ما يزال الرئيس محمد مرسي في ظننا وفي اعتقادنا رئيساً شرعياً بألف دليل ودليل، ومن يواجه أزمة الشرعية بكلِّ قسوتها هم الانقلابيون العسكريون وليس الرئيس مرسي، لقد قال كلمته وبقيت مصر من بعده بلاداً بلا رئيس يتكلم فيها فقط إرهاب الدولة الذي يبرَّر بأنه يواجه إرهاب الجماعة، وكان الرئيس مرسي صادقاً في الانحياز التام للقوة التي جاءت به وهي الشرعية الانتخابية والديمقراطية، بينما كان الانقلابيون العسكريون كاذبين كلَّ الكذب حين تكلموا عن إرهاب جماعة استدعوه من أرشيف المخابرات ولم نجده يصرخ في الشارع بغير شعارات التظاهر البريئة، وكان الرئيس مرسي ذكياً جداً حين فكَّ ارتباطه بحزبه واختار لنفسه ما يريده الآخرون ليطمئنوا، وكان الانقلابيون في غاية الغباء عندما اختاروا فقط من يؤمن بهم فحسب ويتنكَّر حتى لنفسه مقابل إغواء السلطة وسخريتها ممن يحبها!! أعتقد إذن أن الكلام ذو شجون وشجون ، وأننا لم نخالف فيه أنفسنا إيماناً حتى نقع في خصام غيرنا كفراً وبهتاناً وفريةً يمقتها الله ورسوله ويلعنها اللاعنون، من أين لنا مثلاً أن نوافق على انقلاب بررَّ نفسه بمحاربة الإرهاب ولم يستند على مادة واحدة في الدستور حين فعل ما فعل فقط بالحديث عن الخوف لتبَرٍّر الغرائز وحدها ما لا تقبل العقول الاعتراف به هو أمر مرفوض، أين هو الإرهاب الذي هدَّدت به جماعة الإخوان المسلمين منذ الخمسينيات والستينيات أو منذ اغتيال النقراشي والخازندار؟ والذي أصبح في حديث الإعلام المصري الانقلابي واقعاً كاملاً كلياً قاتماً يصرخ من مخاوف نفسه عند تخيلها ولو نزل الوحي في طمأنته؟! خرج الخارجون على مرسي في يوم وليلة إلى الشوارع لا يُحكِّمون إلاَّ القرآن، ثم نواجههم من جديد في هوى الصلاة خلف معاوية والأكل على مائدته معاً، يُحكِّمون الجيش ولا يُحكِّمون الشارع الذي انتفض، ينتصرون للرصاص الذي يقتل ولم ينتصروا للدم الساخن الذي أريق بمعدنٍ ودمٍ باردين ، طلب منهم السيسي تفويضاً شعبياً فجاءه التفويض من جبهة خراب مصر ومن أحزاب الوفد والسعديين والدستوريين الأحرار واليساريين وحتى النحاس باشا، ولم نجد شعباً بعد ذلك يتظاهر ضدًّ مرسي بل وجدنا جيشاً يذبح في يومٍ واحد وبشهادة قومٍ من أهلها ستَّة آلاف إنسان، وظل ميدان التحرير خالياً من أنصار الديمقراطية وامتلأت الأحياء بعسكر قوانين الطوارئ في مشهدٍ هو الهَزَلُ ذاته وعينه!! لماذا سيكون السيسي بالضرورة على الحق المبين، ونحن نقول " يا ليل يا عين الله يا ست " مسترجعين ذكرى عبدالناصر في ثورته أو انقلابه على الملك فاروق، أين هذا من هذا وأين ذاك من ذاك؟ الأمر غريب على السامع حين يتفكَّر ولا يجد غرابة في نفسه قائلة وهو يركِّب حروفه وأدواته وألاعيبه الكلامية كتاريخ عجيب وكريم يستردٍّه بعد لأيٍ وزمن، السيسي وللمقارنة البسيطة لا يستطيع أن يُركِّب جملةً واحدة بالعربية الفصيحة، وهو يستدعي كل قاموس التركيب العامي وبهزالٍ خطابي انفعالي لا يخفى على أحد، بينما عبدالناصر كان بليغاً ساحراً يتمكَّن من أدوات الكلام ومن مبضع الكلمات يشُقُّ بها القلوب أو اللحم هنا أو هناك، لم يستطع السيسي حتى اليوم أن يُخفِّف من حِدَّة التدافع الشعبي الذي يطالب بإسقاطه هو وانقلابه بخطاب واحد يظهر فيه فصاحته وبيانه بينما حشد عبدالناصر مثلاً الوطن العربي كله في 1956م بخطابٍ واحد اسمه " سنقاتل!! ". السيسي لم يجد من الأغاني سوى أغنية " الله عليك يا سيسي " لإيهاب توفيق وننتظر أغنية " الواوا سيسي " لهيفاء وهبي كأغنية مقاتلة جنباً إلى جنب مع السيسي والفنانين والإعلاميين في معركة الإرهاب ضدَّ الإرهاب إرهاب الدولة في مقابل إرهاب الجماعة طبعاً المزعوم