تزداد معاناة سكان الأحياء العشوائية في أمانة العاصمة يوما بعد يوم وتصبح أمراً لا يطاق جراء الحرمان من معظم الخدمات الأساسية والبناء العشوائي والتزايد المتسارع للسكان وعدم وجود خطط جادة للنهوض بهذه المناطق الآهلة بالسكان. لطالما اعتدت على العبور من أحد الشوارع القريبة من منزلي في منطقة وادي أحمد الواقعة في مديرية بني الحارث، أكبر مديريات أمانة العاصمة، إلا أنني في صباح الأسبوع المنصرم وأنا متجه إلى عملي ارتطم وجهي ببناية سكنية التهمت بين عشية وضحاها ومن دون سابق إندار واجهة أحد الشوارع بكامله ولم يتبق حتى مجال لعبور المارة. هذه القصة ليست من نسج الخيال حيث أصبحت مألوفة كثيراً لسكان الأحياء الفقيرة في العاصمة صنعاء حتى في المناطق التي أسقطت فيها المخططات السكانية. إن تقاعس أقسام الشرطة والمجالس المحلية وعقال الحارات وعدم تحملهم لمسئولياتهم وجديتهم في معالجة هذه الظاهرة يجعل منها أمرا يكدر حياة السكان في هذه المناطق. وأصبح كافة أبناء المنطقة على قناعة بتورط أعضاء المجالس المحلية وعقال الحارات وأقسام الشرطة في تعزيز هذه الظاهرة وتعميقها مقابل الحصول على مبالغ مالية من سماسرة الأراضي والعقارات. ورغم أن التعداد السكاني في هذه الأحياء قد تجاوز المليون نسمة كما أوضح أمين العاصمة مؤخرا، فإنهم ما يزالون يعانون من نفس إهمال وتجاهل الحكومات المتعاقبة منذ مطلع التسعينيات. لقد علق الكثير من سكان هذه الأحياء آمالا عريضة على ثورة التغيير واختيار عبد القادر هلال أمينا للعاصمة. وفعلا، تم اتخاذ إجراءات جيدة في بعض مناطق أمانة العاصمة لمنع ظاهرة البناء العشوائي، كما تم الحديث عن إيصال الخدمات إلى هذه المناطق وزار بعض المسئولين بما فيهم أمين العاصمة الكثير من المناطق في نهاية 2012 و مطلع 2013 ووعدوا السكان باتخاذ إجراءات عاجلة لحل مشاكلهم. وأطل أمين العاصمة على الكثير من وسائل الإعلام الحكومية والحزبية والمستقلة وقطع على نفسه الكثير من الوعود، الأمر الذي أعاد بوادر الأمل إلى قلوب السكان وبدأ الناس يرسمون في خيالاتهم صورا مشرقة لمستقبل هذه المناطق بعد عقود من الزمن. على أي حال، بعد بضعة أشهر من العمل الدؤوب والمساعي الحثيثة وفتح بعض الشوارع والنزول الميداني إلى هذه المناطق وإيقاف كافة أعمال البناء العشوائي ظهر التراخي بشكل ملفت مجددا وأطل الوجه العبوس للبناء العشوائي مرة أخرى مما أثار العديد من التساؤلات حول هذه الانتكاسة المريرة في معالجة أوضاع هذه الشريحة الواسعة من سكان العاصمة. إن التراجع الواضح في التعامل مع ظاهرة البناء العشوائي ومعالجة أوضاع السكان في هذه المناطق جعلهم يضعون تحليلاتهم الخاصة ويعزون مدى تفاعل أمانة العاصمة وتقاعسها إلى السياسة وعلاقة مسؤوليها بالأطراف السياسية المختلفة وتباين المواقف بين السياسيين وتغيير التحالفات بين فترة وأخرى. بالفعل، هناك مناطق عشوائية لا تكاد تجد فيها سوى مخرج ومدخل وحيد وفي حال وقع حادث أو زحام مروري ، تتعطل الحياة تماما ويصبح من الصعب الدخول إلى المنطقة أو الخروج منها، كما أن عدم توفر أقسام الشرطة بشكل كاف في هذه المناطق يرفع معدلات الجريمة والسرقات في هذه الأحياء. في صيف هذا العام، كادت الأمطار تغرق العديد من المنازل في بعض الأحياء جراء البناء العشوائي وعدم وجود شوارع لتصريف تدفقات المياه التي غمرت بعض المنازل، ووجد المتطوعون من أبناء المنطقة صعوبات كبيرة في إنقاذ الأسر المتضررة بسبب البناء العشوائي. وعلاوة على ذلك تعاني هذه المناطق بشكل حاد من ندرة المراكز الصحية وعشوائية الشبكة الكهربائية وتلوث المياه وتكدس المخلفات وطفح البيارات وعدم توفر المدارس الحكومية بشكل كاف مما يسبب عزوف الكثير من الطلاب والطالبات عن مواصلة التعليم. إن تراكم المشاكل في معظم أحياء الفقراء يحتم على أمانة العاصمة والحكومة سرعة وضع خطط استراتيجية لتأهيل هذه المناطق وإعادة الآمال المفقودة إلى قلوب الناس ووضع حد للعبث الذي يعمل على تكريسه البعض من أجل ملئ كروشهم التي لا تشبع إطلاقاً. *الجمهورية