إن الذي يحدث في الوطن العربي هو الرغبة العارمة لدى الشعوب بحياة كريمة عزيزة بدون إذلال ولا قهر ، وهو خلاصة لعاناة عامة من المأساة التي ارتكبها حكام العرب في حق أمة أصابتها أكنة الغفلة والنسيان ، كما قال تعالى :{ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} (طه : 115 ) ، فسلمت قيادها لزعامات بددت كل رصيد التاريخ والعراقة ، وأخمدت براكين الثورة والعنفوان التي أجبرت المستعمر على الرحيل ، بعد أن أحرقت الأرض تحت أقدامه ، وكانت تتحدى قوى الاستعمار وعملائه دون خوف ، ثم جاء الاستعمار الداخلي بدعم من الاستعمار الخارجي ، وهو حكام عرب أذاقوا أحرار الأمة بالسجون والمعتقلات والقمع ، ما لم يكن يتجرأ عليه المستعمر ، فسجن الثوار ،الذين أذلوا جيوش المستعمر بتهم الخيانة والعمالة للاستعمار وإسرائيل ، وصمتت الشعوب العربية خوفا ورعبا ، حتى بلغ السيل الزبا ، وخسرت الشعوب كل شئ الحرية ، والكرامة ، والعيش الشريف ، والحاضر المعاش ، ووصل الخطر إلى المستقبل ، حيث قرر الحاكم توريث الأمة لأولاده وأحفاده كما يورث المتاع ، عندها تجمعت سيول الغضب مع زباده ، والزمن لم يعد زمن الأصنام المزيفة ، فانفجرت الشعوب العربية عبر الثورات الشعبية ، وتهاوت بيوت العنكبوت كما شاهدنا في تونس ومصر والآن ليبيا واليمن وسوريا والأردن و ..... ونحن في اليمن رغم كل الضجيج الإعلامي والصخب السياسي عن اليمن ، إنه بلد ديمقراطي والتعددية السياسية والحريات التي يحلم بها الشعب إلا أن السلطة الفردية بنت لها بيت العنكبوت لتحمي العائلة فقط ، ولم تؤمن وتعد بيت لحماية الشرعية الدستورية التي يمكن إيكالها للجماهير ، فعمدت إلى حمايتها بالأجهزة الأمنية والإعلام الكاذب والنخبة المنافقة ، وشراء الذمم ، وإفساد الضمائر وتهديد الشعب اليمني بالحرب الأهلية من طاقة لطاقة كمثل حاكم ليبيا من زنجة لزنجة . وقد مرت عشرون عاما على قيادة دولة الوحدة والإعلان النظري عن الحكم الديمقراطية ، وخلال هذه المدة أجمع عقلاء الشعب اليمني أنه لا أمل في هذه السلطة ، ولن ينتج وجودها خيرا وسلاما للشعب ، وإنما أنتج حرب صعدة وحركة إنفصالية في الجنوب ، وتنظم قاعدة الاستجلاب مساعدات ، وأزمات سياسية واقصتايدة واجتماية ، وهذه السلطة كونت لها هتافة ودواش وطبالين وزمارس بالدم بالروح نفديك يا ...... إن الحاكم خدع نفسه الوسواس الخناس التي أوهمته بحلاوة الإنفراد ، بالحكم وإقصاء الآخرين سواء في مؤسسات الدولة أو بالانتخابات المزورة ، وزينت له توريث اليمن لابنه الذي ظهر فجأة عام 1996م ، وخلال سنوات قليلة صار أبرز القادة العسكريين يتحكم في قوة عسريكة ضخمة وتجري أنهار الخزينة العامة بين يديه وتحت قدمه حيث ركع الطامعون فزادوه غرورا . واقتناعا بأنه الأحق بأن يجلس مجلس السلال والإرياني والحمدي وقحطان , والشعبي وسالمين وغيرهم ، وظن الحاكم أنه نجح وسيقلع عداد السلطة لينعم بالتفرد والتوريث ، وجاءت ثورة الشعب اليمني وأظهرت أن حكم صالح ضعيف فتكك لما يتفكك بيت العنكبوت ، وتناثرت خيوطه وكأنها لم تكن ، فجزء من القوات المسلحة رفضت أن تكون أداة لقتل المواطنين وذبح آمال الشعب في أن يعيش أبناءه كسائر الشعوب المدنية في حرية وعدالة ومساواة . ودون أن يحكمه أنصاف الآلهة وأبناءهم والأجهزة الأمنية المرفهه ، التي يهددون الشعب بها