والذي ليس له وجود حتى الآن إرهاب الدولة هو أسوأ أشكال الإرهاب التي عرفها التاريخ، والديمقراطية التي يدافع عنها العسكر بقانون الطوارئ لا بد وأن تكون ديمقراطية تنال ما تريد ولا تعطي أحداً ما يريد، من يستطيع خداعنا إلى درجة فقء العيون حين نرى الملايين في الشوارع فيقال لنا أنهم جماعة الإخوان المسلمين، حقاً ؟! لكن إذا كان الأمر كما تريد أنت لا كما أرى أنا وذاك فالسلطة إذن من حق هؤلاء وليست من حقك أنت بالضرورة، هل لمجرد أنك علماني وهو إسلامي، أنك متفتح وذكي عندما تبتسم وهو أصولي إرهابي تعطي يديك كلتيهما الحق في استخدام ما تشاء من السلاح والقتل والفتك! أحب أن أنبِّه الجميع إلى أن العلمانية إرهابية وتقوم على الديكتاتورية والقهر حتى العظم ولم تكن ديمقراطية يوماً وإنما كانت من أجل فائض القيمة والربح الاستعماري، وهذا كلام بالمناسبة يقوله الماركسيون وليس الأصوليون الذين بالمناسبة معظمهم لا يعرف هذا النوع من النقد بل ولا يألفه!! الليبرالية ارتبطت بفائض القيمة وفائض القيمة ارتبط بالاستعمار والاستعمار ارتبط بكثير من المسلمات ولم يكن يوماً عقلانياً أو إنسانياً أو رحيماً أو جذاباً حتى، فلماذا هذا الانتصار المطلق إذن للعلمانية ضدَّ الأصولية وهي بالمناسبة تسمية غبية غير دقيقة على الإطلاق، بل هي تسمية تحمل كثيراً من الاستعلاء الاستعماري الفرعوني التافه في مقابل موسى بائس وفقير لكن سوف ينتصر ذات يوم شاء من شاء وأبى من أبى؟! الرئيس الشرعي محمد مرسي اليوم متَّهم " بالتخابر " مع حماس وهي تهمة تسقط من الوهلة الأولى فحماس لا تملك الكفاءة اللازمة لإنشاء مثل هذا " التخابر" المزعوم يا سادة إنها جماعة وليست دولة وإذا كان ثمة تخابر، فلا بدَّ وأن يُنشئ أدواتٍ مناسبة للرئيس مرسي ولحماس ومن قبل دولة كبرى وليس الأمر مزاجاً شخصياً لرئيس كان يجلس على الكرسي بمفرده مثل الخليفة العباسي في العصر الثالث والانقلابيون العسكريون همُ اليوم من يتقمَّصُون الدور الإسرائيلي ويتخابرون مع إسرائيل فهل التخابر معها يُعتَبرُ صلة رحم ؟ ويصدق فيهم قول الله عزَّ وجلَّ " .. وإن يروا سبيلَ الرُّشدِ لا يتَّخذوهُ سبيلاً وإن يروا سبيلَ الغيِّ يتَّخذوهُ سبيلاً.." الأعراف : 146 الرئيس مرسي مجرد رئيس منتخب وليس نظاماً بعد ولن يستطيع أن يكون نظاماً ولو خلال مدةٍ تصل إلى ثمان سنوات، فالجماعة معزولة ومراقبة وثمة مصالح كبرى داخل وخارج مصر تتخطى الجماعة بكثير، ولنضرب مثلاً واحداً فقط وهو وصول الرئيس مبارك إلى السلطة، لقد كان نظاماً منذ اللحظة الأولى مرتبطاً بالساداتية المدعومة عالمياً والتي لا تزال الحاكم الأقوى في مصر رغم ثورة من ثار!! ولكي يصبح الرئيس مرسي نظاماً لا بد وأن يرتبط بالساداتية والتي لم تسقط حتى الآن، والمحكومة بتحالف هائل بين العسكر والرأسماليين والاستخبارات العالمية وهو ما لا يخفى على مواطنٍ مصريٍ واحد، وقد كان الشعب المصري أصيلاً في انحيازه لثورته ومطالبته بشرعيته. وختاماً نقول / حلُّ جماعة " الإخوان المسلمين " المتجذِّرة في كيان المجتمع المصري منذ أكثر من ثمانين عاماً خلت أو حتى حضرها لن يغيِّر من الواقع شيئاً وهذا ما ستثبته الأيام طال الزمن أو قَصُرْ، ولكن لا يزال للحديث شجون فهل لما نقولُ بقية؟! وهل في كأس الكلام خمرُ ما تبقَّى من معرفة الحروف سحراً وسحرة ؟! ربما يكون للحديث بقية!! لافتة : يغضبهم شعري يغضبهم نثري يغضبهم فكري يغضبهم فوق الأرض صراخي أو سيري يغضبهم لحدٌ في بطن ترابٍ دلَّ على قبري ماتوا بالغيظ وأحيُوا ذكرى ذكراي بالمجد ولحناً يُسْكِرُ سرَّ السِّرِ! *مستشار وزارة الأوقاف والإرشاد لشئون الإعلام والعلاقات العامة.