دعني عزيزي القارئ بدايةً أذكرك بقصة سيدنا ومولانا محمد(ص) مع أهل الطائف حينما جعلوه مضرجاً بالدماء نزيفاً ويطلقون عليه بالمجنون وهو يدعوهم الى دين الحق والصراط المستقيم, ولم يكن رده على ملك الجبال الذي أراد أن يطلق عليهم الاخشبين ليهلكهم جميعاً إلا "عسى الله أن يبعث من أصلابهم من يقول لا اله الا الله". هكذا بُعث سيدنا محمد(ص) رحمة لأمته داعياً الى الرفق واللين, والتسامح, وارشاد الناس بالمعروف والاحسان. لهذا فقد قال له المولى عز وجل "ولو كنت فضاً غليظ القلب لانفضوا من حولك". إنه قدوتنا محمد (ص) هبة من الله ورحة ونور أتانا مبيناً أنه مبعوث رحمة لنا وليس رعباَ وتخويفاً, وأنه مبعوث ليتمم مكارم الأخلاق وليس ليشوه بالأخلاق والقيم أو يمحيها, وأثبت لأمته أن الدين هو المعاملة الحسنة وهو ما جاء به في حديثه الشريف "الدين المعاملة" ولم ينوه الى أن الدين محصوراً بالعمامة البيضاء, واللحية الطويلة, والملبس القصير. وحذرنا من قتل النفس مشيراً إلى أن قتلها بمثابة قتل الناس جميعاً, واحيائها يعادل احياء كل النفوس, دون تحديد لتلك النفس أو تحديد هويتها, أو دينها ومذهبها, أو فكرها., ولم يقل بأن قتل النفس غير المسلمة أو السلفية الوهابية ثمن قصر في سدرة المنتهى. نفى حبيبنا المصطفى (ص) كلمة الملحمة بكلمة المرحمة, وقابل الإساءة بالإحسان, والعسر باليسر, ووحد المسلمين تحت راية واحدة لإعلاء كلمة الله ونصرة الحق المبين ولم يبددهم بين مذاهب وعقائد. هذا هو الإسلام الذي تعلمناه من سيدنا وحبيبنا محمد (ص). فلتعلم عزيزي القارئ أنه من عجائب هذا الزمان جماعة تدعو الى الإسلام والعمل به واتباع مناهجه عن طريق التطرف, والإرهاب العنيف,وعصيان ولي الأمر كمومس تدعو الى الشرف, والعفة,وصون الأعراض. ولتمعن في النظر كثيراً الى أمر عجيب وفي بالغ الخطورة, وهو أن تلك الجماعة تعمل على الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر بفوهات البنادق,ونفحات البارود. سأعطيك عزيزي مثالين صارمين يبينا الرشد من الغي.. مثال يوضح معروف النبي (ص) الذي كان يعمل به,ومثال يحكي إحدى أبشع الجرائم التي قام بها أفراد من تلك الجماعة"جماعة الذئاب" وأسموها معروفاً في سبيل الله. وهما الإثنان موقفان متوافقان في الحالة,متنافيان في التعامل, والمبدأ,والمصير. الأول هو موقفه سيدنا عليه الصلاة والسلام مع جاره اليهودي الذي كان يؤذيه كل يوم بوضع القمامة أمام بيته وحين مر عليه يوم لم يعمل ذلك علم الحبيب المصطفى أن الذي منعه من إيذائه هو مرضه الشديد فذهب لزيارته والإطمئنان على حالته, ولم يكن موقف ذلك الغلام إلا أن أسلم فوراً. والثاني موقف تلك الجماعة المتطرفة مع أمراض, وأطباء, وممرضي, وعمال مستشفى العرضي إذ قاموا بإبادتهم جميعاً تحت شعار الإسلام وهم يهتفون "الله أكبر" مما دفع بامرأة في "الحديدة" الى اعتناق المسيحية بغضاً في أمتها التي أسمتها بالدموية. إذاً عزيزي القارئ لتعلم جيداً أن أعمال سيدنا محمد(ص) هي التي جسدت معنى الإسلام وحببت ادخاله الى النفوس البشرية, وأن جرائم الجماعات الإرهابية وعلى رأسها "القاعدة" هي من كرهت بالإسلام عند العالم ونقلته اليهم بصورة سيئة وعلى غير حقيقته, فتعامل قدوتنا رسول الله مع أهل الطائف ورفضه اطباق الأخشبين سبب دخولهم في دين حنيف يسوده المحبة, والرخاء, والتسامح., وحادثة سبتمبر البشعة تعد من الأسباب التي جعلت العالم يفهمون الإسلام على أنه أخطبوط قادم للقضاء عليهم بأذرعه المفترسة. كما أن حادثة هينن دليل على هوج أفعالهم, وقتامة فكرهم وعقيدتهم, وفساد قلوبهم. والسؤال المحير كثيراً هو كيف يستخدمون أعنف الجرائم ضد أناس قائلين "لا اله الا الله محمد رسول الله"؟!!, ضد عباد منهم وفيهم, ومن دينهم وعرقهم وفصيلتهم؟!!. ألم يدركوا قول النبي (ص) في خطبة الوداع "إن دمائكم واموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا...الخ"؟!. أي حديث بعده يؤمنون؟!. حينما بكى عليه الصلاة والسلام في الأيام الأخيرة من حياته قائلاً "إخواني.. إخواني" أي من سيأتون من بعده يؤمنون به ولا يرونه, لعله كان ينتابه شعور التأنيب بأنه لم يكن متواجداً بين إخوان له في اَخر الزمان لينقذهم من ذئاب بشرية تدعي الدين على حساب أرواحهم بعد أن حولت الإسلام إلى إجرام, والحقيقة إلى وهم, والسلام إلى حرب., وبعد أن استبدلت اليسر بالعسر, والترشيد بالتكفير, والهدى بالظلال, والرفق بالعنف والطغيان, والنور بالظلام. معذرة عزيزي القارئ فلم أكن قد أوفيت معك لاعطائك كل الحقائق عن تلك الذئاب المفترسة, فالأمر يدعي مئاب المؤلفات لسردها, ولنقص عليك لعنة في تاريخ الإسلام لم ننجوا منها, ومعضلة لا تنتهي أضرارها.