تصاعدت في الآونة الأخيرة حملة الاختطافات التي تنفذها مليشيا الحوثي بحق قيادات وأعضاء في حزب التجمع اليمني للإصلاح، في مشهدٍ يكشف عمق التوجس الذي يعتري المليشيا من الحزب، باعتباره أبرز حاملٍ للمشروع الجمهوري الذي واجه انقلابها منذ ساعاته الأولى. وكان آخر تلك الحملات ما شهدته محافظة ذمار، حيث نفذت المليشيا مداهمات واختطافات واسعة فجر الثلاثاء الماضي، طالت العشرات من قياديي وكوادر وأعضاء في التجمع اليمني للإصلاح بمحافظة ذمار، إلى جانب شخصيات تربوية واجتماعية أخرى.
وفي ظل هذه الحملات المتواصلة، يواصل حزب الإصلاح دفع فاتورة باهظة من التضحيات، ضريبة اختياره الواضح والحاسم الوقوف إلى جانب الدولة والنظام الجمهوري، متمسكًا بمبادئه الوطنية الراسخة، دون أن يساوم أو يهادن أمام مشروع السلالة والاستبداد.
تمسك راسخ بالموقف الوطني
منذ الانقلاب الحوثي على السلطة، ظل الإصلاحيون في مناطق سيطرة الحوثي متمسكين بموقفهم الوطني، رافضين أي شكل من أشكال المساومة أو التواطؤ مع المليشيا، ما جعلهم عرضة للملاحقة والاعتقال والمضايقة والحرمان من حقوقهم الأساسية.
وقال رئيس الدائرة الإعلامية للإصلاح في محافظة ذمار، فيصل الصراري، إن الإصلاحيين، في مناطق مليشيا الحوثي، لم يتحولوا إلى أدوات في المليشيا رغم الإغراء أو التهديد، بل ظلّوا يمثلون ضميرًا وطنيًا حيًّا في بيئة مغلقة وقاسية، وهو ما أزعج الكهنوت الحوثي وأثار حفيظته.
وأضاف، في تصريحات خاصة ل"الصحوة نت"، أنه ومنذ الانقلاب الحوثي، رفض الإصلاحيون التأقلم مع سلطة المليشيا، إذ لم ينخرطوا مع مشروعها الطائفي أو يسيروا في ركابها، بل ظلّوا يحملون قناعتهم الوطنية والجمهورية في صمتٍ وصبرٍ وحذرٍ شديد.
وأوضح أن هؤلاء الأحرار ظلوا جزءًا من المجتمع الخاضع لسيطرة المليشيا، لكنهم دفعوا ثمنًا باهظًا لصمودهم الأخلاقي والسياسي، فقد طالتهم حملات اختطاف، ومصادرة للممتلكات، وحرمان من الوظائف، بل وحتى الملاحقة الأسرية، فقط لأنهم تمسكوا بموقف لا يساوم على مبادئ الدولة والمواطنة.
حضور اجتماعي بارز
رغم توقف النشاط السياسي للتجمع اليمني للإصلاح في مناطق سيطرة الحوثيين منذ انقلاب 2014، إلا أن حضور الإصلاحيين لم يتراجع، بل تحوّل إلى طاقة اجتماعية فاعلة في ميادين التنمية والتعليم والعمل الإنساني، ما شكّل مصدر إزعاج متزايد للمليشيا.
اتجهت قيادات وأعضاء الإصلاح في تلك المناطق إلى خدمة المجتمع عبر تصدرهم لمشاريع تنموية وإغاثية متنوعة، تشمل رصف الطرق وبناء المدارس والتعليم، مستثمرين تراكم رصيدهم الاجتماعي وثقة الناس بهم، الأمر الذي جعل من الإصلاحيين بمثابة شريان حياة محلي يعيد إنتاج حضور الدولة على نحو بديل وعملي.
أثارت هذه الدينامية لدى المليشيا قلقًا عميقًا، لأن النفوذ الذي يبنيه الإصلاحيون ليس سلطة سلطوية قابلة للمصادرة، بل شبكة اجتماعية تتغذى على ثقة الناس وخدمة حاجاتهم؛ وهنا يكمن تهديد النظام الحوثي الذي يسعى لاحتكار كل مظاهر السيطرة بالمفهوم القسري.
وعلى مدى عشر سنوات، جسَّد الإصلاحيون، قيادات وأعضاء، في مناطق سيطرة المليشيا نموذجًا نادرًا في الثبات الوطني، إذ واصلوا خدمة مجتمعاتهم دون أن يهادنوا الانقلاب أو يشاركوا في مؤسساته، ما جعلهم هدفًا دائمًا للاستهداف والتضييق من قبل الأجهزة الحوثية.
