مرة أخرى تتمكن الأيادي الآثمة، أيادي الغدر والخيانة والإجرام من اسكات صوت وطني حر لطالما صدح وناضل لأجل الحرية والديمقراطية والدولة المدنية الحديثة، ذاك هو فقيد الوطن الدكتور محمد عبدالملك المتوكل، الأكاديمي والسياسي البارز وأحد أعمدة ومؤسسي تكتل أحزاب اللقاء المشترك المعارض الذين كانت لهم بصماتهم في ترسيخ ثقافة النضال السلمي ومقاومة الباطل بالكلمة الحرة. إنه لمن المؤسف حقا ان يخسر الوطن وفي مثل هذه الظروف العصيبة هامة وطنية كبيرة كالدكتور المتوكل كان له دوره واسهاماته المشهودة في تلاحم الصف الوطني والدفع بعملية التوافق وإعلاء قيم التعايش والشراكة واحترام التنوع والخصوصية وبناء مجتمع ديمقراطي متعايش. كان الدكتور المتوكل- رحمه الله- مناضلا شريفا وخصما عنيدا لكل دعاة الحرب والفتنة ومروجي الطائفية والسلالية البغيضة، كان منحازا دائما إلى صف جماهير الشعب ومطالبها في حياة كريمة آمنة ودولة مدنية حديثة، مصرا على ان اليمنيين قادرون على تحقيق تطلعاتهم التي ناضلوا لأجلها طويلا بالوسائل السلمية وبمعزل عن أدوات العنف التي لجأ إليها البعض- للأسف- لفرض أجندته بعيدا عن الإجماع الوطني ومقتضيات الشراكة باعتبارهما دعامتان أساسيتان في بناء الدولة اليمنية الحديثة التي ناضل لأجلها فقيد الوطن الكبير الدكتور محمد عبدالملك المتوكل تغمده الله بواسع رحمته. لقد أراد القتلة ومحترفو الإجرام من وراء فعلتهم الشنيعة وفي مثل هذا التوقيت خلط الأوراق وإرباك المشهد السياسي وتوتيره وقطع الطريق أمام بزوغ حكومة الكفاءات التي توافقت عليها جميع الأطراف السياسية للخروج من حالة الانسداد السياسي إلى أفاق العمل المشترك، أرادوا استمرار حالة الجدل وتعميق الخلافات السياسية وتكريس حالة اللادولة واللاسلم بمزيد من العنف ومزيد من الإغتيالات التي طالت العديد من الرموز الوطنية أمثال الدكتور المتوكل ومن قبله الدكتور أحمد شرف الدين والدكتور عبدالكريم جدبان وغيرهم، بالإضافة إلى تصفية المئات من رجال القوات المسلحة والأمن على امتداد الساحة الوطنية من صنعاء إلى حضرموت، وكل ذلك بهدف قتل حلم اليمنيين في رؤية دولتهم المدنية ومحاولة إغراقهم في مستنقع العنف والاقتتال ليبقوا رهن مشيئة تلك القوى المتآمرة. إن جريمة إغتيال الدكتور محمد المتوكل- رحمه الله- هي بمثابة استهداف مباشر للمشروع الوطني السلمي ومحاولة لوأده، لضرب التوافق السياسي وإحداث تصدعات بداخله والدفع بالبلاد إلى حافة الهاوية ونقطة اللاعودة وصولا لفرض أجندات خاصة تحاول الاستحواذ على الوطن وتغييب إرادة الشعب وإملاء شروطها عليه. وبقدر ما يرفض الاصلاح تلك الأجندات وما يترتب عليها من تعميم لحالة الفوضى وطمس لمشروع الدولة بقدر مايرفض ويدين بشدة تلك العمليات الإجرامية التي تطال رموز الوطن وتجهد لإنهاكه سياسيا وتدمير نسيجه المجتمعي المتآخ، وعلى الدولة أن تقوم بواجبها في كشف الجناة ولا تدع هذه الجريمة تمر كسابقاتها كي لا يغرق الوطن في صراعات جديدة ويجرفه التيار بعيدا عن مشروعه الحضاري.