لا يمكن أن ينهض بلد إلا بتكاتف أبنائه وحشد طاقاته وحسن إدارة موارده، وما لم تتحقق هذه الشراكة فإن البناء يتعثر أو يتأخر؛ أما إذا وجدت أطراف أو جهات تقوم بالهدم والتخريب والتعطيل فسيظل الوطن متخلفاً كسيحاً، يصارع من أجل البقاء لا النماء، ويتجنب الانهيار فضلاً عن الإعمار. متى يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك ويهدم للقوى السياسية برامجها ومشروعاتها، ولا خير في تلك البرامج والمشروعات إذا لم تترجمها المصداقية والتطبيق على الواقع، وقد يكون من السهولة التخلص من المسؤولية وتحميلها هذا الطرف أو ذاك، لكن المحصلة النهائية تؤدي إلى البقاء في براثن التخلف والصراع!! كل محطات الصراع أثبتت أنه لا يمكن لطرف سياسي أن ينفي الآخرين ويلغي وجودهم، وأن القوة والعنف ليست سوى أدوات مؤقتة قد تنجح في قهر الآخرين أو إضعافهم إلى حين؛ وما تلبث أن تتغير الظروف والمواقع، ومن الخير للجميع إرساء قواعد التعايش والتكامل والقبول بالآخر ليتجه من يحكم ومن يعارض نحو البناء في سلام وأمان، وهذا ما أدركته الأمم الواعية اليوم بعد حروب طاحنة أكلت الأخضر واليابس وأهلكت الحرث والنسل، فأوقفت تلك الشعوب حروبها واتجهت للتطوير التقني والتعليم والرفاه الإقتصادي فتجاوزت أزماتها ونهضت من كبوتها خلال عقد أو عقدين من الزمان، ونحن العرب والمسلمين - واليمنيين بالذات - أولى بأخذ العبرة لا سيما أننا الموصوفون بالإيمان والفقه والحكمة.. لقد اختلفنا طويلاً ثم تحاورنا واتفقنا على بناء دولة ضامنة للحريات والحقوق والعدالة والمساواة، وكان الواجب أن تلتزم كل الأطراف بما اتفقت عليه، وأن تُدعىٰ الأطراف التي لم تشارك في الحوار للالتحاق بالركب، وبهذا نتخلص من البقاء تحت الوصاية الدولية التي يزعم الجميع أنه لا يريدها، لأن استمرار الصراع والحروب يعطي المجتمع الدولي المبرر للتدخل في شؤوننا خوفاً على أمنه ومصالحه، وبحجة عجزنا عن حل مشكلاتنا! الجماعات التي تؤمن بالعنف والقوة ولا تبالي بسفك الدماء وتمارس البغي والعدوان على غيرها، تخدم المصالح الأجنبية وتقود اليمن نحو الفشل والانهيار، وجميعها يحمل فكراً متطرفاً يريد فرضه على الآخرين بالعنف وقوة السلاح، ومن المؤسف أنها تزعم الانتصار للإسلام بقتل المسلمين وتحطيم مقومات حياتهم. (أنصار الشريعة) الذين يفجرون ويغتالون اليمنيين والأجانب في صنعاء وعدن وحضرموت وغيرها ويستبيحون المحرمات وليس لديهم مشروعاً سوى التدمير والقتل قد آن الأوان أن يثوبوا إلى رشدهم ويتركوا العنف والقتل والدمار ويتعرفوا على سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الدعوة والتربية، ومثلهم الحوثيون (أنصار الله) الذين يستهينون بدماء أتباعهم وخصومهم في آن، ويمارسون تفجير المنازل والبيوت والمدارس ودور تعليم القرآن والحديث، يقدمون أنفسهم كمتشددين لا يقبلون الآخر ولا يبالون بحرمة دماء المسلمين وأموالهم، وربما يظن البعض أن تصرفاتهم ضد الإصلاح فقط من أجل كسب ودّ دول يزعمون كراهيتها، لكن الحقيقة أنه لم يسلم من انتقامهم في تدمير البيوت والممتلكات كل من يختلفون معه بما فيهم مشائخ صعدة وسفيان؛ ويكفي حصر البيوت التي هدموها لأتباع عبدالعظيم الحوثي الذي يختلف معهم في توجههم الفكري، وأتمنى على كل من له صلة بهم أن ينصحهم بالكف عن تحشيد أتباعهم من كل ناحية لإشعال نار الحرب في كل اتجاه، وأن يلتزموا بمخرجات الحوار الذي شاركوا فيه!! الحراك المسلح الذي لا يقبل الآخر ويتنكر للماضي القريب والبعيد، المجال مفتوح أمامه للمشاركة في العمل السياسي، وقد خرج مؤتمر الحوار الوطني بضمانات لحل مشكلة القضية الجنوبية وتثبت الشراكة في السلطة والثروة على المستوى المحلي والمركزي، ولعلهم يتذكرون دورات الصراع التي عصفت بالجميع قبل الوحدة، والمتغيرات التي لن تمكن طرف أن يحكم منفرداً!! ألم يحن الوقت بعد للبحث عن الشراكة في البناء والإعمار من جميع القوى السياسية بدلاً من التسابق نحو الهدم والدمار والحرب والقتال، أليست بلادنا أولى بطاقاتنا وإمكاناتنا ومواردنا لنوجهها في التنمية والبناء والإزدهار والرخاء لنعيش أحراراً كراماً نستغني عن استمرار مدّ أيدينا للآخرين، ونتحرر من الوصاية التي بدأنا نشعر بثقل وطأتها، مع أن سوء تصرفنا هو الذي استدعى ذلك التدخل، وما لم نعزم على تصفية القلوب وإصلاح النفوس، والتعاون على ما ينفعنا فسنظل عالة نستجدي السلام والطعام، وفي يدنا حل مشكلاتنا..