والتي واجهها شباب الثورة اليمنية بصدورهم العارية ، وبدون سلاح وتحدوا دخان قنابلها ورصاصها . وحتى النخبة التي أعدها الحاكم من الصحفيين والكتبا والأدباء والفنانين والدكاترة وصرف عليها من أموال الشعب هي الأخرى لا تريد تلويث أياديها بدماء أبناء الشعب من أجل أن يموت الريس وهو على كرسي الحكم ، وليس بعيدا عنه وهؤلاء يرون الشعب قد أراد الحياة الحرة الكريمة فكم يترددوا أن ينفضوا أأيديهم عن النظام وانحازوا إلى الشعب وصدموا الحاكم ، فقال عنهم هؤلاء ناكروا الجميل ، والقبائل التي كان يراهن عليها الحاكم تناثرت من حول الحاكم على كرسي الحكم ثلاث وثلاثين سنية رغم أوهام الحاكم بإعادة تجربة الإمام أحمد الذي أباح صعده لنهب القبائل عام 1948م ، فالقبائل لم تعد كما كانت ، واليمن لم يعد كما كان ، فعشرات الآلاف من القبائل هم الآن في قلب الاعتصامات في ساحات الحرية . والدعم العربي والدولي تحولت سرابا أو بعبارة أخرى {إني بريء منك إني أخاف المجتمع الدولي الذي أجمع على منع القذافي من قتل شعبه} . وشرفاء وعقلاء ومؤسسوا حزب الحاكم انفضوا من حول الحاكم ليطهروا أيديهم من دماء حرمها الله سحبانه ، بقي للحاكم الذي يدورون حول المال ، واليوم خزينة الدولة تنهب من أجل تجميع هتافة حول حائط المبكى ينوحون بالمال وليس النائحة كالمساجرة . هذه خيوط العنكبون لريس اليمن التي تفككت بسهولة كما تفككت خيوط العنكبوت لزين العابدين وحسني مبارك . والحاكم ما زال يستغل أمية وفقر بعض الطفيليات الانتفاعية من أبناء الشعب ، من أجل الإساءة إلى كرامة الشعب اليمني ومقاومة عاصفة الحرية والتغير ، والظاهر أن حاكم اليمن لا يريد الخروج من البوابة التي خرج منها حسني مبارك ، وقد قرر إما احكمكم أو أقتلكم كما قرر القذافي . إن الحاكم استنفد كل أوراقه ، وفشلت كلها ، وفقد كل مبررات بقائه ، ونخشى ولا نحب للحاكم أن يستعد للرحيل وقد تجاوزه الزمن ، لأن عجلت النفير الربانية والشعبية أنطلقت ولم يعد بمقدور أحد إيقافها ، وأما استماتة الحاكم الكرسي أو الموت ، إلا مزيدا من الإهانة والتشهير والمذلة والعاقل لا يقبل هذا . نحن اليوم أمام ثورة الشعب اليمني التي قدمت أكثر من 150 شهيد وأكثر من ألفين جريح ، وفقد النظام والحاكم شرعيته بشكل تام ، وغابت الحكمة اليمانية عن الحاكم وأعوانه بعد 33 سنة ، لم يعد مسئولا عن اليمن ووحدته واستقراره وسعادة شعبه ، وإنما أصبح كل همه حماية وسعادة وإثراء أولاده وأفراد أسرته وأعوانه ، والحوار من أجل بقاء الثروات المنهوبة لأولاده ، وقد رفعت تقارير أن ثروة على صالح أكثر من 50 مليار دولار ، لأنه عمل على تحويل الثروة العامة إلى خاصة بالنظام ، والسعي للسيطرة على ثروات البلاد من خلال الاستيلاء على المؤسسات العامة المدرة للدخل ، وأراضي الدولة والأقواف ، وتسليمها لأفراد من الأسرة أو العشيرة ، أو ذوي الثقفة ، يديرونها بغموض كبير ، فقط على سبيل المثال ، المؤسسة الاقتصادية العسكرية لا تخضع للمؤسسات الدستورية ، حيث تعمل في كل شيء بدأ من الزراعة والتصنيع والأثاث والأدوية وغيرها . وتحويل البنك الزراعي إلى بنك تجاري ، لدعم النافذين وتمتد السيطرة إلى القطاع الخاص كشكرة التبغ والكبريت الوطنية والخطوط الجوية اليمنية وغيرها . وبعد حرب 1994م استولى الأقارب والأنساب على الأراضي ويذهب