سؤال بقدر ما يوحي بالتفاؤل بإمكانية الخروج من دائرة ما نحن فيه من محن ومن مصائب وأهوال بقدر ما يُعطي القارئ انطباعاً بمدى ما يشعر به السائل من إحباط حين يتطلع للولوج إلى مرحلة جديدة بعد أكثر من خمسين عاماً قضاها في دائرة إحباطات مراحل سابقة، الأمر الذي يقود السائل والقارئ إلى سؤال بديهي ومُحيّر وهو: كم من العمر يحتاجه الإنسان في هذا البلد كي يخوض تجارب المراحل وصولاً إلى المرحلة الفضلى!. كل المؤشرات على الارض لما وصل إليه البلد من فساد ومن تردٍ للأوضاع المعيشية والأمنية ومن نفور اجتماعي ورفض وسخط على مثل هكذا واقع ربما لا يقبل به الحيوان، كانت بمثابة عوامل مشجعة لأي حزب أو جماعة في أن تنبري لرفض هذا الواقع المرير ولأن تتقدم الصفوف والزحف الجماهيري صوب الموقع الذي عادة ما يُصنع فيه القرار. كل العوامل كانت مهيأة لجماعة أنصار الله في أن تتقدم هذا الزحف؛ طالما جُربت كل الأحزاب المتواجدة على الساحة السياسية فأثبتت فشلها لاسيما خلال ال 3 السنوات الأخيرة التي تحول فيها نهار المواطن إلى ليلٍ فيما تحول ليله إلى كوابيس كلما تذكر أن من يحكمونه هم مجرد خليط من العصابات بدلوا لون بشرة وجوههم بلون آخر يوم ان ادعوا بأنهم طلاب تغيير وأنهم قادة ثورات، ويوم أن داسوا على جماجم الثوار وعلى دمائهم الحارة والطرية لحظة تدافعهم نحو مراكز السلطة ونحو مكامن الثروة. ما كان يؤمله كل مواطن في هذا البلد من فعاليات الاحتجاجات والاعتصامات التي جرت في العاصمة لأكثر من أربعة أسابيع هو تحقيق المطالب الثلاثة المشروعة بالسبل السلمية وبالآلية الديمقراطية دون الذهاب إلى استعمال أدوات العنف التي ألحقت الضرر بكثير من المواطنين العُزّل سواء من خلال الارواح أو الممتلكات أو النزوح الجماعي. ما كان يطمح إليه كثير من مواطني هذا البلد التوّاقين للانعتاق من براثن لصوص السلطة والثروة كسقف لأية مواجهات عسكرية محتملة هو وضع اليد على مقر الفرقة الاولى مدرع لما يرمز إليه هذا الموقع من فساد ومن حجر عثرة في طريق تمرير قرارات الأخ الرئيس لاسيما قراره برقم (21) لسنة 2013م بتحويل هذا المعسكر الشاسع المساحة إلى حديقة ومتنفس لسكان العاصمة ومرتاديها. هذا القرار الذي ضرب به الجنرال علي محسن عرض الحائط فاستحق عليه وعلى غيره من الأخطاء القاتلة التي اقدم عليها خلال ثلث قرن من الزمن ما هو فيه اليوم من وضع لا يحسد عليه؛ طالما وضعته جماعة انصار الله في عقولها كمطلوب أول للمثول للعدالة. هذه الجماعة التي لم تنسَ منذُ أكثر من 14 قرناً معاوية ابن ابي سفيان فكيف بها أن تنسى هذا الجنرال قريب العهد بأفعاله تجاه هذه الجماعة. ما يؤخذ على التحرك الشعبي المسلح في إطار جماعة أنصار الله هو تجاوزه لموقع الفرقة الذي كان يمثل اسقاطه مطلباً شعبياً لا يختلف عليه اثنان حين ذهبت الجموع المسلحة لمحاصرة القيادة العامة للقوات المسلحة، هذا الموقع المحفور في الذاكرة الشعبية اليمنية لما له من