وسيناريو ما بعد النكث المبادرة الخليجية بنسختها الثالثة تحكي قصة تعديلات نسخت بعضها بعضا وألغت آخرها أولها هروبا من قدر محتوم كما فعل بنو إسرائيل عندما أمرهم الله بذبح بقرة فتشرطوا لها شروطا وأكثروا من الأسئلة لكنهم في الأخير ذبحوها وما كادوا يفعلون فلا مفر من أمر الله , تشبيه بدون فوارق يجمع بين المشهدين هكذا يبدوا النظام في مأزقه من المبادرة الخليجية فقد طلب الوساطة الخليجية ابتداءً ثم تنصل منها عندما أتته والسبب انها لم تات بمقاساته ثم عدلت وعدلت أمام تعنت بنو النظام حتى لم يبقى سوى الرحيل ان يعدّل الى التأبيد , ولا يستبعد انهم طرحوها على الخليجيين بحجة ان وجود جمهورية وسط ملكيات يؤثر سلبا على أمن تلك الملكيات لولا فطنة الخليجيين لألاعيب الرئيس وتجربتهم المريرة معه لوقعوا بالفخ. هناك من يذهب الى أن ترزية المبادرة الخليجية لم تكن سوى ضمانات طالب بها الرئيس وهذا غير صحيح فالرئيس لم يعد يفكر بضمانات لأنه يعتقد انه باق في السلطة وأن المبادرة الخليجية سيتم التملص منها حتى في حال توقيعها , وقد خانه ذكاءه هذه المرة حيث لم يبق أمام الرئيس من مخرج سوى الخارج لان الرهانات على الداخل قد سقطت , فمحاولة شق اللقاء المشترك لم تفلح ودق إسفين الفتنة بين المعارضة وشباب الثورة باء بالفشل والحراك الانفصالي قد ذاب والحوثيين خيبوا ظنه وأمام سقوط الرهان على الداخل لم يبق أمام الرئيس إلا منفذ وحيد يحفظ ماء وجهه وهو الخارج وهو العامل الذي افتقدته الثورة السلمية منذ البداية ولو أن عامل الخارج وقف إلى جانب الثورة لسقط الرئيس منذ اللحظة الأولى . إحدى سيناريوهات التملص من المبادرة الخليجية أن يقدم الرئيس استقالته أمام مجلس النواب وترفضه أغلبية المؤتمر وهو ما ألمح اليه بعد موافقته على المبادرة عندما قال سيتم تسليم السلطة حسب الدستور, والدستور ينص على أن للرئيس ان يقدم استقالته في مجلس النواب على أن يتم الموافقة عليها من الثلثين وفي هذه الحالة سيكون تملص دبلوماسي يخرجه من الحرج الخليجي والامريكي , لكن هل فاتت هذه النقطة الجوهرية على المعارضة التي ربما أعطته الوقت الكافي ليفكر ويخطط , أم إنها هي الأخرى ضامنة للثلثين لاسيما بعد الاستقالات الجماعية لأعضاء كتلة المؤتمر بالبرلمان وهي ضمانة مشكوك فيها , فأموال الرئيس قد تغير المعادلة وتعيدنا إلى نقطة الصفر. السيناريو الآخر أن يبحث النظام عن قشة تقصم ظهر المبادرة ولعل استمرار الاعتصام في الساحات مدخل لذلك فالمتوقع عدم رفع الاعتصام لأن المعارضة ليست من بدأ الاعتصام وليس لها اليد الطولى عليها وبالتالي لن تُرفع وقد أعلنت المعارضة ذلك رسميا ولكن الرئيس يتظاهر كما انه لم يسمع لأنه يريد استخدامها في وقت ما ولهدف غير شريف. الفهلوة كثقافة كئيبة وكأداة سيئة , باتت قديمة وهو ما لم يستطع النظام استيعابه وما كان يصلح بالأمس لم يعد يصلح اليوم فالمتغيرات العربية المتسارعة والوعي الجمعي للشعوب قد فوت الفرصة على الأنظمة الفهلوية التي اتخذت من الديمقراطية ديكورا تتمترس بها للخارج لتضرب بها الداخل وإن كان قد فهم النظام التونسي هذه المتغيرات وقبلها النظام المصري على مضض ولم يهضمها النظام اليمني بعد ولكنه قطعا سيتجرعها مرة غصة . أما سيناريو سقوط النظام بعد تملصه من المبادرة الخليجية ورفع الخارج الغطاء عن الرئيس فسيكون إسقاط المحافظات وطرد النظام منها وهي نتيجة طبيعية لتلاعب النظام واستهتاره بالثورة السلمية ونتيجة توازي نفاذ الصبر لدى المعتصمين في الساحات والذي تجاوز الثلاثة أشهر خروجا عن السيطرة وإسقاطاً للمدن الرئيسية والتي باتت فعلا بيد الشعب منذ فترة باستثناء المقار الحكومية والتي هي قاب قوسين من السقوط ولكن التأخير كان لحكمة الشعب ولإعطاء فرصة أمام الوسطاء , ولو نظرنا الى الواقع لوجدنا أهم المحافظات خارج نطاق سيطرة النظام مثل حضرموت وتعز ومأرب والضالع وإب والجوف والحديدة وصعدة و أبين ولحج ولم يبقى إلا عدن ويعود السبب لضعف الاعتصام فيها وانتشار معسكرات الحرس الجمهوري والامن المركزي, أما صنعاء فتعتبر بيد المعتصمين لأنها نقطة تمركز الثوار كشباب منتشرين بالساحات وكقبائل محيطة بصنعاء أعلنت ولاءها للثورة منذ اللحظة الأولى بعكس طرابلس التي خلت من الثوار أو على الأقل من هبة شعبية تنطلق من داخلها وكانت نقطة ضعف الثورة الليبية فيما بعد وهذا ما يفرق بين المشهد الليبي واليمني في الحسم .