ما الذي يجري اليومَ في محافظةِ تعز؟ وما خلفيَّةُ التجاذباتِ التي تشهدُها المحافظةُ بينَ المحافظِ من جهةٍ وبينَ مكوِّناتِ المجتمعِ المدني من جهةٍ أُخرى؟ وأينَ موقعُ اللقاءِ المشتركِ في خارطةِ هذه التجاذبات؟ ولماذا ازدادتْ الفوضى في الآونةِ الأخيرةِ؟ وما الأسبابُ التي تقفُ وراءَ التدهورِ الأمني؟ وما الآليةُ التي تحكم مسارَ التغييرِ في هذه المحافظة؟ هذه الأسئلةُ كانتْ عناوينَ حوارٍ شيِّقٍ مع الأستاذ عبدالعزيز سلطان المقْطري أحدِ قادةِ العملِ التربوي، ونقيبِ المعلمين في محافظةِ تعز.. فإلى التفاصيل... * ما الذي يحدثُ اليومَ في تعز؟ - ما يحدث اليوم في تعز، هو حلقةٌ من سلسلةٍ بدأتْ منذ 4/4/2012م، حينا ذهبنا في وفدٍ من عشرين شخصية من وجهاء محافظة تعز برئاسة الدكتور عبدالله الذيفاني رئيس المجلس الأهلي لمقابلة الأخ عبدربه منصور رئيس الجمهورية، وكانت المحافظة يومها تعيشُ فراغا إداريا، فقدَّمنا له مذكرة تحمل سبعةَ عشر مطلبا، كان أول مطلب فيها: تعيين محافظ ذي كفاءة واقتدار لسد الفراغ الإداري، على أن لا يكون محسوبا على النظام السابق، حتى تكافأ هذه المحافظة التي انطلقت الثورة منها بمحافظ يحقِّقُ لها الأهداف التي خرجتْ جموع الناس من أجلها، ومن هذه المطالب أيضا تغيير الفاسدين، ومطالبُ أخرى تتعلَّق بالمسيرة التنموية للمحافظة، وبعد ثلاث أيام صدر قرار بتعيين الأخ شوقي أحمد هائل محافظا لتعز، فحرصنا يومها على أن نلتقي به، وذهبنا إليه يوم 19/4/2012م بنفس المجموعة التي قابلت الأخ رئيس الجمهورية، ورحَّبنا به، وقلنا له يومها: نتوقعُ منكَ وأنتَ ابنٌ بارٌ للمحافظة أن تنهض بها، وذكرنا له ذهابنا إلى الرئيس، ثم قدَّمنا له نفس المطالب، وأكَّدنا له على أهمية التعاون فيما بيننا لتحقيق أهداف الثورة الشعبية الشبابية السلمية، فرحَّب الأخ شوقي بذلك، وقال بالحرف الواحد: أنه ليس مع التدوير، ولكنه مع التغيير، وحدَّد لنفسه مدَّة أربعة أشهر يحقِّق فيها هذا التغيير.. وها هو ذا العام يمرُّ، ويبدأ آخر، وما من تغيير، بل إنَّ الأمور مضتْ كما يعرف الجميع بمسارٍ لا يخدم الثورة الشبابية ولا المحافظة. * تكاد تكون إدارة التربية في تعز بؤرةَ الاضطرابات.. فكيف تصفُ لنا ما حدثَ فيها باعتبارك قريبا منها بحكم عملك التربوي، ورئاستك لنقابة المعلمين في المحافظة؟ - كما أسلفتُ ..فإن من ضمن مطالبنا كان مطلب تغيير القيادات الفاسدة، وكان مكتب التربية والتعليم أحد المواقع التي تتطلب تغييرا سريعا، خاصة وأن مدير التربية السابق حوَّل هذا المكتب ذات يوم إلى قلعة لضرب ثوار تعز، وهذا الرجل أُحيل إلى التقاعد بداية 2012م لبلوغه السن القانوني، فأصبح تغييره ملزما إلزاما قانونيا، وبعد أخذ وردٍّ بيننا وبين المحافظ، وبين المحافظ وصنعاء؛ قدَّم الأخ المحافظ عرضا إلى صنعاء بثلاثة أسماء في 2/2/2013م من بين هذه الأسماء منصور هزاع مقبل، الذي اختير من قبل وزارة التربية والتعليم، ورغم اختلافنا الأيدلوجي مع الأستاذ منصور إلا أن معرفتنا بمهنية الرجل جعلنا نقبل به، فكان محل ترحاب من جميع الأطراف، ثم صدر قرار من رئاسة الوزراء بتعيينه مديرا لمكتب التربية بتعز، بتاريخ 16/2/2013م، كما صدر قرار مزامن بتعيين خمسة