هو الأستاذ، مكانته عند الجميع، حضور أنيق، ملهم. تلقاه كما لو أنه خارج للتو من الصلاة، فيه بشر، إقبال، اعتداد آسر، طيبة صادقة، أريحية وكرم أصيل فياض، مع دفء وحنو وشغف بالحياة واحتفال بالجمال والخصب وارتباط وثيق بالطبيعة والناس. برنامجه «فرسان الميدان» احتفال سنوي حبيب، فرح متنقل جوّاب، يسجل إيقاع الحياة في أرجاء البلاد يحتفي بالسعيدة، يمسح اليمن جسداً وروحاً وجهات ووجوه، يلتقط الروح والرائحة، يوثق للخصوصية اليمنية للثقافة المبثوثة في التقاليد والعادات، يعكس تنوع وتعدد البيئة اليمنية على مستوى اللهجة والزي والسمت، يركز الضوء على وجه اليمن بأحزانه وتجاعيده بتغضناته، بتفاصيله بأوجاعه الصريحة، بشحوبه المتزايد بكآبته وعتبه. يصور اليمن بارتباكها، بتلعثمها، بتلقائيتها، وعفويتها، بفقرها وغناها المتلازمين، بأشجانها الكثيفة، وأحزانها الثقيلة، بتزاحمها رجاء حظ أدمن الخلف منذ زمن بعيد، بتطلعها إلى فوز عابر يطفئ بؤسها المقيم يوماً أو بعض يوم. يحيى بعض الحياة الهابة في رمضان لم يكن يقدم برنامجاً اعتيادياً، كان يقدم شغفه الخاص، كان يقدم اليمن هذه البلاد التي أحبها وأحبته بقدر ماحببها إلى ذاتها هذا الميدان الذي بادله اعتراف الفرسان لأنه آمن به منبع فروسية ومبعث فوارس عظام. مازال يطير من أفق إلى آخر بروح شاعر محلق ململماً دهشته صوراً من ضوء وتعابير حية، مازال يتابع الغيوم يمسك بأذيالها في كل سماء، مازال يلاحق دفق الصباحات، شجن الأصائل بوح الأنداء رقصات المطر مطارداً الأطياف والظلال، باحثاً عن يمن آخر بهي وجميل يختبئ بعيداً عن مدن الضجيج والدخان. لم يزل يحيى يرينا فرح الإنسان البسيط بالجائزة المختبئة خلف السؤال ويرينا كم تهب الأرض إنسانها من جوائز وعطايا يمر عليها صبح مساء دونما سؤال. هانحن ذا نسافر في يحيى الجميل، نسافر في فضائله الكثار، نلملم نثاره من كل درب أزهر على وقع خطاه، هانحن ذا نطير في يحيى ويحيى سماوات رحيبة وآفاق حبيبة. هاهو الوطن الذي ذهبت إليه بحب يذهب إليك بوفاء تستحقه. من قال إن الأوطان لاتقدر الصدق والرجال الصادقين.. أي جنازة تلك يايحيى احتضر فيها الموت.. وحضرت فيها الحياة. سوف يحيا لن يموت سوف يحيا في البيوت سوف يحيا في القلوب في ارتعاشات الدروب فارساً من أمنيات ناثراً فينا الحياة
عزيزان في الإثر: وقلوبنا مكلومة نفجع برحيل زميلين عزيزين عبدالقادر موسى.. طارش فحطان، وهما رائدان لهما حضورهما الكبير في الساحة الإعلامية.. يتعاظم الفقد والحزن.. غير أن عزاءنا أنهما ممن تركوا أثراً يبقيهم أحياء روافع للحياة.. هو الموت رحلة لايتخلف عنها أحد.. رحلة إلى الوطن الأم إلى دار المعاد.. حيث تبدأ الحياة ولا تنتهي. رحم الله السابقين.. وألحقنا بهم في خير جمعاً في مستقر رحمته.