إن الإدارة تعتمد اعتمادا كبيرا على مهارات الأفراد العاملين فيها، وقد اتسعت أساليب ومجالات الإدارة وتنوع أشكالها، وأصبحت اليوم علما مستقلا بذاته يستطيع الملائمة بين الواقع والإدارة المناسبة والكفيلة بحل الأزمات والإشكاليات القائمة وذلك عن طريق البحوث العلمية. بينما نحن في بلادنا لازالت الإدارة عاجزة عن وضع الحلول المناسبة للأزمات والإشكاليات المتصاعدة التي بدورها ساعدت على انتشار الفساد. ويحاول القائمون على إدارة شؤون البلاد أن يصرفوا أنظار الناس عن القضايا الأساسية والهامة، لغرض تحقيق مصالح ذاتية ضيقة تتمثل في الحصول على أكبر قدر من الموارد والمزيد من السلطات. وهذه هي الإدارة الفاشلة التي لا تستطيع تحريك عجلة التنمية إلى الأمام وكذا معالجة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتثبيت الاستقرار والوئام والسلامة الاجتماعية. مع هذا لم تعترف الإدارة اليمنية بالأزمات الواقعة، والتي أوصلت البلاد إلى مآسي خطيرة جعلت معظم الناس في حالة من العوز والضنك، وقد تجسدت مظاهر هذه الأزمات في الكثير من الممارسات غير العادلة، وعدم تطبيق القوانين وعدم المساواة وتعثر عملية التحول الديمقراطي وغياب شروط النزاهة والتكافؤ في الانتخابات وإفراغ التعددية الحزبية من مضمونها الحقيقي وتزايد الانتهاكات لحرية التعبير وارتفاع نسبة معانات المواطنين في لقمة العيش وضمان حقوق الإنسان واستفحال الفقر والبطالة والتراجع في مستوى خدمات التعليم والصحة والكهرباء والمياه والفشل في معالجة الوضع الاقتصادي وسد منافذ وآفاق التغيير السلمي وإطلاق يد الفساد. لذا أخذت الأزمات تتسع وتكبر وتتصاعد وتتفاقم وتستفحل حتى بلغت الأزمة الوطنية ذروتها بتفجير حالة غير مسبوقة من الغليان الجماهيري في المحافظات الجنوبية إضافة إلى الانفجارات المتكررة للحروب في صعدة. وهنا لم تعد الإصلاحات السياسية خيارا بل أصبحت ضرورة لا مفر منها لتتدارك حالة التدهور المطردة في الأوضاع العامة، والتي كانت نتيجة لعدة عوامل أبرزها يتمثل في: عدم تعميق الروح الوطنية في عقول الناس وترسيخ الهوية والانتماء الوطني (حب الوطن) وذلك من خلال الممارسة العملية في الواقع حيث لم تدرك هذه المساءلة إلا في وقت متأخر جدا. وحتى نعطي هذا الأمر حقه ينبغي أن يكون حب الوطن هو المعيار الأساسي في تحقيق المصالح الخاصة والعامة، وليس كما هو واقع في الوضع الحالي حيث تجد الفاسدين والمجرمين هم الذين يحصلون على الامتيازات الخاصة والعامة. إضافة إلى انتشار الفساد الذي يعتبر مشكلة سياسية في المقام الأول، فالاستبداد والتخلف السياسي وغياب القيادة السياسية الراشدة، يؤدي إلى نشر القيم المنحرفة وضعف سيادة القانون والنظام لصالح المتنفذين وأصحاب المصالح غير المشروعة، فعلى صعيد توزيع الثروات والدخل في المجتمع تزداد الفوارق في الدخل وتحتكر الثروة بيد القلة من الناس وعلى حساب الأغلبية المسحوقة، كما إن الفساد يؤدي إلى ضياع المال العام وسرقته بطرق مختلفة مما يؤثر على الإمكانيات المالية للدولة وهو ما ينعكس سلبا على أدائها العام وتدني مستوى الخدمات العامة المقدمة للمواطنين وضعف الإنفاق على التنمية وعلى مشاريع البنية التحتية وغياب الاستثمارات، وهذا بدوره يؤدي إلى مزيد من التدهور في الحالة المعيشية للناس. إلى جانب غياب العدالة وما تشهده البلاد من سفك الدماء وهتك الأعراض ونهب وسطو وقسوة، إنما هو نتيجة طبيعية للظلم، وقد يكون منبع الظلم يعود إلى حالة تسلط الأهواء والغرائز، لذا فإن الظلم يسير بالحياة الإنسانية سيرا خاطئا نحو الهاوية حيث تم الاستبداد ومصادرة حرية الناس واستخدام السلطة في قهر عباد الله واستضعافهم واعتقالهم وتكميم أفواههم. وهنا لابد من العمل على تكتيل الجهود الوطنية لتشكيل رافد قوي للتغيير السلمي، وإخراج البلاد من وضعها المأساوي الحالي وقبل فوات الأوان، وهذا يتطلب مساندة جميع القوى الوطنية الحرة وكذا جميع أبناء شعبنا الشرفاء، في هذه المهمة النبيلة، خاصة وإن الحزب الحاكم قد رفض الشراكة الوطنية منذ عام 1997م بل عمل على إبعاد جميع القوى الوطنية من المشاركة في إدارة شؤون البلاد وعمل على احتكار السلطة تحت مبرر حصوله على الأغلبية المريحة في الانتخابات العامة.