السياسيون الذين يخدمون أنفسهم وأحزابهم وأوطانهم لا يصنعون المشكلات والمآزق؛ بل يتلمّسون المخارج والحلول، يقربون البعيد، ويمدّون الجسور، ويحللون العُقَد، ويبحثون عن نقاط الإتفاق مع الفرقاء للوصول إلى رؤىٰ جامعة... فما بالنا في اليمن كلما خرجنا من مأزق دخلنا في آخر، بل ما نتعب لإنجازه في أشهر يتحول في لحظة إلى معضلة جديدة تستعصي على الحل، وكأنه قد كُتب علينا أن لا نخرج من دوامات الخلاف والصراع إلا إلى الأسوأ!! في 2011م كدنا أن نصل إلى طريق مسدود وأن ننزلق إلى حرب أهلية ربما أشد من الحالة السورية أو العراقية، وتم نزع الفتيل بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وعلى الرغم أن التوقيع تأجل من مايو إلى نوفمبر؛ إلا إن التوقيع يُحسب للرئيس علي عبدالله صالح، ويُحسب كذلك لقوى المعارضة - في حينه - وفي مقدمتها أحزاب اللقاء المشترك لأنها قبلت بالحصانة والشراكة مع المؤتمر، ولو تسارعت الخطىٰ بنفس العزيمة لكانت النتائج أفضل، ولعلنا اليوم ندرك مخاطر الأثرة والأنانية والإنتصار للنفس على حساب المصالح العليا للوطن... انتظرنا طويلاً لمؤتمر الحوار الوطني الذي خرج بنتائج لم نكن راضين عنها؛ لكن اعتبرنا أنها الحل الممكن لإنهاء المرحلة الانتقالية، ففيما يتعلق بالمشاركة في السلطة والثروة تبنت المكونات السياسية خيار الدولة الإتحادية، وكان الإصلاح مع الحكم المحلي كامل الصلاحيات، وبسبب المكايدات ومحاولة حشر الإصلاح في الزاوية قبل بخيار الأقاليم لأن هذا كان خيار المكونات الأخرىٰ التي وقعت جميعها عليه، واليوم يرفض الحوثيون الأقاليم، ولا أرى تحفظاً على أي خيار يتراضىٰ عليه الجميع ولكن لماذا لم يطرح في حينه لأنه اليوم يضعنا أمام مأزق جديد؛ وكم من الوقت سنحتاجه للإتفاق على الخروج منه!؟ نتذكر أن الإخوة الحوثيين دعوا إلى ثورة من أجل تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، ومن مخرجات الحوار إعداد دستور جديد يضع الحلول للكثير من المشكلات بما فيها القضية الجنوبية؛ وقد عُكِست تلك المطالب في مشروع الدستور الذي تم إعداده خلال عشرة أشهر بين صنعاء وبرلين وأبوظبي، وإذا بنا نتفاجأ أن ممثل (جماعة أنصار الله) في اللجنة يرفض التوقيع على المسودة النهائية التي وقع عليها الجميع، ولو أن الرفض تم أثناء المناقشة لأوجدت اللجنة حلولاً مرضية في حينه، أليس هذا ما حدث عندما رفضت الجماعة التوقيع على مخرجات الحوار مع أن ممثليها قد وقعوا على نتائج جميع الفرق!! نتفق أن هناك ملحوظات كثيرة على مسودة الدستور، فقد فصل ما يحتاج إلى إيجاز وأوجز ما حقه التفصيل، وجاءت بعض مواده حمّالة أوجه، ولكن الحل ليس العودة إلى نقطة الصفر وصناعة مأزق جديد، لأن هذا يعني أننا لا يمكن أن نصل إلى بر الأمان لا اليوم ولا في الغد... اتفاق السلم والشراكة فهمناه شراكة بين كل المكونات السياسية، وليس بين رئيس الجمهورية وزعيم مكون واحد فقط، وإرسال مستشاري الرئيس إلى صعدة يأتي في إطار هذه الثنائية التي تزيد المشهد تعقيداً وتفتح باباً لتمطيط المرحلة الانتقالية التي تعني المزيد من إنهاك الدولة وإضعافها وذهاب ما تبقىٰ من هيبتها، وتبديد إمكاناتها، وزيادة معاناة المواطن اليمني في الداخل والخارج... لا بد أن يشعر السياسيون بأن الأوضاع في اليمن تسير من سيء إلى أسوأ؛ فقد زادت الاختلالات الأمنية، وتوقفت عجلة التنمية، وتدهور الإقتصاد فجمدت حركة اليد العاملة، وموارد البلاد تتناقص، ونسبة المخاطر في الموانئ زادت، وفضلت بعض السفن إفراغ حمولتها في الدول المجاورة، فتضاعفت كلفة النقل، والمواطن وحده من يتحمل هذه الزيادات، وإذا ظنت مكونات سياسية أنها تكسب بصناعة مآزق جديدة حتى يتم استكمال نشر الفوضىٰ الخلاقة، فإنها لن تجد وطنا تحكمه؛ إذا بُددت مقدراته وتلاشت مقومات دولته، وتمزّق نسيجه الإجتماعي!! أيها القادة والساسة نجاحكم في البحث عن المخارج وليس في صناعة المآزق، في التخفيف من حدة التوتر لا في التشنج وإظهار القوة والسطوة، البلاد ليست بحاجة إلى العنف والحروب، لكنها محتاجة إلى الإخاء والسلام، تريد المدرسة والمشفىٰ ومشروع المياه وتعبيد الطرق، وإيجاد فرص العمل للعاطلين..." وفي ذلك فليتنافس المتنافسون "