمسكًا بمبادئه، ثابتًا على مواقفه، متواضعًا رغم قامته العلمية والسياسية الكبيرة. ولد الدكتور حامد في عدن، المدينة التي أحبها بصدق ونذر حياته لخدمتها. أظهر نبوغًا مبكرًا، فكان من أوائل طلاب الثانوية العامة على مستوى الجمهورية، لكن تفوقه الدراسي لم يشغله عن قضايا وطنه ومجتمعه. وفي مطلع الثمانينات، وأثناء دراسته الثانوية، تعرض للاعتقال بسبب نشاطه الدعوي، إلا أن هذه المحنة لم تُضعف عزيمته، بل زادته إصرارًا على مواصلة دربه. أدى امتحاناته من داخل السجن وحقق نتائج مشرفة، ليواصل بعدها دراسته في كلية الطب بجامعة عدن ويتخرج منها بتفوق لافت، ويصبح من الكوادر الطبية المرموقة في عدن. لم يكن الدكتور الشعبي مجرد طبيب ناجح، بل كان إنسانًا استثنائيًا في تعامله مع مجتمعه. جسّد في حياته المهنية معنى الطبيب الإنسان، ففتح عيادته ووقته للفقراء والمحتاجين، وساهم في تنظيم الحملات الصحية والتوعوية في الأحياء الشعبية والمناطق المهمشة، واضعًا مهنته في خدمة الإنسان أولاً. سياسيًا، كان من الرعيل الأول المؤسس للتجمع اليمني للإصلاح في عدن، وترأس فرع الحزب في مديرية دار سعد عقب الوحدة اليمنية. خاض غمار الانتخابات النيابية ممثلًا للحزب عامي 1993 و1997، وانتُخب عضوًا في أول مجلس محلي لمحافظة عدن عام 2001، حيث عُرف بنزاهته، وحرصه على تطوير الخدمات وتحقيق تطلعات أبناء المحافظة. وكان في كل محطاته السياسية رجلًا متوازنًا، يحظى باحترام واسع من مختلف الأطياف والتوجهات. تميز الدكتور حامد برؤية وطنية شاملة، لم تحجبه انتماءاته التنظيمية عن الحوار مع الآخر، أو عن العمل المشترك لما فيه مصلحة الناس. لم يسعَ إلى الواجهة، بل كانت مواقفه تتحدث عنه. وكان في زمن الاصطفافات الحادة صوتًا للحكمة والاعتدال، مدافعًا عن قيم الدولة، وحاملًا لرسالة التغيير السلمي والعدالة الاجتماعية. واجه في حياته تحديات كثيرة، من التهميش إلى المضايقات، لكنه ظل صلبًا في مواقفه، وفيًا لقيمه، متمسكًا بمبادئه، دون أن يفقد تواضعه أو قربه من الناس. وهذا ما جعله حاضرًا في وجدان كل من عرفه، طبيبًا، وسياسيًا، وإنسانًا. برحيل الدكتور حامد فؤاد الشعبي، تخسر عدنواليمن أحد رموزها النبيلة الذين نذروا أنفسهم لخدمة الناس بصمت، وعاشوا مخلصين لقضية الوطن والعدالة، بعيدًا عن الأضواء والصخب. ستظل سيرته نبراسًا يهتدي به كل من يسعى للتغيير من أجل الإنسان، وسيبقى أثره ممتدًا في ذاكرة الناس وأعمال الخير التي زرعها في حياة كثيرين. رحم الله الدكتور حامد فؤاد الشعبي، وجزاه عن عدن وأهلها خير الجزاء، وألهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان.