هل كان يجب أن ننتظر أن تتفاقم الأوضاع سوءاً وينزل الناس للشارع بكل غضبهم ليتم تغيير بعض الوزراء الذين أثبتوا للشعب أنهم غير قادرين على إدارة وزاراتهم وتوفير أبسط الخدمات الأساسية للوطن والمواطن! هل كان يجب أن نصبر إلى هذا الحد ونحن نشاهد المواطنين وهم يتدافعون ويتصارعون على كم لتر بترول أو ديزل في محطات تزويد الوقود ويُقتل عدد منهم! إلى متى سنظل ننتظر وننتظر وننتظر بكل يأس أن نعيش في وجود كهرباء ومياه ونفط كبقية شعوب العالم دون إنقطاع ودون تخريب ودون تقطٌّع!! وإلى متى سنظل نشاهد بمرارة كثير من اللاكفاءات تتعين في مناصب سيادية وتتبدل من وظيفة عامة مهمة إلى وظيفة أكثر أهمية وهي غير قادرة على أبسط مقومات الإدارة!! لقد صبر هذا الشعب أكثر مما يجب، ومازال صابراً على كل معاناته! والشعب لا يُريد معجزات ولا بطولات خارقة! لا يُريد وزيراً بجناحين، ولا خليفة يتفقد الناس في الليل! ولا يهمه من يُعين ومن يُركن على الرف! كل ما يُهم هذا الشعب البسيط الصابر أن يعيش أبسط مقومات العيش: ماء، كهرباء، وقود، أمن، صحة، وتعليم! ومع ذلك ومنذ عقود وهذه الأشياء التي نقول أنها بسيطة، تُصبح معجزات! معجزة أن يتوفر الماء من أنابيب المؤسسة العامة للمياه والصرف الصحي، ومعجزة أن يستقر سعر البترول والديزل والغاز، ومعجزة أن يمر أسبوع كامل دون أنقطاع للكهرباء، ومعجزة أن توجد مستشفى واحدة بطول البلد وعرضها تقدم خدمات أبسط مستشفى في الأردن الشقيق!! وللأسف الشديد، هناك من يستغل صبر هذا الشعب ليجرعه المزيد والمزيد من المصائب والمتاعب! من يستمر بالتخريب والتقطع وخلق الأزمات! ومن يحتفل بمأسات الشعب، وينادي لخلق أزمة بين الشعب وقيادته! فما حدث اليوم أكبر دليل على ذلك، ولكنه دليل أيضاً على أن الناس ما عادت تصبر أكثر، فكيف تصبر على أنقطاع الخدمات في ظل هذا الصيف الحار، وأختبارات أبنائنا الشباب في الجامعات والشهادة العامة! كيف تصبر على عشرات الساعات في محطات تزويد الوقود دون فائدة في حر النهار وظلام الليل! وسواء كانت هذه المجاميع التي خرجت مدسوسة "كما قيل" أو عفوية، فالمواطنين كلهم مستائين وضائقين مما يحدث، والشعب إذا ضاقت به الدنيا وأراد الحياة، فلا بد أن يستجيب له عبدربه منصور هادي! لقد إستطاع رئيس الجمهورية بقراراته اليوم أن يفوت على مرضى النفوس ومن يستغلون أزمات الشعب ليدسوا السم في العسل ويصورا الأوضاع على أن الدولة غير قادرة على حفظ الأمن وتوفير الخدمات وأن الماضي القريب كان مجيداً كماضي جدتنا بقليس "جنة طيبة ورب غفورٌ"!! وهم يتناسون أنَّ الأزمات هي هي منذ قيام ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين، فالكهرباء في إنقطاع والماء معدوم والخدمات أسوء ما شهدته بلاد في العالم! فأنا لا أتذكر في يوم من الأيام منذ طفولتي البعيدة أنّ الحنفية كانت تقطر عسلاً وأن الطاقة النووية والشمسية كانت تضيء ليلاً ونهاراً وأن انابيب الماء المعدني والغاز موجودة في كل بيت! لا أتذكر إلا أنني كنت استخرج الماء من البئر من غير مضخات، وأنني ذاكرت أيام الأختبارات على ضوء شمعة، وأن الحطب وتنور الطين موجودين في بيتنا إلى يومنا هذا! دعونا من المزايدات والنفخ في الرماد، فالبلد فيها ما فيها من خيرات وكفاءات وقيادات! دعونا نتفرغ للتنمية وتوفير الخير للوطن والمواطن بدلاً عن خلق الأزمات وتصوير الأخر الشريك بأنه غير قادر على القيام بمهامه! كفاكم وكفانا ماقد مضى، ودعونا نفتح صفحة جديدة ننسى فيها أمراضنا النفسية وأحقادنا المجتمعية، ونترك هذا الشعب وشأنه ليعيش الحلم الذي ما زال عالقاً في ذهنه مع كل التضحيات التي قدمها في ثوراته المتلاحقة: حياة كريمة ومواطنة متساوية!!