رمزية لثورة سبتمبر ولما له من تاريخ ثوري على امتداد كل المحطات العسكرية التي مر بها منتسبو القوات المسلحة... ما كنت أتمناه ألا تذهب هذه المجاميع إلى أبعد مما تتقبله الذاكرة الوطنية، لاسيما المواقع السيادية كالفضائية اليمنية والقيادة العامة والبنك المركزي الأمر الذي أفقد الدولة هيبتها حين شعر المواطن بخطأ هذا التصرف ولربما شعر معه الخارج ايضا بأن لا وجود للدولة على الإطلاق، رغم قناعتي بأن الجيش وأجهزة الأمن هما من القوة ما يمكنهما من وئد أي تحرك مسلح، هذه القناعة التي لا لبس فيها في ظل القراءة الدقيقة لتوجهات الرئيس ولإستراتيجيته الرامية إلى انتزاع الشوائب والأدران من جسد الدولة ومن جسد الوطن، بأية وسيلة من الوسائل حتى لو كانت هذه الوسيلة هي الشارع المنتفض. الذهاب إلى هذا المكان- واعني به القيادة العامة- الذي يمثل يد السلطة الطولى ممثلة بالرئيس هادي أفقد الثورة الشعبية حتى وإن كانت مسلحة كثير من ألقها حين شعر المواطن وفي هذا الشهر السبتمبري بالذات الذي يستعد فيه الوطن للاحتفاء بالعيد 52 لثورة سبتمبر بأن استهداف موقع سيادي واستراتيجي كهذا كان يخفي ورائه أكثر من هدف آخر لا علاقة له بالمطالب الثلاثة التي تدافع الناس إلى العاصمة من أجل تحقيقها. سقوط هذا الموقع القيادي ذي الرمزية لأهم محطة ثورية في هذا البلد والذي تسكن في أحشاءه كثير من الملفات وكثير من قصص وبطولات القادة الذين سقطوا شهداء على طريق تثبيت دعائم الثورة والجمهورية بل ومن الأسرار العسكرية المتعلقة بأسفار الجيش على امتداد اكثر من 5 عقود من الزمن، سقوط موقع كهذا بالتأكيد أساء كثيراً للثورة الأم وللرئيس ذاته وللمواطن أيا كانت اتجاهاته السياسية وأيا كانت مذاهبه الدينية وأيا كانت مناطقه الجغرافية، بل الأهم من كل هذا هو الإساءة للجيش الذي بات مجرد بعبع لا وجود له غير في الاستعراضات الموسمية وفي شاشات التلفزيون أما على أرض الواقع فقد أثبت عدم تواجده لاسيما في أهم موقع من مواقعه الهامة وهو موقع قيادة الأركان. المشهد الراهن بحاجة إلى تقييم بعد قراءة أحداثه قراءة جيدة ومتمعنة بحيث لا نكتفي بما آل إليه هذا المشهد من توقيع على الورق وإنما بما يمكننا استنتاجه لما يترتب عليه مستقبلا... السؤال مرة أخرى: هل نحن على اعتاب مرحلة جديدة كانت بدايتها استئصال أحد الأورام الخبيثة من جسد هذا الوطن؟ نتمنى ألا تكون بداية هذه المرحلة هي النهاية! إذ ما نتطلع إليه هو استئصال جميع الاورام الأخرى المتفشية في جسد هذا الوطن المعيقة لحركته والمهددة له بالفناء. الجواب على مثل هكذا سؤال مازال في رحم الأيام القليلة القادمة، إذ ما يجدر بنا هو الانتظار طالما مكثنا أكثر من خمسة عقود من الزمن في انتظار هذا الوقت الذي أمكن لنا فيه وضع مثل هذا السؤال والذي إذا ما جاءت الإجابة عليه بالإيجاب فإنه ربما سيمكننا رؤية الأفق البعيد ولربما ما هو وراء وأبعد من هذا الأفق بكثير!. [email protected]