قلل مطهر المصري -وزير الداخلية- من نفسه لم يقلل من تظاهرة الجماهير التي نضمها المشترك.. كانت الصورة أصدق من كل الأكاذيب لا تحتاج إلى من يزيد عليها أو ينقص.. وزير الداخلية كرر ذات التصريح للجزيرة، وللعربية ولوسائل أخرى وهو ما يخذل أي محاولة لرفع الحرج عنه، واعتبار ما قاله من قبيل السهو أو الخطأ غير المقصود، كان تزييفا مقصودا ومع سبق الإصرار والترصد.
لقد فجعنا الرجل في مصداقيته، في موضوعيته، وضع نفسه في دائرة الشك والاتهام، كان عليه أن يحسب ألف حساب قبل أن يدلي بهكذا تصريح..
مكانة الوزير وطبيعة مهماته تقتضي منتهى الحصافة والكياسة تستوجب مستوى عالٍ من الصدق والشعور بالمسئولية.
وزارة الداخلية مؤسسة حيوية وحساسة وتتعامل مع أمن المواطن والوطن، ليست مؤسسة حزبية ولا جهازا تابعا للحزب الحاكم، هي مؤسسة وطنية، ليست ناطقا باسم المؤتمر الشعبي العام فمهمة إساءة تقدير حجم المتظاهرين ضد الحكومة لا تليق بوزير الداخلية، فللحزب الحاكم دوائر كثر معينة تقول ما يرغب الرئيس في سماعه.
صدمنا وزير الداخلية وجعل من نفسه موضوعا للتهكم والسخرية، وهذا شأن من يتعامل مع موقعه بتساهل وسفه، وينظر للناس بعدم احترام.
تظاهرة المشترك بحسب الوزير من 800 - 1000، وتظاهرة المؤتمر الشعبي العام من 3000 - 5000، يا للهول.. من يعزينا في عيون الفندم مطهر.. طبعا لم يكن يلبس نظارات سوداء، من حق المعارضين، لحظة التصريح.. كان بعينين مفتوحتين على الآخر، لكنهما مبرمجتان على عدم رؤية إمكانات المعارضة وحجم حضورها في الواقع وعلى الأرض، يدرك وزير الداخلية أننا لا نملك أية وسائل غير مشروعة لكي ننتزع منه اعترافا بالحقيقة، وهذه الجماهير لا تحتاج اعترافا منه في الأساس الحقيقة، مكتفية بذاتها.. وقد قيل.. كل صدق يسأل عنه لا يعول عليه.. لا يحتاج الصدق إلى تفتيش ولا إلى تأكيد أو إثبات ولا تحتاج الحقيقة إلى من يشير إليها، فنورها أقوى من أن يخفى أو يحجب.
المعلومة الصادرة من المؤسسة الأمنية ليست عادية على الإطلاق، ما يبنى عليها كثير، والقضايا الأمنية ليست لعبة ولا مادة قابلة للتلهي وليست مهمة وزير الداخلية إرضاء الرئيس وغيره بتصريح كاذب وساذج، الأمر غير مسل ولا مضحك على الإطلاق ومن حق الجميع الشك في كل ما يقوله الوزير والارتياب في كل ما يصدر عن إدارته من معلومات وأخبار تتعلق بقضايا الأمن عموما.
إن مهمة وزير الداخلية حفظ الأمن وحراسة مثل هذه التظاهرات، والقيام بواجباته تجاه مواطنيه بمختلف توجهاتهم.
السخرية من المحتجين وتعمد التقليل منهم على هذا النحو موقف حزبي صريح وأعده نوعا من العنف الممارس ضد الجمهور المعارض، لا شيء أقسى من هذا الإنكار المفضوح، من أجل رجل دولة في مستوى وزير الداخلية، لقد عمل الرجل محافظا لصعدة في فترة عاصفة يعلمها الجميع وعلى ضوء هذا التصريح يمكن النظر بكثير من الريبة إلى مدى سوء التقديرات الحكومية التي أحاطت بقضية صعدة خلال دورات الحرب المتتالية.. هذا تقدير يرفع صاحبه وينم عن سوء تقدير للذات مثل استفزازاً للجمهور الكثيف المحتج في صورة أربعة مجتمعات داخل أمانة العاصمة شارك فيها عشرات الآلاف من المواطنين تقودهم أحزاب اللقاء المشترك.
ترى كيف نقنع الوزير المسئول عن الأمن والسلامة؟ أنه ارتكب خطأ فادحا.. وأنه قد أخافنا بهذه الجرأة في تعريض مصداقيته للخطر؟ لا نعول كثيرا في هذا التوجه على حماية المسيرات المعارضة للحاكم، فإن من ينتهك الحقيقة على هذا النحو ويصادر الوقائع الموثقة، لن يكون موضع ثقة أحد.. لا أدري إن كان وزير الداخلية مهتما بما صنعه بنفسه بهذا التصريح، لا أدري إن كان يشعر بالأسف والحرج أو يرى أن شخصه الكريم يستحق منه اعتذارا شجاعا لم يفت أوانه بعد؟