واعتبر محللون أن هذا الحضور المدني الهادئ هو ما يثير رعب المليشيا أكثر من أي نشاط سياسي، لأنه يعكس حيوية الفكرة الجمهورية في الوعي الشعبي، ويؤكد أن الإصلاح، حتى حين يُمنع من السياسة، يبقى قوة بناء اجتماعي تذكّر الناس بالدولة والمواطنة.
خوف حوثي
تأتي هذه الحملة الحوثية ضد قيادات وأعضاء الإصلاح في وقتٍ تعيش فيه المليشيا واحدة من أكثر مراحلها هشاشة، وسط تصاعد الخلافات بين أجنحتها وتراجع قدرتها على ضبط مناطق سيطرتها، لتلجأ كعادتها إلى أدوات القمع والاختطاف والابتزاز في محاولة للتغطية على أزماتها الداخلية.
في السياق، أشار فيصل الصراري، إلى أن هذا التصعيد الحوثي ليس حدثاً عابرا، بل تعبير عن أزمة ثقة عميقة داخل المليشيا نفسها، وشعورها بأن أي مساحة سياسية، أو حتى حضور اجتماعي، خارج سيطرتها تمثل تهديدًا مستقبليًا لوجودها وسلطتها.
وبيَّن أن الإصلاح برمزيته الاجتماعية والسياسية، يُعد الخصم الأكثر حساسية بالنسبة للحوثي، مشيرًا إلى أن المليشيا تسعى إلى إعادة ترتيب المشهد في مناطق سيطرتها عبر كبح أي صوت رافض يمكن أن يشكل نواة لتكتل سياسي أو اجتماعي مناوئ.
ولفت إلى أن مليشيا الحوثي تسعى أيضًا إلى شيطنة خصومها أمام جمهورها الداخلي، وإعادة إحياء خطاب "محاربة العملاء والخونة" لتبرير الأزمات المعيشية التي تسببت بها، وذلك بهدف محاولة تخفيف الضغط الشعبي الذي يتسع و يتنامي كل يوم.
وشدد على أنه وبرغم القمع، فإن حضور الإصلاحيين المعنوي والفكري لا يزال مؤثرًا في المجتمع المحلي، ويشكّل رصيدًا وطنيًا وسدًّا منيعًا أمام محاولات مليشيا الحوثي لإعادة هندسة المجتمع، أو إحداث تغيير ديموغرافي في مناطق سيطرتها.
استهداف للفكرة الجمهورية
لم يكن استهداف الإصلاح حدثًا عابرًا في سجل القمع الحوثي، بل سياسة ممنهجة نابعة من إدراك المليشيا أن الفكر الجمهوري الذي يحمله الحزب يشكّل التهديد الأبرز لبنية مشروعها الكهنوتي. فكلما اشتد مأزق المليشيا، عادت لتُهاجم الإصلاح وكوادره.
ويرى محللون أن حزب الإصلاح يمثل، في نظر الحوثيين، العائق الأهم أمام تثبيت حكمهم في مناطق سيطرتهم، بالنظر إلى حضوره الشعبي الواسع ونشاطه السياسي والاجتماعي الممتد، ما يجعل استهدافه وسيلة لإضعاف المجتمع قبل الحزب ذاته.
بدوره، قال الناطق باسم حزب الإصلاح، عدنان العديني: "في السلم كما في الحرب، يشعر الحوثي بضآلته كلما واجهه الإصلاح"، مشيرًا إلى أن الحوثي ظن أن السلاح المنقلب على الحوار قادر على ابتلاع اليمن، لكنه ما زال يصطدم بالإصلاح ككيان وطني راسخ.
وأضاف العديني في تغريدة على منصة X: "الإصلاحيون أبناء هذا المجتمع وأبرز علامات تحوّله إلى العصر الجمهوري. المجد للرجال الثابتين على إرث الزبيري، الممسكين بيمنيتهم المتجذرة في الوجدان، إيمانًا في القلب وثباتًا على الأرض."
ولذلك، تسعى المليشيا إلى اجتثاث أي نفوذ أو تأثير للإصلاح في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، عبر الاعتقالات والمصادرات والتهجير، في محاولة لإخماد الصوت الجمهوري الذي لا يزال يذكّر اليمنيين بخطر المشروع الإمامي المتجدد.