إن تعرض الأطفال لمواقف وأفعال العنف وبخاصة العنف الشديد والمتكرر، إنما يمثل بكل المقاييس توقفاً لمسيرة نمو الطفل أو انحرافاً به أو تعطيلاً وتعويقاًَ له، وانغلاقاً في عملية تفتح إمكاناته واستنزافاً لطاقاته، بقدر مايتمثل أيضاًَ العنف الموجه ضده انتهاكاً لحقه في النمو والحياة.. فيما يلي نستعرض قضية طفلين تعرضا لأبشع أنواع العنف.. (خديجة) غادرت الحياة بعد تعذيبها بشدة كعصفور جريح ضمه اللحد قبل الاستمتاع بطفولتها التي نهشها العنف. (محمد) ضرب بشكل وحشي لم يرحم الجاني جسده الغض وصراخه الذي أدمى جسده ورحل دون أن يلتفت للوراء. حوادث العنف ضد الأطفال ظهرت بشكل مرعب على السطح وبأشكال بشعة لم تكن في السابق بهذه الصورة.. بل كان أكثرهم يموتون خلف الجدران أصبح الأطفال هدفاً سهلاً لكل من تسول له نفسه إشباع رغبته المتوحشة سواء بالانتقام قتلاً وحرقاً وضرباً، أم بالاغتصاب.. وغيرها من الأساليب السادية التي تسكن تلك النفوس المتوحشة.
وحوش بشرية البراءة في وجه (خديجة) تجبرك على النحيب لقتل طفولتها وتقسم أن من قتلها لا يملك قلباً بين حناياه ولم تعرف الرحمة طريقها إليه. قُتلت (خديجة) وهي في الرابعة لأنها تبولت في بنطالها.. فما كان من زوجة أبيها إلا إيساعها ضرباً وركضاً وحرقاً انقضت عليها كوحش مفترس أجهز على فريسته دون رحمة. تقول عمتها (أم أيمن): انتقلت خديجة من حضن أمها بعدما بلغت أربع سنوات إلى أبيها فلقد كانت حياتهما مليئة بالمشاكل وتم الانفصال بعد ولادة (خديجة) اضطرت الأم أن تسلم طفلتها لأبيها لكثرة المشاكل والقيل والقال ولأن الأم يتيمة ضغط عليها أخوتها تسليم الطفلة إلى أسرتها. كانت زوجة الأب تتعمد أن لاترى أولادها (مريم – وإبراهيم) لتحرق قلبها وعندما انضمت (خديجة) لأخويها ثارت ثائرتها واستحلفت بهم وقالت بالحرف الواحد أمامنا «هي حرة في ضربهم ولا أحد يتدخل!!». ظلت (خديجة) عندها (شهراً ونصف) حتى يوم 6/6 السبت اتصل أبوها بزوجي قائلاً له: (خديجة توفيت أخوها ضربها وماتت). أنا صرخت وقلت بل قُتلت (خديجة) قتلتها خالتها. اتصل جدها وأعمامها بأبيها وطلبوا منه ألا يدفنها إلا بعد رؤيتها، حاول الأب التحجج بدفنها ولكن جدها صمم على ذلك، وبعد ذلك أخذوها إلى مستشفى العلوم والتكنولوجيا للكشف عليها ووجدوا فيها رضوضاً وكسراً في عظمة الصدر، تشقق (الرئة) مما تسبب في نزيف داخلي إضافة للجرح والحروق السابقة على جسدها. وتابعت (دخل عمها وعم عمها لرؤيتها في ثلاجة المشفى وعندما رأوا جسدها صرخوا وتأكدوا أن خديجة ماتت قتلاً، وأبلغوا المباحث للتحقيق في الأمر، ولكن القضية سارت بشكل خاطئ لدخول أناس فيها أقنعوا الجد بالتنازل.. وضاع دم خديجة هدراً. انتقلنا بالحديث لأختها مريم والشاهدة على حادثة الاعتداء هي وأخوها إبراهيم، فقصت لنا كيف تم قتل أختها خديجة. تقول مريم -9 سنوات- ظللت أنا وإبراهيم عند خالتي بعد طلاق أمي.. كانت خالتي تضربنا وتحرقنا بالملاعق والسكين وتضرب رؤوسنا في الجدار، وتجبرني على تنظيف البيت والغسل والانتباه على طفلتها الصغيرة، أخي إبراهيم مريض كان يتبول أو يتبرز على بنطاله كانت تحرقه كلما فعل ذلك. أما ذلك اليوم في الصباح تبولت (خديجة) في بنطالها وعندما رأتها خالتها قامت بضربها وعضها بقوة ولما كانت تصرخ وضعت ملابس داخلية في فمها كي لا تصرخ بل إنها حرمتها من الطعام وجعلتها تأكل «كدمة» يابسة، وركلتها في صدرها وعادت تضربها (بالمحواش) لم تتحرك خديجة بعدها وظلت جالسة حتى اللعب ماتلعب، ذهبت خالتي «للعرس» وخديجة كما هي وتبولت وتبرزت ثلاث مرات وأنا أغسل لها وعندما رجعت خالتي ورأت ملابسها في الحمام عاودت ضربها وضربتها بقوة في رأسها. وأضافت مريم ببراءة أمي لم تكن تضربنا هكذا.. كنا نعمل كل شيء ولكن لا تضربنا. وتابعت: طلبت خديجة أن أسقيها فأعطتها خالتي فشربت ثلاثة كؤوس ثم تمددت ولم تتحرك: صرخت بها خالتي ولم تتحرك وآخر كلمة قالتها (ماما) وماتت! أنا كنت خائفة جداً لا أستطيع التحدث لأنها كانت تهددني بأنها ستضربني.. إن أنا أخبرت أحداً عندما كانت تضربني أنا وأخوتي، بل قالت لي أن أقول إن أخي إبراهيم هو من ضرب خديجة وقتلها. وعن شعورها لفراق أختها قالت: أحب خديجة وحزينة على أختي ولكن خديجة في الجنة.. والله سوف ينتقم لها.