رؤساء شعب للمكتب، رُوعيَ فيهم مهنيّتهم، كما رُوعيَ مسار المبادرة الخليجية باختيارهم بواقع اثنين من المؤتمر الشعبي، واثنين من اللقاء المشترك، والخامس مستقل، فرحّب الأخ المحافظ بهذه القرارات، واشترط أن يضعَهم تحت التجربة لمدة ستة أشهر، لكنه للأسف الشديد لم يمكِّنهم من عملهم، فقد ظلَّ يتلكأ في ذلك، وبعد مدة قال للأستاذ منصور هزاع بالحرف الواحد: عدْ إلى وزيرِك، فأنا لن أنفِّذ القرار، وحين علمَ وزير التربية بذلك؛ عقَّب برسالة للمحافظ لعمل دور تسليم واستلام بين السلف والخلف، فلم يعرْها المحافظ أي اهتمام، فأصدرنا في نقابة المعلمين بيانا ندعو فيه إلى تنفيذ القرارات، وحدَّدنا مهلة لذلك، فانقضتِ المهلة ولم ينفَّذْ من القرارات شيء، فأقمنا اعتصاما أمام مكتب التربية لذات المطلب بدء في 25/3/2013م، وتصوَّرْ معي كيف أنَّ نقابةً ما تطالبُ جزءا من السلطة بتنفيذ قرارات السلطة!!، وكنا نتوقع أن يستدعينا المحافظ للخروج بحلٍّ لكنه آثر السكوت، وبعد خمس عشرة يوما علقنا الاعتصام مراعاة لسير العملية التعليمية، وقرَّرْنا الاحتكام مع المحافظة إلى السلطة المركزية بصنعاء، فذهب وفدٌ إلى صنعاء لذلك الغرض، وفي الأثناء أصدر الأخ المحافظ تكليفا لعبدالعزيز المخلافي بإدارة المكتب، وبذلك اصطدم المحافظ بقرارين: قرار مجلس الوزراء بتعيين منصور هزاع، وقرار مجلس الوزراء الذي صدر قبل شهر بمنع المحافظين من تعيين مدراء. * لكنَّ ما فعله المحافظ هنا يندرج تحت صلاحيات الحكم المحلي كما يرى المحافظ نفسه؟ - الحكم المحلي الذي يتذرَّع فيه المحافظ لا يمنح المحافظ حقَّ تعيين المدراء، ثم أنَّ المحافظ نفسه جاء بتعيين لظرف استثنائي، ولم يأتِ بانتخاب كما يقرِّر قانون السلطة المحلية، فكيف يتناسى الأخ المحافظ ذلك، ونحنُ في ظرف استثنائي تحكمه المبادرة الخليجية وآلية التوافق المتفق عليها. * ثم ماذا؟ - ثم أنَّ وزير التربية حين علم بتكليف المحافظ للمخلافي بإدارة المكتب أصدر قرارا بتشكيل لجنة استلام وتسليم بين المدير السابق ومنصور هزاع المعين بتلك القرارات، فوصلتْ اللجنة إلى تعز، وحدَّدتْ موعدا في مكتب التربية لهذا الإجراء غير أن المدير السابق امتنع عن الحضور، فأكملتِ اللجنة إجراءاتها ووقعتْ على محضر بذلك، في 11/4/2013م، فاستلم المدير الجديد عمله يوم 16/4/2013م، ليُفاجأ الجميع في اليوم الثاني بمجاميع مسلَّحة تداهم المكتب، وتقوم بإخراج الموظفين، وإغلاق المكتب من الداخل، ثم صعدوا يستعرضون بأسلحتهم على السطوح، فأصدرنا في النقابة بيانا دعونا فيه المعلمين إلى الإضراب حتى تخرجَ هذه المجاميع المسلَّحة، فتدخَّل مدير أمن المحافظة، وتواصل مع هذه المجاميع التي خرجتْ من المبنى في نفس اليوم، ولا يزالُ المكتب -حتى إجراء هذا الحوار- مع إدارة الأمن. * ما الذي يقفُ خلف هذه الفوضى في تعز من وجهة نظرك؟ - للأسف الشديد -ومع احترامنا الكبير للمحافظ- فإنه لم يكن موفقا في إدارة المحافظة، ربما لأنَّ إدارة الرجل لا تقوم على خبرة سابقة، خاصَّةً وأنَّ محافظة تعز من المحافظات الكبيرة، وهي محافظة المثقفين، كما أنَّ قادة العمل السياسي معظمهم من هذه المحافظة، وعليه فقد تعدَّدتِ مطالب التغيير: في التربية، وفي الجامعة، وفي الصحة، وفي الإنشاءات، وفي الكهرباء، فهناك ثورات واعتصامات أمام هذه المؤسسات، تقودها النقابات، وتطالب بالتغيير. * هناكَ من يرى أن القضية أكبر من سوء إدارة المحافظ، فثمة مشاريع شتّى تعيق التغيير، وتنعكس ضعفا على المشهد السياسي كليا، وتتسيد الساحات بشكل واضح ومنها تعز؟ - الساحات مفتوحةٌ، والعمل الديمقراطي متاحٌ للجميع، ونحن لا نحجر على أحد، وعلى المحافظ في هذه الحالة أن يقفَ على مسافة واحدة من الجميع، وأن يكون قانونيا ومهنيا، فلا يتأثر بتوجيهات فلان، أو ضغط علان، أما بالنسبة للمشاريع التي تعيق التغيير فأعتقد أن عليها أن تدرك أنَّ الساحة مفتوحةٌ لكل الأنشطة السلمية. * هل صحيح أن هذه المشاريع نجحتْ إلى حدٍّ بعيد في حشْر اللقاء المشترك في المحافظة في زاوية ردود الفعل، متخليا بذلك عن مطالب التغيير؟ - أنا لست ناطقا باسم اللقاء المشترك، لكني كمتابع أشعر أنَّ هناك خلطا للأوراق، وهناك عقابٌ تتعرض له محافظة تعز، محضن الثورة، ومنطلق مسيرة الحياة، وواهبة الشهداء ذكورا وإناثا، ولا تزال صرخاتها الثورية مستمرة حتى اليوم، ولذلك فهي اليوم عرضة للانتقام، والزائر لمدينة تعز يلمح دون عناء مستوى التدهور الذي وصلتْ إليه، فالروائح النتنة على سبيل المثال أصبحتْ تزكم الأنوف، وقد وصلتْ إلى حد لم تكنْ عليه في أحْلكِ ظروفها قبلا، فهل هذه دبي أو ما يشبه دبي التي وعد بها الأخ المحافظ بداية تعيينه؟ ونحنُ هنا لا نطالبُ بأكثر من أن تكون مدينةً نظيفة مثل سائر المدن اليمنية النظيفة لا أكثر. * قبل أيام أعلنت تنسيقية الثورة في صنعاء تعليق الاعتصامات، بينما أعلن ثوار تعز بقاء اعتصاماتهم.. علام تدلُّ هذه المواقف المختلفة؟ وهل نحن أمام ثورةٍ واحدةٍ تقوم على التنسيق بين الساحات؟ أم أمام ثوراتٍ مستقلَّةٍ ومتعدِّدة؟ - نحن في نقابة المعلمين بتعز أصدرنا بيانا أيدنا فيه منظمة (عائدون للتغيير) في تعز، وهذه المنظمة الثورية ظهرتْ عندما بدأ التلكؤ في إحداث التغيير المطلوب في المحافظة، وفي اعتقادي أنَّ الثورة الشعبية تمتلك من قنوات التنسيق ما يجعلها كلا متناسقا ومتكاملا، وهذا لا يتعارض مع أن يتخذ ثوار المحافظات من القرارات ما يتناسب مع الأوضاع الاستثنائية التي تعيشها مختلف المحافظات، فأنا مثلا أشعر وأنا في صنعاء شعورا مغايرا عن شعوري وأنا في مدينة تعز، ففي صنعاء ثمة استقرار أمني، كما أن القرارات الشجاعة التي اتخذها الأخ رئيس الجمهورية أثمرتْ، وأعطتْ نتائج طيبة، وأنا مع أن تتَّخذَ الثورة تدابير مختلفة مراعاة لمثل هذه الظروف الاستثنائية، ثم أنَّ تعليق الاعتصام في أي ساحة لا يعني بأية حال من الأحوال توقف الفعل الثوري. * نعود إلى معركتِكم مع المحافظ....؟ - (مقاطعا).. هي ليستْ معركة، فنحن من حقِّنا أن نطالبَ المحافظ بحقوقنا القانونية والدستورية، كما أنَّني شخصيا أعتبر الأستاذ شوقي كواحد من أبنائي، وإذا لم ننقدْ بعضَنا، ونصحِّحْ أمورَنا فمَن الذي سيصحِّح مسيرتنا التنموية في هذا البلد إذن؟ .. فهي محاوراتٌ وليستْ معركة. * إذن نعود إلى محاوراتكم مع المحافظ والتي يقف فيها طرفان: اللقاء المشترك من جهة، والمحافظ ومن وراءَه من جهة أخرى.. إلى أين سينتهي الأمر من وجهة نظرك؟ - أنا أقول أن ما يدور الآن في تعز هو بين المنظمات النقابية من جهة وبين الأخ المحافظ من جهة أخرى، ولا علاقة للقاء المشترك بذلك، فما يحدث في التربية والصحِّة والإنشاءات والكهرباء وغيرها هو مطالباتٌ من الموظفين بالتغيير، بسبب الفساد المستشري والمسكوت عنه في هذا المؤسسات، وإذا كان هناك شيء بين المحافظ والمشترك كما أشرتَ في سؤالك، فنحنُ لسنا جزءا منه، نحن منظماتٌ مدنيّة تطالب الأخ المحافظ بحقوق هذه المحافظة كونَه المسئول عنها أمام الله، وأمام الشعب والتاريخ. * كواحدٍ من سكان تعز.. ما الذي يقف وراء الاختلالات الأمنية التي تتصاعد يوما بعد آخر؟ - حتى اليوم لم يحدثِ استقرار لإدارة أمن تعز، وأذكر أن العميد محمد السعيدي الذي تعين مديرا لأمن المحافظة عقبَ تشكيل حكومة الوفاق كان يجتهد اجتهادات موفَّقه في الحفاظ على أمن المدينة، ومن ذلك على سبيل المثال أنه كان يرسل دوريات تتعقب المسلحين في الشوارع، فإذا وجدت مسلحا قصت سلاحه بمنشار حديدي يسمى (الجلخ)، إلى قطعتين، ثم يُعطى له، لأنه يعلم أن مصادرة هذا السلاح لن تطول لأكثر من يوم واحد، فبدأ الأمن يستتب، لكنَّ السعيدي نُقل من عمله بطلبٍ من المحافظ، فجاء المقدشي، ولم يستمرَّ شهرين حتى نُقل من عمله أيضا، ثم جاء العميد علي الشاعري، وهكذا.. ومثل هذه التغييرات المستمرة أسهمتْ بشكل كبير في مثل هذه الاختلالات الأمنية. * إذن يُفهم من كلامك الآن أن آلية التغيير في تعز بيد المحافظ، ولا تحكمها آلية الثورة؟ - ومن الذي قال أن آلية الثورة هي التي تحكم مسار التغيير في تعز؟ فهناك من يريد أن يعيق مسيرة أهداف الثورة، وأنا هنا لا أتهم المحافظ، فربما كانت هناك أجندة أخرى، لعل بقايا النظام السابق واحدة منها، فالذي لديه القدرة على إخراج تلك المجاميع المسلحة لاحتلال مكتب التربية والتعليم في دقائق معدودة؛ لا شك أنه ما يزال قادرا على التأثير على المشهد ككل، غير أننا نعتب هنا على المحافظ سكوته. * فما المخرجُ إذن؟ - أنا من خلال مقروءتكم الموقَّرة أدعو الأخ رئيس الجمهورية شخصيا، والذي اجتهد في تعيين محافظ لتعز، إلى التدخل لوقف هذا التدهور المخيف، الذي قد يصل إلى أمرٍ لا يرضاه أحد، من غياب التنمية، والاقتصاد، والعمل الإداري، والخدمات، وفي المقابل تنامي الفساد والفوضى والاختلال الأمني، فلا بدَّ إذنْ من تدخُّل الرئيس لنبدأ جميعا بإعادة بناء هذه المحافظة. * فماذا عن الوفد الذي قابلَ الرئيس سابقا؟ - نحن نسعى الآن للقاء الرئيس ثانية، وسيكون ذلك قريبا إن شاء الله؟ * هل سيكون طلب تعيين محافظ آخر على رأس مطالبكم هذه المرة؟ - بلغني أن بيت هائل قدَّموا طلبا للأخ الرئيس لإعفاء شوقي من هذا العمل، ونحن في حقيقة الأمر لا نستعدي الأخ شوقي كشخص، فنحن نحترم بيت هائل احتراما كبيرا، فهي عظيمة في عيون أبناء تعز، بل وفي عيون اليمنيين جميعا، ولهم أيادٍ بيضاء في كل أنحاء اليمن، ولا يستطيع إنكارها أحد، وليس عيبا أن يعتذر إنسان عن عمل ليس له فيه خِبرة ولا تجربة، وأنت ترى مثلا كيف كان الاختيار موفقا في أمانة العاصمة برجل له خبرة وتجربة، وليس ذلك عيبا في حق شوقي، ولكنه اختيار غير موفق لأنه لم يراع التجربة والخبرة، وخاصة في محافظة كمحافظة تعز.