تقرير حكومي يعرف بتقرير باصرة هلال ، أن 10 شخصا من أقارب الرئيس يسيطرون على معظم أراضي الجنوب ، والجمع بين السياسية والتجارة ، رغم أن المواد 118 و136 من الدستور اليمني النافذ تحظر على كل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء ممارسة التجارة ولو بطريقة غير مباشرة أو الدخلو في تعاملات مع الدولة . وهناك تقارير تقول أن رئيس الجمهورةي يملك بطريقة غير مباشرة شرائك في خدمات النفط والغاز ، وولده شركة الحاج للمعدات الثقيلة بإسم محمد الحاج ، وممتلكات كثيرة ، وإبن الأخ الشقيق رئيس الأمن المركزي يملك العديد من الشركات ، على سبيل المثال شركة الماز للخدمات النفطية ، وشركة راحة لخدمات النقل بين المدن وشركة هاواي الصينية للكبلات وشكرة سمر للسياحة التي يحمل اسم ابنته ، وتحويل الاستثمار لصالح النظام وليس لصالح الشعب والدولة ، ووجود منظومة اقتصادية مستقلة عن النظام وتوزع عليها فرص الاستثمار ، ومحفزاته ، والعقود الحكومية ، والمقاولات ، وتم إسناد ملف الاستثمار إلى ولده المرشح لوراثة النظام ، وذلك لضمان السيطرة على الاستثمارات ، وعلى راس هيئة الاستثمار أحد أصدقاء الولد . وممارسة سياسة إفقار وتجويع الشعب ليظل محتاج لصدقات النظام ، وفي إطار هذه السياسة تم إنشاء جميعة الرئيس الصالح التي يرأسها نجل الرئيس لتقوم بتنفيذ العديد من البرامج الخاصة بالفئات الفقيرة ، وقد تبرع الرئيس لها عام 2007م بمزرعة كبيرة جدا في عبس محافظة حجة . وتلعب هذه الجمعية دورا كبيرا فهي أمبراطورية مالية تحت سيطرة نجل الرئيس يعمل على توظيفها في حشد الدعم السياسي لتقم في أوساط الفئات الفقيرة ، وتعمل على استيعاب الأعمال الخيرية التي تقوم بها الدول الأخرى ، وخصوصا ذات الطابع الرسمي لتقطع الطريق على الجمعيات الأهلية ، وتوظيف الموارد العامة لصالح بقاء سلطة النظام . إن هذا يحدث في مواسم الانتخابات أو أثناء المعاملات اليومية للدولة والمجتمع ، وخاصة الوظائف الحكومية القيادية عقود مشاريع البنية التحتية ، والاعتمادات والتحويلات المالية ، السيارات والمولدات الكهربائية والمنح الدراسية ، وقد أوجد الحاكم صالح طبقة من المسئولين ملوثين بالفساد ، ومن خلال المواقع الحكومية ونهب الاعتمادات ، والتوجه إلى الجرع المتكررة ، وممارسة سياسة الإصلاح السعرية فقط ، وتغييب الإصلاح السياسي الإداري ، والقضاء على الطبقة الوسطى ، وتحويل المواقع الحكومية إلى شراء للذمم وليس لحاجة العمل . أصبحت المواقع للإرضاء السياسي وليس لحاجة العمل ، وكفاءة الشخص ووصل الوقع إلى أن الوكلاء أو المساعدين بالمئات ، لا هدف من تعيينهم سوى منحهم الامتيازات المرتبطة بالموقع ، وتحول غالب الموظفين إلى متظاهرين ومصوتين للرئيس . وتعطيل مبدأ سيادة القانون ، سمة بارزة للنظام الحاكم ، وعمل النظام على إضعاف مؤسسات المساءلة وجعلها إكليشة مجلس النواب ، والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ، وهيئة مكافحة الفساد ، بل وصل الحاكم إلى ممارسة التسول الرسمي من الخارج ، والقروض ، والمساعدات كلها تحول إلى سويسرا بأسماء أفراد النظام ، وإعداد أجهزة للقمع تابعة للنظام وليس للدولة وأمن الشعب ، وركز النظام على جعل أبناءه وأقاربه على رأس المؤسسات الأمنية والجيش ، وجعل الموارد غير الظاهرة توجع إلى الجيش .