(أم خديجة): (وكلن عليهما ربي). جاء صوت الأم عبر الأثير مكلوماً حزيناً يتقطع ألماً، تحدثت قائلة لم أعرف أن ابنتي قتلت إلا بعد خمسة أيام لأنهم قالوا لي إنها ماتت طبيعي ولا أستطيع رؤية صورها لأن نفسيتي لا تتحمل ذلك. أبوها مشارك في الجريمة لأنها قبل أسبوعين من الحادث ضربتها حتى كسرت يديها وهو يرى ذلك ولم يتحدث بل قال لي إبراهيم إنه كان يقول لزوجته (إضربيهم)؟!!! وعن شعورهم تحدثت: (لم أذق شعور الحزن بهذه الصورة إلا على خديجة، ولكنني فوضت أمري إلى الله وأنا منتظرة عدل الله فيهم وأن ينتقم لي من عنده) وأحسب أن ذلك جاء فرجاً لأخوتها الذين ذاقوا العذاب والضرب الشديد منها أمام أبيهم. واختتمت بقولها: القلب فيه ما فيه وحسبي الله ونعم الوكيل فيهم.. دفنت (خديجة) بأوجاعها وآثار الحروق والضرب التي صاحبتها في لحدها، ولكنها شاهدة حية للعنف الممارس من وحوش فقدوا الرحمة، روحها البريئة ترفرف وتطلب العدالة.
(محمد) ضحية اعتداء.. ووحشية أن يكون الأطفال هم ضحايا الخلافات هذا ضرب من الجنون (محمد) نموذج لطفل لم يكن له ذنب سوى أن أسرته وجيرانهم على خلاف لبوابة بينهما، ساد الحكم لصالح أسرته مما فجر رغبة الانتقام في صدور جيرانهم، فطبقوا أبشع صور العنف والاعتداء على جسد (محمد). ذهب (محمد) في 29/3 إلى مدرسته ووصل صفه الثاني الابتدائي ككل يوم دراسي تفاجأ الجميع بوجود شخص مريب يدور حول الفصول وداخل ساحة المدرسة يغطي وجهه، لم يتجرأ أحد على سؤاله حتى جاء وقت ذهب الطلاب لبيوتهم، خرج محمد إذ بيد الجاني تعصر رقبته وتزمجر غضباً أن إذا صرخ سيقتله أمام مجموعة من الطلاب سحبه إلى فصول خربة وخلع ملابسه وأخرج سلك كهرباء وقام بضربه «كان محمد في حيرة وذهول وألم مبرح يصرخ فيكمم الرجل فمه بقوة حتى لم يعد يشعر بشيء بعد ركله في بطنه وفقد الوعي». تقول أمه ورأت أحد المدرسات الجاني يقفز من السور.. أما محمد فقد سحب نفسه بعد أن استيقظ وظل يرتجف خائفاً من عودة الجاني.. وصل إلى طرف الشارع ولم يعد يقدر على المشي فرآه طلاب وأخبروا أخاه الذي كان يبحث عنه فأتوا إلى عندي وأغمي مرة أخرى عليه أمام الجميع ظننت في البداية أن سيارة صدمته، ولكنني عندما أخذته إلى المستشفى رأيت آثار التعذيب وكتب الطبيب تقريراً بذلك عن وحشية الجاني الذي لم يرحمه. (محمد) يتبول دماً بسبب الركل على بطنه كما أنه يرتجف خوفاً إذا سمع صوتاً أو رأى عراكاً في الليل يصرخ ويبكي نظراته زائغة شاردة لا يخرج أبداً من البيت. تتابع والدته: عرضنا القضية في القسم.. وتقاضينا ورغم أن ولدي تعرف على الجاني «ع.ع» إلا أنهم أخرجوه ليكن مصدر خوف ورعب لأطفالي. بعدها بمدة تم اختطاف ولدي يوسف وظل ثلاثة أيام في تعز حتى استطاع الفرار من خاطفه واتصل بنا، وأخذه أحد الخيرين إلى الفرزة «ورجع النيابة خائف ومرعوب». وأضافت: «طوال هذه السنوات لا نعرف أننا أذينا أحداً، ولم يحصل منا أي شيء إلا بعد أن حدثت المشاكل بيننا وبين هؤلاء الناس.. ولكن ماذنب هؤلاء الأطفال ويصل الحقد إلى هذه الدرجة من الوحشية.
يسكنهم الخوف (مريم وإبراهيم ومحمد ويوسف) أطفال يسكنهم الخوف والرعب ذاكرتهم الألم والحزن، مشاعرهم وأحاسيسهم شاخت قبل أوانها، عنف قاتل نهش طفولتهم البريئة بلا ذنب أو جُرم، أحقاد أحرقت أيامهم، وقُتلت (خديجة) وأمثالها كثير بسبب العنف الموجه ضدهم أشعرهم انخلاعهم عن فرديتهم وإنسانيتهم واغترابهم عن ذاتهم وانتقاص لإنسانيتهم وانتهاكها. أطفالنا اليوم في مواجهة مارد العنف الذي حول أجسامهم بذواتهم إلى إحساس بالتشيؤ أي أنهم مجرد أشياء غير حصينة وعرضة للسقوط والانجراح أمام بطش قوة قاهرة لوحوش بشرية لا تعرف الرحمة.