تمر اليمن بظرف استثنائي صعب، يقتضي تضافر الجهود للخروج منه إلى آفاق جديدة رحبة تحقق الأمن والاستقرار والرفاه، وخلال قرن مضى ظل التخلف السِّمةَ التي تطبع حياة اليمنيين العامة والخاصة، فالصراعات المتلاحقة استفرغت الجهود واستنفدت الإمكانات، واستغرقت الأوقات، ولم تحقق الآمال التي أرادتها كل الأطراف الفاعلة في الساحة الوطنية!! ثورة الشباب السلمية كانت آخر المحطات، ظننا بعدها بأن اليمن سيتمكن من الخروج بسلام من دوامة الصراعات، فجميع القوى السياسية توافقت على التعايش وعدم الإقصاء لأحد، وكان المفترض اقتناص فرصة تعاطف الأشقاء والأصدقاء مع اليمنيين؛ فينطلقوا لبناء يمن جديد يشارك في ترسيخ مداميكه كل اليمنيين من دون استثناء، وكان هذا هدف المبادرة الخليجية ومقصد مؤتمر الحوار الوطني والغاية من تشكيل حكومة وفاق وطني تمهد الطريق لانتقال سلس للسلطة من دون عنف ولا اقتتال ولا احتيال، غير أن الطبع غلب التّطبع، والإيمان بالتعايش والقبول بالأخر هدفٌ لمَّا يزل صعب المنال!! الأنانية وحب الذات والانتصار للنفس والحنين إلى الماضي القريب أوالبعيد يكاد هو الغالب والسائد، الكل يريد مغانم الشراكة ويرغب بالاستئثار بنصيب الأسد منها، وفي الوقت الذي يطلب من الآخرين الوفاء بواجباتهم لكنه يتنصل عن الالتزام بما يجب عليه، يحرص أن يأخذ مقاعد كثيرة في مؤتمر الحوار ولا يلتزم بمخرجاته، يرغب المشاركة في الحكومة ويريد أن يمارس دور المعارضة، يدعو للدولة المدنية ويصرّ على فرض وجوده بالمدفع والصاروخ، يزعم أنه مع استقلال الوطن وسيادته، لكن تصرفاته تستدعي تدخل الخارج ورعايته وهيمنته. إن إشعال الحروب وإثارة الفتن واستمرار التخريب؛ كأنها تقول بلسان الحال: نحن شعب قاصر وعاجز عن حل مشكلاته؛ ونحتاج وصاية خارجية تخرجنا مما نحن فيه، مع أن الحل بأيدينا ولكنا نسير في التِّيه؛ كل ذلك لا يليق بنا، ويجب أن لا يفتّ في عضد عقلائنا وحكمائنا أن يبذلوا قصارى جهدهم لنتجاوز حماقات الطائشين، واندفاع المتهورين!! بقدر ما استبشرنا بجلوس كل الأطراف على طاولة الحوار الوطني الشامل؛ كانت خيبة أملنا في تملّص مكوّنات مشاركة من الالتزام بما تم التوافق عليه، فإذا بالحرب تشتعل في دماج وتستمر حتى تصل إلى عمران بوابة العاصمة، تزهق فيها أرواح اليمنيين تحت مبررات واهية وحجج باطلة، كان الأولىٰ منها الاستعداد للانتخابات والاحتكام لرأي الشعب، وما يُظن تحقيقه بالعنف وسفك الدماء سيتم عبر صندوق الانتخاب، أليس من العبث إهدار إمكاناتنا وتقطيع أواصر الرَّحِم والقربى بين أبنائنا من أجل الوصول إلى السلطة، والطريق مفتوح وممهَّد إليها بالسلم والوئام ولا ضرورة للحرب والخصام!! لقد وجهنا لحكومة الوفاق انتقادات كثيرة لأنها لم تأخذ نفسها بالعزائم، ولم تشر بصراحة إلى المقصرين والمفسدين، ولم تعاقب المخربين الذين يفجرون أنابيب النفط وأبراج الكهرباء، ولم تُنْهِ من كشف الراتب فساد المكررين والوهميين والمنقطعين؛ وهذا لا يعفي الأحزاب المشاركة في الحكومة من المسؤولية، لكن ذلك لا يمنح الأطراف الأخرى التي شاركت في الحوار حق الفوضىٰ والعبث وافتعال الأزمات والدعوة إلى التمرد على الدولة وتقويض مسار التسوية السياسية، والعودة إلى دوامة الصراع المدمر. ليس أمام اليمنيين إلا أن يتعايشوا ويقبل كلٌ منهم بالآخر، وينصرفوا بكل جدية نحو العمل والبناء، وحينها سيحققون جميعاً أهدافهم وطموحهم، وسيتخلصون من الوصاية الدولية، ولن تبقىٰ يدهم هي السفلىٰ على الدوام!!